تركيبة جديدة للبرلمان الإيراني: عودة الإصلاحيين وتراجع المتشددين

02 مايو 2016
توقعات بترشح رضا عارف لرئاسة البرلمان (بهروز مهري/فرانس برس)
+ الخط -
أصبحت تشكيلة مجلس الشورى الإسلامي في إيران (البرلمان) بدورته العاشرة واضحة بعد انتهاء عملية فرز أصوات الناخبين المشاركين في جولة الإعادة التي جرت يوم الجمعة الماضي. وصل 289 نائباً إلى البرلمان الجديد فيما لا يزال يوجد مقعد واحد شاغر بسبب عدم حسم النتائج في أصفهان.
ركزت المواقع المحسوبة على الإصلاحيين على ما اعتبرته فوزاً واضحاً لهذا التيار، بعدما اتبع مرشحوه استراتيجية الاتحاد مع مرشحي التيار المعتدل الذي يحمل الورقة الأقوى بيده مقارنة ببقية التيارات والتوجهات، كون الحكومة المعتدلة برئاسة حسن روحاني استطاعت التوصل للاتفاق النووي، ونجحت برفع العقوبات التي أثقلت كاهل المواطنين لسنوات.
من جهتها، أعلنت المواقع المحافظة عن استمرار تواجد أبناء التيار الأصولي في البرلمان على الرغم من التقدم الملحوظ للمعتدلين وللإصلاحيين في عدد من الدوائر ذات الوزن الثقيل، وفي مقدمتها العاصمة طهران التي حقق فيها هؤلاء فوزاً كاسحاً. لكن السبب الأساس للاختلاف البسيط في تقسيم المقاعد وفق النتائج المعلنة عبر وسائل الإعلام الإيرانية المختلفة، يعود لوجود شخصيات محافظة وإصلاحية على حد سواء في التيار المعتدل ذاته، وهي الشخصيات المحسوبة أصلاً على خط الوسط في هذين التيارين.



من جهتها، أفادت وكالة مهر أن المرشحين عن الاعتدال والإصلاح فازوا بـ 120 مقعداً من أصل 290، بينما احتل المحافظون 115 مقعداً، في الوقت الذي ربح فيه المرشحون المستقلون 49 مقعداً، فضلاً عن وجود خمسة مقاعد للأقليات الدينية والتي حسمت نتيجتها من الجولة الأولى التي جرت في فبراير/شباط الماضي.
وتشير هذه النتائج إلى أن البرلمان الجديد مركب من شخصيات تنتمي لكافة التيارات، فيما سيبدو تقسيم جبهاتها أكثر وضوحاً مستقبلاً، ولا سيما خلال المعركة المقبلة على كرسي رئاسة المجلس. ويرجّح أن يترشح رئيس البرلمان الحالي علي لاريجاني وهو المحسوب على المحافظين لكنه مقرب من المعتدلين أيضاً، ضد رئيس لائحة الأمل الإصلاحية والمرشح الرئاسي السابق محمد رضا عارف لشغل هذا المنصب. حينها سيصبح بالإمكان لمس ثقل كل تيار على حدة، بعد إجراء عملية الاقتراع الداخلي.
اللافت في صورة البرلمان الجديد، كان خروج معظم المتشددين من المرشحين المحافظين من السباق، ولا سيما أولئك الذين رفعوا صوتهم عالياً لاعتراض طريق الاتفاق النووي مع الغرب. ووصل 12 نائباً فقط من أصل 80 مرشحاً من هؤلاء لمقاعد البرلمان.
كذلك تراجع عدد رجال الدين من 27 خلال الدورة التاسعة إلى 16 فقط سيشغلون أماكنهم كنواب في البرلمان الجديد. أما المرأة الإيرانية فحققت تقدماً واضحاً، حيث حطمت الرقم القياسي لعدد المقاعد التي شغلتها منذ انتصار الثورة في العام 1979، ومنذ تشكيل مجلس الشورى الإسلامي عقب ذلك. ومن المقرر أن يضمّ البرلمان الجديد 17 نائبة، غالبيتهن من تياري الاعتدال والإصلاح، نجحت 14 منهن خلال الجولة الأولى، وتنافست ثماني خلال جولة الإعادة.
حاول المرشحون عن تياري الاعتدال والإصلاح، والذين تقدموا للسباق بلوائح مشتركة عن كافة الدوائر الانتخابية، جاهدين للحصول على خمسين مقعداً خلال جولة الإعادة. وهو الأمر الذي كان سيعطيهم ثقلاً بالغاً وكلمة حاسمة في البرلمان المقبل. لكن نتائج نشرتها بعض المواقع الإيرانية أنهم نجحوا بالحصول على 36 مقعداً فقط من أصل 68 تنافس عليها 136 مرشحاً خلال الجولة الثانية، بينما فاز 17 محافظاً و11 مستقلاً.
على الرغم من ذلك، من الممكن القول إن المعركة الانتخابية الأخيرة استطاعت أن تحقق فوزاً معنوياً بالغ الأهمية لتياري الإصلاح أولاً والاعتدال ثانياً. كان الإصلاحيون أمام تحدٍ كبير. فهم من غابت رموزهم عن الساحة الإيرانية منذ احتجاجات العام 2009 والتي أعقبت الانتخابات الرئاسية في ذاك العام.
حاول هؤلاء العودة خلال الانتخابات الرئاسية الأخيرة في العام 2013، قبل أن تشكل الانتخابات التشريعية الأخيرة اختباراً جديداً، فقرر الإصلاحيون هذه المرة الاتحاد مع المعتدلين، لا المشاركة تحت مسمى الإصلاح وحده، والسبب هو قلة عدد مرشحيهم ممن استطاعوا الحصول على موافقة لجنة صيانة الدستور ونالوا أهلية الترشح.
وتدل النتائج الأخيرة على أن التيار الإصلاحي عاد للمشهد من جديد، وستقيّم معركة رئاسة البرلمان أوضاعهم بشكل دقيق، فإذا ما حصل عارف على المنصب فهذا يعني أنهم نالوا ثقة المعتدلين والمحافظين معاً مرة أخرى، وإذا ما انسحب لصالح لاريجاني فهذا يعني أن الظروف في ساحة العمل السياسي لا في الشارع الإيراني لا تزال غير مهيئة لهم.
أما تيار الاعتدال، فقد حقق الانتصار الأكبر، حيث نال هؤلاء ثقة الشارع الإيراني مجدداً، ما يعني نجاح سياسات حكومة الرئيس حسن روحاني وخططها على الرغم من أن المواطنين لم يلمسوا بشكل عملي بعد ثمرات الاتفاق النووي.
وبوجود كل هذه المعطيات، لا يعني الأمر أن المحافظين سيغيبون عن المشهد، أو أنهم باتوا أضعف من السابق،
إلا أن الواضح أن صورة البرلمان المقبل ستكون أكثر انسجاماً مع خطط الرئيس روحاني المستقبلية.