"داعش" يبدّل استراتيجيته: الإمساك بالمدن العراقية ليس أولوية

04 سبتمبر 2016
يركز التنظيم على الاعتداءات المباغتة (أحمد الربيعي/فرانس برس)
+ الخط -
تفيد آخر التقارير الاستخبارية المرتبطة بالعراق أن تنظيم "الدولة الإسلامية" (داعش) غيّر من استراتيجيته العسكرية بفعل الضغط العسكري عليه، وتراجع معدل التجنيد في صفوفه إلى أكثر من 50 في المائة منذ أبريل/نيسان الماضي. وإثر سلسلة الانسحابات السريعة للتنظيم من المدن والبلدات العراقية المختلفة، يبدو واضحاً أنه يسعى إلى عدم استنفاد جميع المقاتلين في المدن والانسحاب منها في حال ازداد الضغط عليهم. وهو ما اعتبرته التقارير الاستخبارية تحولاً كبيراً يطرأ على التنظيم يستوجب تعديل الخطط العسكرية، سواء المعتمدة من قبل قوات التحالف الدولي أو القوات العراقية الحكومية أو حتى المليشيات.

ويكشف ضابط رفيع في وزارة الدفاع العراقية، أجرى أخيراً لقاءات بقيادات عسكرية أميركية في قاعدة أندوز العسكرية في ولاية مريلاند الأميركية، ضمن وفد عسكري عراقي، أن التقارير الاستخبارية تؤكد أن التنظيم غيّر من استراتيجيته في القتال وهو ينتقل من "مرحلة الإمساك بالأرض إلى العمل الخيطي المنظم"، على حد وصفه.
ووفقا للضابط نفسه، فإن التقارير الاستخبارية التي صادق عليها عدد من الجنرالات الأميركيين العاملين كمستشارين في العراق تؤكد أن "قيادة التنظيم أصدرت توصيات بضرورة المحافظة على المقاتلين ووجوب عدم البذخ بأرواحهم بشكل مفرط، مقابل التركيز على المناورة والاعتداءات الخاطفة السريعة التي توقع أكبر عدد ممكن من القوات العراقية والمليشيات".



وبحسب الضابط، فإن تكرار الانسحابات من المدن والتخلي عن عبارة "القتال حتى الموت" أو "الدفاع عن أرض الخلافة" يشير إلى أن سياسة التنظيم الحالية قائمة على القتال، ليستنزف ويوقع أكبر عدد من القتلى في صفوف المهاجمين، ثم ينسحب بشكل تدريجي من المدينة ويتركها للقوات المهاجمة، وهو ما تحقق في مدن مثل الرطبة وهيت والفلوجة وأخيراً القيارة.

ويتوقف الضابط عند الاعتداءات التي ينفذها التنظيم في محافظة صلاح الدين منذ أسابيع، وبمعدل لا يقل عن 5 اعتداءات يومياً، يتخللها قيام "داعش" بقتل جنود وعناصر شرطة وعناصر من الحشد الشعبي ويحرق آلياتهم ثم ينسحب إلى مناطق غير معروفة غالباً تكون في سلسلة جبال حمرين. ووفقاً للضابط، فإن "قتال التنظيم حول المدن لم يعد مجدياً، فهو يخسر العشرات من مقاتليه بفعل الضربات الجوية، لذلك يقاتل حتى اقتناعه بوصول المعركة إلى مرحلة حرجة ثم ينسحب، على عكس ما كان يعتمده سابقاً بقتاله حتى آخر رجل" على حد قوله. ويرى أن "هذا التطور هو أكثر ما يقلق القيادة العسكرية الحالية للتحالف الدولي والعراقيين، إذ إن انسحاب التنظيم يعني أنه انتشر في مكان آخر غير معروف، أو أمكنة عدة، وسيهاجم متى ما شاء".
من جهته، يقول العقيد الركن، فاضل عبد النبي الساعدي، من فرقة التدخل السريع الأولى بالجيش العراقي، في تصريحات لـ"العربي الجديد"، إن "تواجد داعش في مكان معلوم داخل مدن معروفة أسهل بكثير لنا من انتشاره بهذا الشكل". ووفقاً للساعدي، فإن "أغلب انسحابات التنظيم تكون إلى الصحراء أو مناطق بعيدة لتجميع صفوفه مجدداً ثم الانتقال إلى مرحلة الهجمات الخاطفة التي تستهدف القوات الأمنية على حد سواء". ويرى أن "هذا الأسلوب الجديد يتطلب جهوداً جبارة لوقف اعتداءاته ومعرفة أوكاره".
في غضون ذلك، يشير مصدر أمني آخر، في تصريحات لـ"العربي الجديد"، إلى أن "المرحلة المقبلة ستكون صعبة للغاية، ويجب التنسيق مع قوات العشائر التي ستكون هي المفتاح للحل كونها أعلم بمناطقها، لا سيما في الأنبار وصلاح الدين ونينوى ذات التضاريس التي لا يخبرها إلا أهلها. وبحسب المصدر، فإن "عملية تهميش قوات العشائر من قبل الحكومة لا تجدي نفعاً اليوم". ويلفت إلى أنه في الفترة ما بين 19 أغسطس/آب الماضي ولغاية 27 من الشهر نفسه نفذ داعش اعتداءات في ست مناطق انسحب منها سابقاً في الأنبار وصلاح الدين، بلغ عددها 41 اعتداءً بين اعتداء انتحاري وهجمات مسلحة وكمائن وعبوات ناسفة وصواريخ وقذائف هاون أوقعت خسائر في صفوف القوات المشتركة. ويؤكد أن هذه الحصيلة من الخسائر لم يكن يتسبب فيها التنظيم عندما كان يحصّن نفسه داخل المدن.