أثارت إحصائية جديدة أظهرت تنفيذ عراقيين 24 عملية انتحارية من بين 39 عملية تبناها تنظيم "الدولة الإسلامية" (داعش) في العراق الشهر الماضي، القلق في أوساط المراقبين والباحثين العراقيين أخيراً، وخصوصاً أنها كسرت الصورة الموجودة لدى العراقيين لشخصية الانتحاري التي ظلت محصورة لسنوات طويلة بالوافدين والمتطرفين الأجانب.
يقول الخبير في شؤون الجماعات المسلحة في العراق والمستشار الأمني السابق في محافظة الأنبار، فؤاد علي، لـ"العربي الجديد"، إنه "بمراجعة بسيطة لبيانات تنظيم "داعش" وفرز أسماء المنفذين من خلال مصطلح "الأنصاري"، وهو العراقي بمفهوم الجماعات المتطرفة، وباقي الألقاب مثل المهاجر أو الغريب أو الألقاب التي تدل على المكان الذي جاء منه الانتحاري، يظهر وجود تصاعد مقلق ومخيف في عدد العراقيين الذين نفذوا عمليات انتحارية ضد أهداف يعتبرها داعش مشروعة خلال الشهر الماضي".
ويعزو علي ذلك إلى عوامل عدة استجدت في المجتمع العراقي تُشكل إنذاراً بخطر يجب التحرك العاجل لمواجهته، من أبرزها "اليأس في العثور على حلول وفقدان الأمل بوجود حل للمعضلة العراقية التي تدخل بعد أيام عامها الرابع عشر في ذكرى الغزو الأميركي للبلاد". كذلك يجد مراقبون آخرون أن الظاهرة دليل على "شح أو نفاد مخزون الجهاديين الأجانب لدى داعش".
وأصدر تنظيم "داعش"، السبت الماضي، بياناً تبنى فيه تنفيذ 90 عملية انتحارية في كل من سورية والعراق وليبيا، خلال الشهر الماضي. وأعلن التنظيم، في البيان الذي يعدّ الأول من نوعه، أنّ "39 عملية انتحارية نُفّذت بواسطة أحزمة ناسفة، و51 نفذت بواسطة سيارات مفخخة، بواقع 39 عملية انتحارية في العراق، و50 عملية انتحارية في سورية، وعملية واحدة في ليبيا". وزعم "داعش" أن العمليات استهدفت القوات العراقية، وقوات النظام السوري، والوحدات الكردية، فضلاً عن قوات اللواء المتقاعد خليفة حفتر في ليبيا، بواسطة أحزمة ناسفة وسيارات مفخخة. وبحسب البيان، فقد احتلت الأنبار والرقة وحلب غالبية تلك العمليات، فيما جاءت بغداد ودمشق وبنغازي بترتيب لاحق، لافتاً إلى أنّ العمليات جميعها نُفذت في شهر فبراير/شباط الماضي من قِبل عناصر تابعين له وصفهم بـ"جنود الدولة".
يقول الخبير في شؤون الجماعات المسلحة في العراق، فؤاد علي، في حديثه لـ"العربي الجديد"، إن "الأزمة العراقية منذ احتلال البلاد ودخولها في الفوضى العارمة، لم تشهد مثل هذا العدد من الانتحاريين المحليين، إذ بقيت هذه العمليات مقتصرة على ما يُعرفون بالمجاهدين العرب، منذ أيام فترة جماعة التوحيد والجهاد، ثم قاعدة الجهاد في بلاد الرافدين، ثم تنظيم داعش". ويضيف أن هذا الأمر "مؤشر على دخول مرحلة جديدة من الصراع، ناتجة من نهاية مطاف باليأس وفقدان الأمل والتشرب بمعتقدات التنظيم المتطرف"، لافتاً إلى أن "أغلب العراقيين الذين انخرطوا مع الجماعات الإرهابية لم يكونوا مؤمنين بمسألة العمليات الانتحارية بل كانوا يقاتلون لتحقيق نتيجة يريدونها، وهو ما يستدعي التوقف والاهتمام بهذه الظاهرة".
اقرأ أيضاً: العراق:غارات أميركية على مواقع "داعش" قرب الحدود مع الأردن
من جهته، يرى أحمد عبد السلام، مدير منظمة الرافدين العراقية، إحدى المنظمات التي تُعنى بشؤون المجتمع العراقي، أن "ذلك مؤشر خطير وقد تنتقل عدواه إلى الشعب السوري بعد تكرار خذلانه وفشل مؤتمرات جنيف يوماً بعد آخر". ويلفت في حديث لـ"العربي الجديد"، إلى أن "العراقيين في صفوف التنظيم باتوا أمام خيارين لا ثالث لهما، إما النجاح بتنفيذ ما يصبون إليه أو الموت، على عكس القادمين الذين قد يفكرون بالعودة إلى بلادهم في حال حاصرتهم الظروف، وهو ما قد يكون سبباً إضافياً في ارتفاع عدد الانتحاريين المحليين".
إلا أن القيادي في الحراك الشعبي العراقي، محمد عبدالله، يلفت في حديث لـ"العربي الجديد"، إلى أن "نجاح السلطات التركية في ضبط الحدود ومنع انتقال الجهاديين الآتين من أوروبا أو دول المنطقة من أراضيها إلى سورية ومنها إلى العراق، أسهم إلى حد كبير في انكماش ما يعرف بسلاح داعش الفعال أي الانتحاريين". ويرى عبدالله أن إعلان تركيا بشكل متلاحق عن ضبط أشخاص يشتبه بنيّتهم الدخول إلى سورية بعد وصولهم البلاد آتين من دول شتى، دليل على ذلك.
من جهته، يعتبر القيادي في التحالف الكردستاني العراقي، حمة أمين، أن "العراقيين بحاجة إلى أمل يجعلهم يتأكدون من أن ما يجري الآن هو نهاية المطاف لكل مآسيهم، وأن الصفحة الحالية لن تأتي بعدها صفحة دموية أخرى". ويلفت في حديث لـ"العربي الجديد" إلى أنه "في الوقت الذي نجد فيه عمليات انتحارية بدوافع إرهابية للعراقيين، نرى تحذيرات من مؤسسات حكومية عراقية من ارتفاع ظاهرة الانتحار بين الشباب في الجنوب أو كردستان، نتيجة اليأس وصعوبة الأوضاع للشبان والفتيات على حد سواء، خصوصاً في المثنى والقادسية وأربيل".
اقرأ أيضاً: تحركات عراقية لتدويل هجمات "داعش" الكيماوية على كركوك