إسرائيل واتفاقية المعونات الأميركية: كان بالإمكان أفضل مما كان

16 سبتمبر 2016
استفز خطاب نتنياهو داخل الكونغرس الأميركي أوباما عام 2015(Getty)
+ الخط -
لم يخلُ المديح الذي كاله رئيس الحكومة الإسرائيلية، بنيامين نتنياهو، لاتفاق المساعدات العسكرية الأميركية لإسرائيل، أول من أمس السبت، من الحسابات الداخلية لجهة استباق الهجوم المتوقع على الاتفاق من قبل خصومه في إسرائيل. تعمّد نتنياهو أن يصف الاتفاق بأنه تاريخي، وبأنه دليل على صلابة ومتانة العلاقات الأميركية الإسرائيلية، التي لا تتأثر، بحسب قوله، بالخلافات من حين لآخر، مستدركاً أنها "خلافات تبقى داخل العائلة". 

وفي الوقت ذاته، حرص نتنياهو على ألا يحصر المديح في دائرة الرئيس الأميركي باراك أوباما وإدارته، بل تعمد أن يشمل بالشكر أصدقاء إسرائيل في الكونغرس، خصوصاً في ظل موقف نواب من الحزبين الجمهوري والديمقراطي، لجهة دعم موقف إسرائيل ومطالبها بأن لا يتضمن الاتفاق بنداً يمنع إسرائيل من تقديم طلب للحصول على مساعدات إضافية عبر الكونغرس. وهو مطلب اضطرت إسرائيل إلى التراجع عنه، وإلى حث أصدقائها في الكونغرس لتخفيف حدة لهجتهم ضد إدارة أوباما التي هددت بعدم المصادقة على اتفاقية المساعدات كلها، بحسب ما كشف محلل في الشؤون العسكرية، ناحوم برنيع، في صحيفة "يديعوت أحرونوت".

لكن تصريحات نتنياهو الاستباقية، وتأكيد القائم بأعمال رئيس مجلس الأمن القومي الإسرائيلي، يعقوف نيغل، بأنه لم يطرح في أي من مراحل المفاوضات عرضاً بأن يكون المبلغ الإجمالي للمعونات الأميركية على مدار عشر سنوات 45 مليار دولار، لم تمنع جدلاً إسرائيلياً، قاده بالأساس خصوم نتنياهو في إسرائيل. وأشار هؤلاء إلى أن حصول إسرائيل على مبلغ إجمالي 38 مليار دولار "فقط"، مع بند يمهد بعد ست سنوات لمنع إسرائيل من استغلال 25 في المائة من أموال المعونات وتحويلها للشيكل لشراء منتجات وعتاد من الصناعات العسكرية الإسرائيلية، وتعهد إسرائيل بعدم طلب معونات إضافية من الكونغرس باستثناء حالات الطوارئ والحرب، جاء كعقاب لنتنياهو.

وأوضح الخصوم أن السبب هو بفعل الأزمة التي أثارها موقف رئيس الوزراء الرافض للاتفاق النووي مع إيران من جهة، وسعيه الدائم للتدخل في السياسة الأميركية الداخلية، ومحاولة التأثير على الإدارة من خلال خطابه الذي ألقاه في مارس/ آذار 2015 أمام الكونغرس بدعوة من قادة الحزب الجمهوري، وعلى الرغم من معارضة أوباما من جهة أخرى.

وشكلت هذه النقطة أساس الجدل في إسرائيل، وانطلاق محاولات للتأكيد على أنه كان بمقدور إسرائيل أن تحصل على معونات أكبر، وأن تتجنب التزاماً بعدم طلب معونات إضافية من الكونغرس، وبالأساس أن توفر على نفسها الأضرار المترتبة لاحقاً، بعد ست سنوات على وقف تحويل 25 في المائة من المعونات لصالح شراء عتاد وسلاح من الصناعات الإسرائيلية. وهذا يعني في نهاية المطاف أن تضطر هذه الصناعات إلى إقالة المئات من العاملين في صفوفها، مع انتهاء فترة السنوات الست.

ناهيك عن القول إن الزيادة الظاهرة في الاتفاق الجديد من 31 مليار دولار قبل عشر سنوات لا تعوّض، بعد احتساب المعونات الإضافية التي كان يقدمها الكونغرس سنوياً بمبلغ 200 مليون دولار لتطوير الدفاعات الأرضية والجوية ضد الصواريخ، والتي تم الآن ضمها إلى المبلغ العام للمعونات، الفارق والخسارة الناجمة عن تراجع القوة الشرائية للدولار الأميركي، وعن أضرار التضخم المالي في الاقتصاد الأميركي.






وكما كان متوقعاً، شن خصوم نتنياهو، وفي مقدمتهم رئيس الحكومة الأسبق، إيهود باراك، هجوماً عنيفاً على نتنياهو وعلى الاتفاق المبرم، متهماً إياه بأنه سبّب ضرراً بالغاً للأمن الإسرائيلي بفعل مواقفه وسياساته المناهضة للرئيس أوباما. واعتبر باراك في مقال نشره في صحيفة "واشنطن بوست"، الأربعاء، أن سياسة نتنياهو المتسرعة وغير المسؤولة تهدد الأمن الإسرائيلي، وتضر بالعلاقات بين إسرائيل والبيت البيض. وهو ما تجلى، بحسب أقوال باراك، في اتفاقية المساعدات الجديدة. وأوضح باراك أن "هذه المساعدات تشكل مساهمة مهمة لأمننا، لكن هذا المبلغ أقل بكثير مما كان يمكن الحصول عليه قبل أن يقرر نتنياهو التدخل في السياسة الداخلية للولايات المتحدة". ولفت إلى أنه منذ التوقيع على اتفاقية المعونات السابقة، التي منحت إسرائيل 31 مليار دولار، ارتفعت أسعار الأسلحة بمعدل 20 في المائة، وبالتالي، فإن ما ستحصل عليه إسرائيل الآن لا يزيد من قوتها الشرائية.

بموازاة ذلك، اعتبر المحلل السياسي في صحيفة "هآرتس"، براك رابيد، أن تصريحات كل من مستشارة الأمن القومي الأميركية، سوزان رايس، والرئيس أوباما، بشأن التزام الولايات المتحدة بأمن إسرائيل، و"الطريق الوحيد كي تبقى إسرائيل مزدهرة كدولة يهودية وديمقراطية هي من خلال إقامة دولة فلسطينية مستقلة"، بمثابة تذكير لنتنياهو بالوجه الآخر لاتفاقية المعونات. فهذا التصريح، كما لفت رابيد، هو الأول لأوباما منذ أشهر عدة في الشأن الإسرائيلي الفلسطيني، ولم يكن من باب الصدفة بل مكملاً لـ"الميراث" الذي يريد أن يتركه الرئيس خلفه قبل مغادرة البيت الأبيض.

وبحسب رابيد، تعزز التصريحات المخاوف السائدة في محيط نتنياهو والمقربين منه من احتمال قيام الرئيس أوباما بعد الانتخابات الأميركية، وزوال ضغط اللوبي اليهودي، وقبيل دخول الرئيس الجديد، بتحرك دولي لفرض المفاوضات على إسرائيل، أو على الأقل، عدم ممارسة حق النقض ضد مشروع قرار يطرح في مجلس الأمن لإلزام إسرائيل بمؤتمر دولي أو مفاوضات على أساس حل الدولتين. وهي المخاوف التي كان نتنياهو أعرب عنها خلال لقاء له الشهر الماضي مع عدد من رؤساء المنظمات اليهودية الأميركية، عقد في ديوانه في القدس المحتلة.

ومع ذلك، يقر هذا المحلل وزميله يوسي ميلمان، في صحيفة "معاريف"، بأنه من الصعب الحسم ما إذا كان بالإمكان الحصول على اتفاقية معونات أفضل أم لا، وما إذا كانت الحرب التي خاضها نتنياهو ضد الاتفاق النووي وضد أوباما لم تهدد ولم تضر في المحصلة بالمساعدات. إلا أن رابيد يشير إلى أن هذا الموقف مخالف كلياً لرأي كل من يملك خبرة في مسائل الأمن الإسرائيلي، بدءاً من إيهود براك، ودان مريدور، والجنرال عاموس يادلين، إذ يرى هؤلاء أنه كان بمقدور إسرائيل أن تحصل على اتفاق أفضل لو كانت سياسة نتنياهو تجاه باراك أوباما مغايرة، خصوصاً في ملف إيران النووي، حتى بعد توقيع الاتفاق.

وفي هذا السياق، يشير المحلل العسكري في "هآرتس"، عاموس هرئيل، إلى أن الاتفاق المبدئي الذي كان توصل إليه وزير الأمن السابق موشيه يعالون مع نظيره الأميركي آشتون كارتر تحدث عن اتفاقية معونات بمبلغ 45 مليار دولار. ولا يقف الأمر عند هذا الحد، بل ينقل عاموس هرئيل عن مصادر أمنية ومسؤولين إسرائيليين زاروا واشنطن قولهم إن الشرط الجديد الذي تضمنته الاتفاقية الجديدة بشأن عدم جواز تحويل 26 في المائة من المعونات للشيكل لشراء أسلحة وعتاد من الصناعات الإسرائيلية، أُدرج في الأشهر الأخيرة، بسبب مماطلة نتنياهو من جهة، والضغوط التي مارستها الصناعات العسكرية الأميركية التي اكتشفت أنها تخسر مناقصات وعطاءات كبيرة بفعل هذا البند. هذا الأمر دفعها للضغط على إدارة أوباما لإضافة هذا البند في المفاوضات بين مارس/ آذار وإبريل/ نيسان الماضيين.

وانضم مستشار الأمن القومي السابق لنتنياهو، البروفيسور عوزي أراد، إلى منتقدي اتفاقية المعونات. واعتبر في حديث مع موقع "يديعوت أحرونوت"، أن "نتنياهو راهن على الأمن وأضاع فرصة تاريخية، وأخطأ في حساباته، ونتيجة لذلك تصرف على نحو خاطئ. وكالعادة، كانت النتيجة خاسرة مقارنة بما كان يمكن ويجب أن نحصل عليه. لقد خسرت دولة إسرائيل، ليس فقط لأنها تحصل على أسلحة أقل وإنما بالأساس لأنها ضيّعت فرصة للحصول على ثمار سياسية مهمة". وأضاف أراد "لو أن إسرائيل بدأت المفاوضات حول حجم المساعدات قبل التوقيع على الاتفاق مع إيران لكانت حصلت على أكثر بكثير مما حصلت عليه"، كاشفاً عن أن الأميركيين كانوا طلبوا من إسرائيل بداية أن تحدد المبلغ الذي تريده، وأنها كانت ستحصل على ذلك لو سارت المفاوضات بظروف إيجابية".