مع ارتفاع العدد الإجمالي لعناصرها إلى نحو 114 ألف مقاتل، موزعين على 79 فصيلاً مسلحاً، تحاول مليشيات "الحشد الشعبي" في العراق، تثبيت ديمومة مصادر دخلها كي تضمن استمرارية عملها وعدم انتقال مسلحيها إلى فصائل أخرى، بحثاً عن امتيازات مالية أفضل كما يجري مؤخراً مع بعض فصائل تلك المليشيات.
وبحسب آخر التقديرات الصادرة من بغداد عن جهات حكومية وسياسية مختلفة، تتصدر فصائل الحشد 10 فصائل كبيرة منها، أبرزها حزب الله والخراساني وأبو الفضل العباس وبدر والعصائب وسرايا السلام والإمام علي والبدلاء والنجباء وسيد الشهداء.
وأعلنت الحكومة العراقية في الفترة الأخيرة عن حالة التقشف، بسبب الأزمة المالية التي تعصف بالبلاد وتقنين الإنفاق. وطاول هذا التقشف مليشيات "الحشد"، التي خفضت مرتبات عناصرها بما يعادل 550 دولارا، فضلاً عن مخصصات النقل والوقود والعلاج والطعام. فيما تصاعدت حمى التنافس بين تلك المليشيات للحصول على ما يصفونه بالدخل الإضافي الشهري لها.
وتوزع مصادر تمويل "الحشد الشعبي" الرئيسية على كل فصيل حسب عدد أفراده وإنجازاته على الأرض والقيادات البارزة فيه، لذا هناك فصائل تغبن بتوزيع مستحقاتها الشهرية من قبل المانحين خاصة تلك المشكلة حديثاً، على حد تعبير مصادر حكومية وسياسية مقربة من مليشيات "الحشد" التقت بهم "العربي الجديد".
ووفقاً للمصدر ذاته، فإنّ مصادر التمويل الشهري "متعددة لكن ليست عادلة بين مليشيا وأخرى وغالبيتها تعتمد على العلاقات ومدى رضا المشرف الأول عن الحشد، الحاج قاسم سليماني، على هذا الفصيل أو ذاك".
ووأوضح مسؤول عراقي، وهو أحد القضاة العاملين في هيئة النزاهة العراقية، أنّ مصادر التمويل عدة وهي من "الحكومة العراقية وذلك من خلال مرتبات شهرية تدفعها بالاعتماد على استقطاع 3% من مرتبات الموظفين الحكوميين، لصالح المليشيات مع الموازنة الثابتة التي أعلن عنها مطلع العام رسميا وتبلغ نحو مليار دولار".
وأضاف أنّ "إيران ومن خلال مكتب قائد فيلق القدس الإيراني قاسم سليماني، تخصص مبالغ شهرية وغير ثابتة لكل فصيل تعرف باسم دعم مجاهدي العراق، وهناك مثلها بالنسبة للذين يقاتلون في سورية"، معتبراً أنّ "المصدر الإيراني يحتمل فسادا ماليا كبيرا حيث عادة ما يكون زعيم المليشيا هو المتصرف بالمال الإيراني الآتي إليها ويوزعه بانتقائية وبشكل غير عادل".
وقال المسؤول العراقي إنّ "الأحزاب والمرجعيات الدينية تمنح ما يعرف بالمعونة الجهادية للحشد، فيما تدعم المراجع الدينية تلك المليشيات من أموال الخمس والتبرعات اليومية التي ترد إلى المقامات المقدسة"، فضلاً عن "الغنائم وهي مصطلح يطلق على عمليات السرقة والنهب التي تقوم بها مليشيات الحشد الشعبي في المدن والبلدات التي تدخلها أو عمليات الخطف وابتزاز الضحايا".
وسجلت مليشيات الحشد في وقت سابق اعتراضاً على تخفيض الحكومة موازنتها السنوية المخصصة لها، إذ قال المتحدث باسم مليشيات "الحشد"، أحمد الأسدي، إنّ "ميزانية العام 2016 المخصصة لقوات الحشد الشعبي تقدر بتريليون و160 مليار دينار عراقي أي نحو مليار دولار أميركي"، مضيفاً أنّ "الميزانية التي يحتاج لها الحشد تقدر بأربعة تريليونات دينار حتى نستطيع تغطية كافة مستلزماته من تسليح واعتدة وآليات وعجلات، وكذلك لتوفير رواتب أبناء الحشد وشهدائه".
وأوضح أنّ "موازنة الحشد عام 2015 قدّرت بـ 6 تريليونات وستة وثلاثين مليار دينار، وندرك الأزمة الاقتصادية التي يمر بها البلد ولكن الموازنة لا تتناسب مع ما يقدمه الحشد الشعبي من تضحيات جسيمة".
من جهته، قال القيادي بمليشيا النجباء، حسين الغرباوي، لـ"العربي الجديد" إنّ "هناك معونات تصل بين الحين والآخر لقيادة هيئة الحشد الشعبي من قبل رجال دين وتجار في دول عربية بينها خليجية"، لافتاً إلى أنّ "تلك المساعدات ليست دائمة لكنها محط تقدير من قبلنا لأن هناك ما بات يفهم أنها معركة مصير"، مضيفاً أنّه "بالنسبة لنا وضعنا أفضل من وضع المجاهدين من إخوتنا في سورية، فتمويلهم محدود وفقط الجمهورية الإسلامية الإيرانية تتولى رعايتهم".
وتشكلت مليشيات الحشد الشعبي بناءً على فتوى من المرجع الديني، علي السيستاني، نهاية يونيو/حزيران عام 2014، بعد بروز تنظيم "الدولة الإسلامية" (داعش) في العراق، ويتهمها مسؤولون في محافظة الأنبار وصلاح الدين بارتكاب جرائم قتل وخطف وسرقة المنازل والمتاجر ثم إحراقها ومصادرة أموال وحلي ذهبية خلال اقتحامها للمحافظة.
واعتبر القيادي بجبهة الحراك الشعبي ومسؤول لجنة توثيق جرائم داعش والمليشيات، أحمد عبد السلام، لـ"العربي الجديد" أنّ "سبب حرص المليشيات على المشاركة بمعركة الموصل هو لسرقتها وتمويل نفسها، فالموصل ثاني أغنى مدينة عراقية كما هو معروف"، مضيفاً أنّ "أعمال داعش تتشابه مع أعمال المليشيات ولا فرق بينهم فكلاهما بلاء على العراقيين".