حركة النهضة والحكومة التونسية: تمسك بالمشاركة وحيرة حول المطالب

13 يونيو 2016
فوجئ الغنوشي بقرار إقالة الصيد (ياسين القائدي/الأناضول)
+ الخط -
وجدت "حركة النهضة" نفسها في وضعية صعبة، بعدما أعلن الرئيس الباجي قائد السبسي نهاية حكومة الحبيب الصيد. وللمرة الأولى تقريباً منذ قيام الائتلاف الحكومي بين "حركة النهضة" وحزب "نداء تونس"، يتخذ السبسي قراراً هاماً يتعلّق بمستقبل البلاد، من دون أن يعلم به حليفه الاستراتيجي زعيم "النهضة" راشد الغنوشي، الذي فوجئ بالقرار.

وكان ردّ فعل "حركة النهضة" في البداية أقرب إلى الحيرة والاستغراب، لكنها سرعان ما عدلت من موقفها، مؤيدة القرار الرئاسي، في انتظار اتضاح الصورة وتقديم ملاحظاتها واقتراحاتها. وتشارك "النهضة" حالياً في سلسلة الاجتماعات الاستشارية، التي تُنظّمها الرئاسة، إلا أنها لا تزال تجهل الملامح النهائية لحكومة الوحدة الوطنية العتيدة، سواء لناحية تركيبتها أو أولوياتها، وهو ما جعلها تتقدم بكثير من الحذر.

وتشعر قيادة "النهضة" بالإحراج تجاه رئيس الحكومة المهدد بالإقالة الحبيب الصيد، الذي فوجئ بانقلاب المواقف تجاهه. فصديقه رئيس الدولة، الذي اختاره ورشحه لرئاسة الحكومة، ودافع عنه إلى آخر لحظة، قَبِلَ التخلي عنه من دون إعلامه بذلك مسبقاً. كما قام وزراء "نداء تونس" بتغيير مواقفهم بعد أن أصبح عدد منهم مرشحين من قبل حزبهم لخلافة الصيد.




أما ما يحيّر "النهضة" فهو عدم حسم أمرها حتى الآن في ما يتعلق بطلباتها، ما إذا كانت ستلحّ من أجل أن تكون مشاركتها في الحكومة المقبلة انعكاساً لحجمها الحقيقي داخل البرلمان، أم أنها ستكتفي بمشاركة محدودة حكومياً. وبذلك تواصل السياسة التي انتهجتها حتى الآن منذ صعود حزب "نداء تونس". كما أن "حركة النهضة" قلقة من الرغبة القوية التي اجتاحت كوادر حزب "نداء تونس"، وجعلتهم لا يترددون في الدعوة إلى أن يكون رئيس الحكومة الجديد من بينهم.

في هذا السياق، يدور الحديث حالياً عن وزير المالية سليم شاكر، ووزير التربية ناجي جلول، ويعني هذا أن الحكومة العتيدة ستكون سياسية وستخضع للمحاصصة الحزبية. وهو ما يخشاه الكثر، سواء من السياسيين أو الخبراء ونشطاء المجتمع المدني، لأن البلاد لم تعد تتحمّل مزيداً من الفشل أو الأداء الضعيف للحكومات المتعاقبة. وبالنسبة إلى قواعد "النهضة" فإنها مع كل خسارة جديدة تتعمق أزمة الثقة بينها وبين عموم التونسيين.

لقد أضرّت المحاصصة سابقاً بالمسار الانتقالي وعمّقت الانقسام السياسي في البلاد، ولم تساعد على معالجة المشكلات الكبرى التي ازدادت تفاقماً، وفي مقدمتها المشكلة الاقتصادية. لكن مع ذلك، فإن قيادة "حركة النهضة" لا تزال حريصة على تجنّب الدخول في أي شكل من أشكال التنازع مع "النداء"، وهي مطمئنة نسبياً لموقف رئيس الجمهورية، الذي أشعر كوادر حزبه بأن من حقهم ترشيح بعض الأسماء لكن ليس من صلاحياتهم أن يفرضوها عليه، إذ يبقى هو صاحب القرار النهائي في اختيار رئيس الحكومة العتيد.

لم يعرف بعد شركاء المرحلة الجديدة، فالأطراف التي عبّرت عن استعدادها للمشاركة عديدة، لكن بعضها لا يتمتع بثقل ما في الموازين السياسية. ولا تزال "الجبهة الشعبية" تمانع وتعلن رفضها الاشتراك في حكومة تضم "حركة النهضة"، لكن النقاش متواصل في صفوف اليساريين، وسط تساؤل حول المدى الذي سيبقى فيه اليسار خارج دائرة الفعل المباشر ومتحصّناً بموقع ضعيف في المعارضة.

في المقابل، يعيش حزب "الاتحاد الوطني الديمقراطي"، الشريك في الائتلاف الرباعي، أزمة داخلية أفقدته عديد النواب بالبرلمان، كما وجّه أحد أعضائه السابقين اتهامات خطيرة بالفساد لرئاسة الحزب. ويشعر النهضويون بكثير من القلق والإحراج نظراً لوجود حركتهم بنفس القارب مع "الاتحاد الوطني الديمقراطي"، وفقاً لما يسرّ به العديد من كوادر الحركة لبعض الإعلاميين.

وعلى الرغم من كل هذه الهواجس التي تجثم هذه الأيام على قيادة "حركة النهضة" وقواعدها، إلا أن مصادر الحركة تؤكد لـ"العربي الجديد"، أنها متمسكة بالمشاركة في الحكومة المقبلة، وأنها لا تزال على ثقة بالرئيس السبسي، وستبقى مستعدة للتعاون مع كل الأطراف الحزبية والاجتماعية التي لا تستعمل لغة الفيتو (حق النقض) وتكون مؤمنة بالشراكة.


المساهمون