مؤتمر "إستراتيجية المقاطعة": تحويل الشعارات إلى إستراتيجية مقاومة

07 اغسطس 2016
عرض المؤتمر تجارب دولية لمقاطعة إسرائيل (المركز العربي)
+ الخط -
حشد مؤتمر "إستراتيجية المقاطعة ضد الاحتلال الإسرائيلي ونظام الأبارتهايد: الواقع و الطموح"، الذي نظمه المركز العربي للأبحاث ودراسة السياسات بالتعاون مع فرعه في تونس، واختتمت أعماله أمس، العشرات من الباحثين والأكاديميين من دول وقارات مختلفة.

إذ إنه لأول مرة، يتم تداول هذا الكم من الخبرات والأبحاث، التي حاولت، على امتداد ثلاثة أيام، أن تعرض حصيلة التجارب والمحاولات الدولية لتحويل فلسفة المقاطعة للكيان الإسرائيلي إلى إستراتيجية مقاومة، تعيد للشعب الفلسطيني حقوقه المشروعة.

وعلى الرغم من أن المؤتمر عرض لتجارب دولية متعددة في مختلف القارات، وعلى وجه الخصوص في أستراليا وتشيلي وماليزيا، تشير إلى النتائج الإيجابية والإخفاقات والصعوبات على طريق تحريك سياسة المقاطعة لإسرائيل، إلى أنّ أعماله توقفت بعمق عند جرد نتائج المقاطعة عربياً، وتاريخ ومسارات المقاطعة ومناهضة التطبيع في الوطن العربي.

ويلفت مدير فرع المركز العربي للأبحاث ودراسة السياسات بتونس، الدكتور مهدي مبروك، إلى أنّ المؤتمر ينعقد بعد 70 سنة من صدور أول قرار لجامعة الدول العربية عن المقاطعة الرسمية عام 1945 "للبضائع اليهودية، مطالباً كل المؤسسات والمنظمات والتجّار والأفراد العرب برفض التعامل بالبضائع الصهيونية أو توزيعها أو استهلاكها"، مشيراً إلى منعطفات عدة اعترضت القرار، وأكّدت ضعف النظام الرسمي العربي، وتشتُّت النخب العربية، وتنامي موجات العنف والتطرف، وارتفاع منسوب مناهضة العرب، والمسلمين عامّة، "وهو ما كان له انعكاس وخيم على القضية الفلسطينية".


ويأتي توقيت المؤتمر في ظرف دقيق عربياً، يتأرجح بين انعتاق القرار العربي الشعبي بالخصوص، في دول نجحت نسبياً في الانخراط بمناخات الممارسة الديمقراطية، تونس نموذجاً؛ وبين دول لا تزال تعاني ويلات الحروب الأهلية، بغية إجهاض مسارها نحو التحرر من الأنظمة الديكتاتورية، بما يحمله ذلك من دلالات عميقة، إذ ترافقت بدايات الربيع العربي عام 2011 مع موجة شعبية عالية للتضامن مع القضية الفلسطينية، توضحت معالمها أكثر إبان العدوان الأخير على غزة عام 2014، ثم تراجعت مع احتدام المشاكل الداخلية في أكثر من بلد عربي، بالتوازي مع استفاقة حقيقة للحراك المدني المؤثر في القرار الرسمي.


ويلفت الدكتور مبروك إلى أنّ "المؤتمر نجح في إثبات أنّ لحظة الانكفاء القطري باهتمام الناس بعد الثورات العربية، بالشأن الوطني، ربما قد حجبت عنا أهمية النضال"، مشيراً، في الوقت نفسه، إلى أهمية وجود "فعاليات مدنية في مجال حقوق الإنسان، وتفعيل المقاومة الشعبية".

وتتأتى أهمية المؤتمر من خلال هدفه الأساسي وهو "تناول مسألة المقاطعة من خلال دراسات علمية، وبالحجج الاقتصادية، عبر الأرقام والجداول"، و"تغذية ديناميكية المقاطعة، وتفعيلَ أشكالها ومضامينها؛ بوصفها جزءاً من حق الشعب الفلسطيني في المقاومة والتحرر"، كما يشير الدكتور مبروك.

ووفقاً للدكتور مبروك، فإنّ أهمية هذا المؤتمر الأكاديمي البحثي تكمن في مدّ النخب العلمية والجماعات البحثية، لجسور التعاون مع الجماعات العلمية الغربية.



وعرض المؤتمر تجارب وانعكاسات حملات المقاطعة في أوروبا والولايات المتحدة والتشيلي وأستراليا وماليزيا، وغيرها من البلدان، إلى جانب طرح أسئلة جوهرية على النخب والشعوب العربية.

ونقل الباحث والأكاديمي محمد ناظري إسماعيل من ماليزيا أسئلة الماليزيين، قائلاً في مداخلته "إنّ البعض يتساءل في ماليزيا لماذا نقاطع شركات إسرائيلية ويهودية والعرب يتعاملون معها؟ ولماذا نقاطع إسرائيل والعرب لا يفعلون ذلك؟". وأضاف أنّ "قطاعات مهمة من الرأي العام الماليزي تتساءل اليوم عن البديل في حالة مقاطعة إسرائيل، ومن سيعوض الخسائر المترتبة على ذلك؟ فضلًا عن اهتمام الماليزيين بالمشاكل الاقتصادية وصعوبات الحياة وتنامي معدلات المديونية، وهي كلها عوامل تحدّ من انخراطهم في حملات المقاطعة".

وتعكس هذه الأسئلة وغيرها حالة من الإرباك الحقيقي حول واقع المقاطعة، بكل جوانبه الاقتصادية والأكاديمية والثقافية والسياسية في الوطن العربي، لا سيما إزاء الاستراتيجية الإسرائيلية لمقاومة المقاطعة وإفشالها، أمام اقتناع المسؤولين الإسرائيليين بخطورتها على الكيان.

ويلفت أعضاء في اللجنة الوطنية الفلسطينية للمقاطعة إلى أنّ المسؤولين ورجال الأعمال الإسرائيليين ينظرون لحركة المقاطعة اليوم كخطر محدق يهدد الاقتصاد الإسرائيلي برمته، و"يلقي بظلال جنوب أفريقيا عليه"، حسب تعبير الوزيرة الإسرائيلية تسيبي ليفني.

كما حذر وزير المالية الإسرائيلي يائير لابيد، في وقت سابق، من أنّ "الاقتصاد الإسرائيلي أكثر هشاشة من أمنها القومي"، فيما أصدرت وزارة المالية تقريراً ينص على أنّ المقاطعة "هي أكبر خطر على الاقتصاد الإسرائيلي".

وبحسب تصريح سابق، لأحد مؤسسي حركة مقاطعة إسرائيل عمر البرغوثي، "يعكس هذا الهلع الإسرائيلي من حركة المقاطعة التطور الملحوظ في الإجراءات المتعلقة بالمقاطعة وسحب الاستثمارات، والعقوبات التي اتخذتها صناديق تقاعد ضخمة وشركات وبنوك، بالذات في أوروبا، ضد شركات ومؤسسات إسرائيلية متورطة في الاحتلال والاستيطان".

ويلفت الباحث الفلسطيني المقيم في واشنطن، أسامة أبو أرشيد، لـ"العربي الجديد" إلى أنّ "الدول العربية يفترض أنّها مقاطعة لكنها عملياً ليست كذلك"، مشيراً إلى "أهمية تبادل الخبرات من خلال المؤتمرات الأكاديمية كهذه حول معرفة كيفية سير حركة المقاطعة والاستفادة منها من قبل المواطن العربي"، مؤكداً الحاجة إلى "صناعة تسمى المقاطعة تشمل الكثير من الشركات والتوجهات المؤيدة لدولة الاحتلال".

جدير بالذكر أن المؤتمر دعا إلى أهمية إبراز "أنسنة" القضية الفلسطينية والتركيز على أن ممارسات الكيان الصهيوني مخالفة لأبسط حقوق الإنسان، والبحث في مختلف القوانين والتشريعات الوطنية والعالمية بما يخدم هذا التوجه والاشتغال أكثر على المقاطعة الأكاديمية والجامعية والثقافية بسبب الوزن الكبير الذي يمثله الجامعيون والباحثون والمثقفون في صناعة الرأي العام. وفي هذا السياق، تم اقتراح إحداث وحدات أو مراكز بحثية على مستوى الجامعات العربية تهتم بموضوع المقاطعة العربية لإسرائيل وتبحث سبل تطويرها وتفعيلها.

ودعا بعض الحضور إلى مضاعفة الجهد الرامي لنزع الشرعية الأخلاقية والقانونية عن إسرائيل في المحافل الإقليمية والدولية وفي المنظمات العالمية، وفضح ممارساتها العدوانية وسياسات التمييز العنصري التي تنتهجها ضد الفلسطينيين، مع ضرورة الانتباه إلى محاولات تشويه حركة "بي دي إس" وإلصاق شبهات معاداتها للسامية، وهي أحد محاور عمل إستراتيجية إسرائيل المضادة لحركة المقاطعة. فضلاً عن ضرورة تعزيز التشبيك بين حركات المقاطعة ضد إسرائيل في مختلف أنحاء العالم بهدف تحقيق مزيد من النجاعة والفاعلية لتدخلاتها ونشاطاتها.