مصر: تمهيد لتمرير القروض الدولية برلمانياً بلا مشاكسة نيابية

04 اغسطس 2016
يريد السيسي تمرير الموافقة البرلمانية سريعاً (فرانس برس)
+ الخط -
بدا الرئيس المصري عبد الفتاح السيسي، واثقاً من إتمام القروض الدولية التي تحاول الحكومة الحصول عليها خلال الفترة الحالية، وعلى رأسها قرض من صندوق النقد الدولي، يُقدّر بـ12 مليار دولار على ثلاث سنوات. وكان السيسي قد وعد، يوم الاثنين، خلال لقائه شباب البرنامج الرئاسي للتأهيل، بحلّ أزمة الدولار، وعبّر عن ذلك بالقول: "بفضل الله الناس اللي مخزنة الدولار هتجري بكره على البنوك تفكّه"، في إشارةٍ إلى اقتراب الحصول على قرض صندوق النقد الدولي، ورسالة فحواها ألا بديل عنه. مع العلم أن الحكومة المصرية تجري حالياً، وحتى نهاية اﻷسبوع المقبل، مشاورات مع وفد صندوق النقد الدولي المتواجد في القاهرة، لمعرفة إصلاحاتها ورؤيتها في اﻹصلاح الاقتصادي، تمهيداً للموافقة على منحها القرض.

تصريحات السيسي، مع تأكيدات الحكومة على لسان المسؤولين والوزراء، بعدم المساس بمحدودي الدخل وضعف تأثير القروض على أوضاعهم المعيشة، لم تجد صدىً واسعاً لدى رافضي القرض باﻷساس، بيد أنها أسهمت في تعديل مواقف بعض اﻷحزاب لناحية الموافقة بعد رفضها المبدئي. وتطرّق الرئيس المصري، إلى وجود مزيد من اﻷوضاع الصعبة خلال الفترة المقبلة، بقوله: "هل الشعب المصري مستعد ولديه المعرفة اللازمة لتقبل اتخاذ إجراءات قد تكون صعبة وقاسية"؟

أما اﻷهم والتحدي اﻷكبر بالنسبة للسيسي والحكومة، لإتمام القروض الخارجية، فهو مجلس النواب، إذ على الرغم من سيطرة ائتلاف "دعم مصر"، المنبثق من قائمة "في حب مصر"، المدعوم من النظام واﻷجهزة اﻷمنية والسيادية في الدولة، إلا أنه تخوّف من إثارة مشكلات وبلبلة خلال مناقشة اتفاقية القروض، ووصول هذا اﻷمر إلى الرأي العام، بما يُشكّل أزمة لدى النظام الحالي بوجود توجهات عامة برفض سياسات الحكومة.
وبدأت تظهر في مناقشات بين نواب داخل ائتلاف اﻷغلبية، بوادر رفض لمسألة الإسراع في البحث عن القروض الخارجية، باعتبارها خطراً على الاقتصاد، وستكون له عواقب ليست جيدة على المدى البعيد.

في هذا السياق، تفيد مصادر برلمانية بائتلاف "دعم مصر"، أن التواصل "جارٍ مع أعضاء الائتلاف خلال الفترة الحالية، بشأن اتخاذ موقف موحّد من القروض التي تسعى الحكومة لإتمامها مع جهات دولية، من بينها صندوق النقد الدولي". وتضيف المصادر لـ"العربي الجديد"، أن "هناك تساؤلات طُرحت من بعض النواب حول أهمية القروض، خصوصاً لما تفرضه من شروط مجحفة تزيد من صعوبة اﻷوضاع الاقتصادية، وزيادة حالة الغضب والاستياء الشعبي من سوء اﻷوضاع المعيشية". وتشير إلى أن "ردود بعض القيادات أكدت أن الأمر تتم دراسته منذ فترة طويلة، وأنه بقدر التأثيرات السلبية للقروض إلا أنها ستسهم في إنقاذ البلاد من الأزمة الاقتصادية، وألا بديل عن القروض".




كما تكشف المصادر أن "هناك تمهيداً من جانب ائتلاف اﻷغلبية لأعضائه، لعدم إثارة أي بلبلة خلال عرض القروض على البرلمان في الفترة المقبلة، لحساسية الموقف وضرورة الاتفاق بأسرع وقت ممكن على تلك القروض". وتشير المصادر، إلى أن "هناك يقيناً لدى بعض النواب سواء من ائتلاف دعم مصر أو خارجه، بأن سياسات الحكومة المتبعة خلال الفترة الماضية، وبنود الموازنة وتقليل العجز بها، فضلاً عن مشروعات القوانين مثل القيمة المضافة والخدمة المدنية تحديداً كان يرتبط بشكل أو بآخر بشروط الجهات الدولية لمنح مصر قروضاً". وتذهب إلى حدّ القول إن "اللجنة الاقتصادية بدأت هي اﻷخرى تمهّد لمسألة الموافقة على القروض من الخارج، من دون استفاضة في المناقشة، بل اكتفت فقط بالتساؤل حول أوجه إنفاق القرض المزمع التعاقد عليه مع صندوق النقد".

من جهته، يقول النائب خالد عبد العزيز شعبان، إن "مسألة القروض أمر في غاية الحساسية، نظراً لما تفرضه من صعوبات على اﻷجيال المقبلة خلال عملية تسديده". ويضيف شعبان لـ"العربي الجديد"، أن "الحكومة لا تتعامل بشفافية مع مجلس النواب في مختلف القضايا، لأنها أعلنت بشكل مفاجئ عن وصول وفد من صندوق النقد لبدء المشاورات حول تمويل بقيمة 12 مليار دولار، في حين أنه من المستحيل أن يحدث ذلك دون مشاورات سابقة". ويشير إلى أن "الحكومة كانت تتهرّب من كل تساؤلات النواب حول مصادر تمويل الميزانية أو كيفية التخلص من اﻷعباء واﻷزمات الاقتصادية، وطرح حلول لسد العجز في الموازنة واحتواء الموجة التضخمية، ولكن من دون ردّ تماماً، وكان هناك إخفاء متعمّد لمسألة اللجوء للقروض الدولية".

ويؤكد شعبان أن "اﻷجيال المقبلة ستدفع الثمن"، محذّراً من "الاعتماد على القروض وزيادة مديونية مصر داخلياً وخارجياً، وما يصعب تسديدها خلال فترة وجيزة، خصوصاً مع عدم وجود إصلاح اقتصادي حقيقي". ويتعجّب من ربط الحكومة بين الإصلاح الاقتصادي وزيادة الضغط على الطبقات المهمشة، ورفع الدعم المستحق للفقراء، خصوصاً أن من شروط القروض الدولية رفع الدعم بشكل تدريجي، وهو ما حدث في الموازنة وسيزيد خلال الفترة المقبلة. حزب "الوفد"، ومن الوهلة اﻷولى ﻹعلان الحكومة الدخول في مشاورات مع صندوق النقد الدولي، للحصول على قرض بقيمة 12 مليار دولار، أعلن رفضه لهذا التوجه، على لسان المتحدث باسمه محمد فؤاد. مع ذلك، لم تكد تمرّ ساعات حتى خرج رئيس "الوفد"، السيد البدوي، ليبدي موافقته على القرض، باعتباره يرفع التصنيف الائتماني لمصر.

في المقابل، دعا رئيس حزب "الإصلاح والتنمية"، النائب محمد أنور السادات، قيادات الأحزاب والقوى السياسية الممثلة في مجلس النواب، إلى اجتماع عاجل للتشاور حول المفاوضات الحالية التي تجريها الحكومة المصرية مع بعثة صندوق النقد الدولي. وقد أبدت أحزاب وشخصيات عامة رفضها أو تحفظها، على سياسات الحكومة للاقتراض من الخارج، ومنها حزب "التحالف الشعبي الاشتراكي"، الذي اعتبر أن "قرض صندوق النقد الدولي هو استمرار لمخطط تركيع مصر، وبيع أصولها وتسريح موظفي القطاع العام، وبداية لرفع الدولة يدها عن خدمات الصحة والتعليم".

أما رئيس اللجنة الاقتصادية، علي المصيلحي، فأكد أن "اللجنة لا تعترض على قرض صندوق النقد الدولي، ولكنها ترى أن الأصل في البرنامج الاقتصادي ليس القروض، ﻷنها عبء ولها تأثيرات مستقبلية، خصوصاً على الأجيال المقبلة، إذا افتقرت إلى الإجراءات السليمة، واتضح أين سيتم صرفها والضوابط المختلفة".


المساهمون