العيسوية... مشهد يومي من مقاومة الاعتداءات الإسرائيلية

31 يوليو 2016
اعتقالات يومية للأطفال والفتية القاصرين (مناحيم كاهانا/فرانس برس)
+ الخط -
بالكاد يمكن أن تسير الحياة بشكل طبيعي في بلدة العيسوية إلى الشمال الشرقي من مدينة القدس المحتلة، وهي البلدة الفلسطينية التي نهب الاحتلال الإسرائيلي معظم أراضيها وأحاطها من جميع الجهات بالمستوطنات والأنفاق والطرق الاستيطانية الالتفافية، لتصبح محط أحداث يومية لاعتداءات جنود وعناصر الاحتلال.

في العيسوية التي يزيد عدد سكانها على عشرين ألف يتحدث سكانها عن استهداف يومي من قبل الاحتلال لبلدتهم، وبات مشهد المستعربين (وحدات أمنية)، الذين يقتحمون البلدة ويعتقلون أطفالها وفتيتها بعد الاعتداء عليهم بالضرب الوحشي حدثاً يومياً. ويضاف إلى ذلك، حملات الدهم والاعتقال التي تتم بعد منتصف الليل، وما يتخللها من تنكيل وترويع للنساء والأطفال وتوجيه الشتائم والإهانات للرجال، كما يقول أحد أعضاء لجنة المتابعة في البلدة، محمد أبو الحمص.

ويقول أبو الحمص لـ"العربي الجديد"، إنّ قوات الاحتلال اقتحمت البلدة، أخيراً، باستخدام طُعْمٍ من نوع جديد، "مركبة للمستوطنين، هكذا بدت لفتية البلدة وأطفالها، تبعتها مركبة أخرى لوحدة من المستعربين، وهي قوة عسكرية خاصة متخفية بلباس مدني، تستهدف رماة الحجارة. وما إن اقتربت المركبتان من مجموعة أطفال حتى هجم المستعربون عليهم، واستفردوا بطفلَين أوسعوهما ضرباً واقتادوهما عنوة إلى خارج البلدة". ويضيف أنّه "لم يكن هناك أي حركة في البلدة، ولا مواجهات، وعلى الرغم من ذلك اقتحموها وانهالوا على أطفالها بالضرب".

كما أنّ الغارات الليلية على العيسوية لا تتوقف، ولا تكاد تمر ليلة من دون أن يتم تنفيذ اعتقالات ضد الأهالي وخصوصاً الأطفال والفتية القاصرين. ووفقاً لأمجد أبو عصب من لجنة أهالي أسرى القدس، سجّلت العيسوية على مدى هبة القدس الحالية أكبر عدد من المعتقلين بين قرى وبلدات وأحياء القدس المحتلة، وعدد كبير من هؤلاء دون السن القانوني، مع ذلك تصدر المحاكم الإسرائيلية أحكاماً بالسجن عليهم، بذرائع مختلفة. كان آخر تلك الاعتقالات، الإعلان عن اعتقال خلية من الفتية تخصصت بمهاجمة أهداف للمستوطنين وقوات الاحتلال بالحجارة والزجاجات الحارقة، ومهاجمة موقع عسكري للرصد والمراقبة على تخوم البلدة.




الاستهداف اليومي للعيسوية، كما يقول أحد مواطنيها أحمد داري، لا يقتصر على الاعتقالات، بل هناك دوائر إسرائيلية أخرى باتت أكثر تخصصاً في استهداف البلدة، مثل بلدية الاحتلال في القدس، التي تصدر إخطارات الهدم بشكل شبه يومي وتسلمها لأهالي البلدة، وشركة المياه التابعة لها والمعروفة باسم "جيحون" التي تتولى مهمة قطع المياه عن العيسوية، ومصادرة عدادات المياه من منازل المواطنين.

وتتهم بلدية الاحتلال في القدس أهالي العيسوية بارتكاب مخالفات بناء، لكن داري يؤكد أنّ العكس صحيح، ويقول لـ"العربي الجديد" إن البلدية هي من ترتكب الانتهاكات بحق أهالي البلدة، وتفرض قيوداً صارمة على البناء، وتهدم عشوائياً منازل المواطنين وتفرض عليهم غرامات ومخالفات مالية باهظة جداً، في وقت يعاني فيه المواطنون من أزمة سكن خانقة. ويصل معدل الأفراد في الشقة السكنية الواحدة إلى 10 أشخاص، في حين يبلغ عدد أفراد الأسر في بعض المساكن 25 شخصاً. ويضيف داري أنّه "بدلاً من توفير الحلول لأزمة السكن تصادر سلطات الاحتلال الإسرائيلي ما تبقى من أراضي البلدة، كان آخرها القرار القاضي بمصادرة أكثر من 700 دونم لإقامة ما يسمى بحديقة وطنية".

ويفخر أهالي العيسوية بمقاومتهم الاحتلال، وبأنهم قدموا شهداء وأسرى على مذبح الحرية، أشهرهم الأسير سامر العيساوي الذي أعيد اعتقاله بعد تحرره في صفقة "وفاء الأحرار" عام 2011، وإلى جانب سامر هناك شقيقته شيرين العيساوي، وشقيق ثالث اسمه مدحت، يقبع معهما في سجون الاحتلال، وقبل ذلك قدمت العائلة ذاتها شهيداً في ريعان الصبا هو فادي العيساوي. ومع كل هذا الاستهداف للعيسوية، لا تتوقف الحياة أبداً، حيث ينتشر الأطفال والفتية في شوارعها حتى بوجود عشرات الجنود.

واختار هؤلاء الأطفال مسرحاً لتنزهاتهم وقضاء أوقات فراغهم في حديقة أقيمت على مدخل البلدة، وقد باتت ملتقى لنساء العيسوية وأطفالهن. ولا يسلم هذا المتنزه من قذائف الغاز المسيل للدموع الذي يطلقه جنود الاحتلال في اقتحاماتهم للبلدة، وقد اتخذوا على تلة صغيرة مشرفة على منازل المواطنين نقطة مراقبة عسكرية ورصد، إذ إنّ هناك منطاداً ضخماً في سماء البلدة يبث على مدار الساعة كل ما يجري في أزقتها وشوارعها الضيقة.