الجزائر: تجدُّد الشكوك حول مدى تحكّم بوتفليقة بإدارة الدولة

16 يوليو 2016
أنصار بوتفليقة يؤكدون أنه يدير شؤون الجزائر(ألان جوكار/فرانس برس)
+ الخط -
تجدّدت الشكوك السياسية في الجزائر بشأن مدى تحكّم الرئيس عبدالعزيز بوتفليقة في تسيير شؤون الدولة واطلاعه على كل القرارات والوثائق السياسية الصادرة عن الرئاسة، بعد نشر الرئاسة لرسالة نسبت إلى بوتفليقة وتضمنت مقاطع مفككة وجملاً مثيرة للجدل وخلطاً في المعلومات التاريخية، ما دفع بالقوى السياسية المعارضة ووسائل الإعلام إلى التساؤل عما إذا كانت الرسالة صادرة فعلاً عن الرئيس الجزائري. هي جملة مثيرة خلطت الأوراق وحولت النقاش من مضمون الرسالة التي دافع فيها بوتفليقة عن حصيلة العهود الرئاسية الأربع، ونشرتها وكالة الأنباء الرسمية عشية احتفال الجزائر بمناسبة عيد الاستقلال. وجاء في الرسالة: "فعلى شبيبتنا ألا تنسى ما تكبده شعبنا من ويلات طوال 132 سنة (من الاستعمار الفرنسي)، تلك الويلات التي تمثلت في المجازر ومحاولات إبادة أهلنا وتجريدهم من أراضيهم وتصميم على طمس ثقافتنا ومحو هويتنا وجعلنا في خبر كان. أو ليس الأمر كذلك بالنسبة للأمويين والعباسيين"، وهو ما يعني اعتبار الفتح الاسلامي للجزائر على يد الفاتح عقبة بن نافع، وتبعيتها للخلافة في عهد الأمويين والعباسيين غزواً يتساوى مع الاحتلال الفرنسي للبلاد.

وقال القيادي في حركة "مجتمع السلم"، أكبر الأحزاب الإسلامية في الجزائر، حمدادوش ناصر، تعليقاً على الرسالة الرئاسية: "نحن في زمن اختطاف أهم مؤسسة من مؤسسات الدولة، رئاسة الجمهورية"، مضيفاً أنه لا يدري إنْ كان بوتفليقة "على علم بهذه الرسالة وموافقاً على مضمونها، فلأول مرة في زمن الرداءة السياسية، تعتبر مؤسسة رسمية أن الفتح الإسلامي مثل الاحتلال الفرنسي". ووصف ناصر مضمون هذه الرسالة بأنه "انحراف عنصري خطير، يمس بالتاريخ الإسلامي المشرف، ويخدش الماضي المشرق للحضارة الإسلامية، وهو اعتداء شاذ وصدمة مجانية، واستفزاز مقرف، وسقطة مدوية"، وأضاف: "أغلب الظن أن الذين يختطفون رئاسة الجمهورية يعبثون بمصداقيتها، وهذه الرسالة دليل مادي ملموس على هذا التسيب المفضوح، وهذا التنكر لجزء مضيء من تاريخ الجزائر"، على حد تعبيره.

وعادت زعيمة حزب العمال اليساري، لويزة حنون، إلى التشكيك في ما إذا كان بوتفليقة على علم بالقرارات التي تتخذ باسمه. وقالت في مؤتمر سياسي، عقد منذ أيام، إنها لا تعتقد أن يكون الرئيس الجزائري مطلعاً على مسألة اعتقال صحافيين وإيداعهم السجن والانزعاج من برامج تلفزيونية. كما طرحت من جانبها تساؤلات عن مضمون رسالة بوتفليقة التي نشرت عشية عيد الاستقلال، ورأت أنها رسالة توقفت عند زمن سابق ولا علاقة لها بما يحدث في اللحظة السياسية الراهنة.


في المقابل، لم يجد أنصار بوتفليقة ما يفسر هذا الغموض والخلط السياسي والتاريخي في وثيقة رسمية صادرة عن أهم وأعلى مؤسسة في البلد، أي رئاسة الجمهورية، غير العودة إلى نفس منطق التشكيك بخطاب المعارضة. في هذا الصدد، قال وزير الصحة السابق، العضو في مجلس الأمة، جمال ولد عباس، في تصريح صحافي عقب جلسة للبرلمان، إن التشكيك في إدارة الرئيس بوتفليقة للبلاد أمر خطير ولا يشرف المعارضة السياسية، ويمثل تهديداً للوحدة الوطنية. ودافع عن قدرة بوتفليقة صحياً على إدارة شؤون البلاد والدولة. وفي موقف مشابه، قال وزير السياحة المقال قبل أسبوعين، والمعيّن حديثاً كعضو في مجلس الأمة، عمر غول، الذي يرأس حزب "تاج"، المنشق عن حركة الإخوان المسلمين في الجزائر والموالي لبوتفليقة، إن موجة التشكيك في صحة الرئيس ورموز الدولة وإثارة الجدل بهذا الخصوص، من شأنها أن تسيء لسمعة الجزائر وتهدد وحدتها السياسية الداخلية، مطالباً قوى المعارضة باحترام رموز البلاد والدفاع عنهم.

في الواقع، لم يكن مضمون رسالة بوتفليقة العامل الوحيد الذي أثار شكوكاً حول كون الرئيس على علم بالقرارات السيادية والتعيينات الصادرة باسمه. فتعيين غول كعضو في مجلس الأمة بعد إقالته من الحكومة، أثار أيضاً جدلاً في هذا الشأن. ونسبت أوساط سياسية وإعلامية قرار التعيين إلى شقيق الرئيس سعيد بوتفليقة. وهو التشكيك الذي أبدى بشأنه رئيس مجلس الأمة، عبد القادر بن صالح، انزعاجاً دفعه إلى تخصيص جزء هام من كلمته في افتتاح جلسة البرلمان يوم الاثنين، للرد على ما اعتبرها حملة التشكيك والتطاول على اختصاصات رئيس الجمهورية في مجال التعيين ضمن الثلث الرئاسي لمجلس الأمة، ووصفه بالتطاول على الدستور والسلوك غير المقبول وغير الأخلاقي.

وقال بن صالح إن "التعيينات ضمن الثلث الرئاسي لمجلس الأمة تدخل في الصلاحيات الدستورية الحصرية للرئيس، والكلام الجارح والأحكام التي تنقضها الموضوعية التي تلجأ إليها بعض الأقلام في حق المؤسسة وفي حق أعضائها دون وجه حق فهي تستوجب تذكير أصحابها بضرورة الالتزام بأخلاقيات المهنة والتقيد بالضوابط التي تحكم حرية التعبير".

اللافت أن الصمت السياسي لبوتفليقة منذ آخر خطاب ألقاه في السادس من مايو/أيار 2012، وغيابه عن المشهد السياسي منذ إصابته بوعكة صحية في شهر إبريل/نيسان 2013، ونقله إلى مستشفى باريسي حيث بقي لمدة 81 يوماً، وتعطل اجتماعات مجلس الوزراء والتناقضات السياسية الصارخة في القرارات والمسارات التي تتجه إليها البلاد اقتصادياً وسياسياً، وسيطرة رجال المال والأعمال على صناعة القرار والقوانين في الجزائر، كلها عوامل تزكي بشكل كبير حالة الغموض التي تسود هرم السلطة، والارتباك الراهن، على الرغم من محاولات محيط الرئاسة كسر هذا التشكيك بين الحين والآخر، من خلال تنظيم استقبالات رئاسية للشخصيات الأجنبية التي تزور الجزائر. لكن حملة الشكوك والتساؤلات بشأن الدور السياسي للرئيس الجزائري وحقيقة دور شقيقه وتدخله في صناعة القرار، خاصة بعدما خلا له الجو في أعقاب تفكيك بوتفليقة لجهاز الاستخبارات وإعادة هيكلته إلى ثلاثة أجهزة، تظل جزءاً من المشهد المتداخل في الجزائر.