الاحتلال يعود لمعادلة "تحسين المعيشة" ويخشى "الفارس التركي" بغزة

09 فبراير 2016
يخشى الاحتلال من انفجار الغضب الشعبي الفلسطيني (عصام ريماوي/الأناضول)
+ الخط -
يواصل الاحتلال تخبّطه في مواجهة الهبّة الفلسطينية وسبل قمعها، مع تفاقم التباين بين منظور الجيش الإسرائيلي والأجهزة الأمنية من جهة، وبين رؤية المستوى السياسي المتمثل بالحكومة الإسرائيلية ورئيسها بنيامين نتنياهو من جهة ثانية.
وفيما يحاول نتنياهو التصعيد على مستوى التصريحات والتهديدات بخطوات متشددة في الضفة الغربية المحتلة، ولا سيما على صعيد إلغاء تصاريح العمل لأهالي وأقارب الشهداء ومنفذي العمليات الفدائية، وتشديد الحواجز العسكرية والقيود على حرية التنقل للفلسطينيين في البلدات والمدن التي يخرج منها منفذو العمليات الفدائية، فإن الجهاز العسكري والمؤسسة الأمنية في إسرائيل يؤكدان في مناسبات مختلفة أنه لا يمكن حسم أمر الهبّة الفلسطينية بالعمليات العسكرية.
وفي السياق، كشفت صحيفة "هآرتس"، أمس الإثنين، أنّ الجيش الإسرائيلي والمؤسسة الأمنية يعكفان على بلورة خطة جديدة تهدف بالذات إلى توسيع نطاق تصاريح العمل للفلسطينيين في إسرائيل، وزيادة عدد العمال من الأراضي المحتلة بنحو 30 ألف تصريح عمل جديد، يتم إصدارها بموجب فحوصات أمنية دقيقة ومشددة. وتضمن هذه الإجراءات عملياً زيادة عدد العاملين في إسرائيل تحت سمع وبصر الاحتلال، ما يخفف من مخاطر انفجار الغضب الفلسطيني في الضفة الغربية بفعل البطالة واليأس. وينطبق موقف الأجهزة الأمنية هذا أيضاً على قطاع غزة، إذ سبق لجهات أمنية وقيادات في الجيش الإسرائيلي أن دعت إلى وجوب بلورة خطة إسرائيلية مع أطراف إقليمية ودولية، لمباشرة إعادة إعمار القطاع، في ظل تفاقم ظروف الفلسطينيين هناك.

اقرأ أيضاً سواعد فلسطين: واقع الانتهاكات بين حواجز الاحتلال وحدّة البطالة



ووفقاً لتقرير "هآرتس"، فقد صادق الكابينت السياسي والأمني الإسرائيلي أخيراً على خطة جيش الاحتلال بشأن زيادة عدد تصاريح العمل للفلسطينيين من الضفة الغربية في إسرائيل، وينتظر أن يتم قريباً تطبيق هذه الخطة. ويعمل في إسرائيل وداخل المستوطنات الإسرائيلية في الضفة الغربية نحو 120 ألف فلسطيني، منهم نحو ثلاثين ألفاً من دون تصاريح عمل.
وتؤيد الأجهزة الأمنية زيادة عدد تصاريح العمل للفلسطينيين بعشرات آلاف التصاريح، منذ بدء الهبّة الفلسطينية. ويرى الجيش والمؤسسة الأمنية أن هذا الأمر من شأنه أن يخفف من الضغوط الداخلية في الضفة الغربية على السلطة الفلسطينية، وبالتالي يعزز من قدرة السلطة على المحافظة على التنسيق الأمني، ويخفف من دوافع وعوامل تصعيد حدة ولهب الهبّة، ولا سيما أن "سياسة المحافظة على أماكن وتصاريح العمل للفلسطينيين في الضفة الغربية" قد أثبتت، بحسب مصادر أمنية، نجاحها.
وفي السياق، أبرزت الصحيفة تصريحات كل من وزير الأمن موشيه يعالون، ورئيس أركان الجيش، الجنرال جادي أيزنكوط، بشأن "ضرورة المحافظة على استمرار عمل العمال الفلسطينيين من الضفة الغربية داخل إسرائيل، كعامل يساعد على خفض ألسنة اللهب، ويقلل من احتمالات انفجار غضب فلسطيني في الضفة قد يرتد في وجه الاحتلال ويرفد الهبّة الفلسطينية بتأييد شعبي واسع على غرار الانتفاضة الثانية".
في المقابل، يعد نتنياهو، وفي ظل تآكل صورته كرجل الأمن الأول في وجه الهبّة الفلسطينية، على رأس الداعين إلى تصعيد تعامل قوات جيش الاحتلال مع الفلسطينيين، وتوسيع رقعة سياسة الأطواق الأمنية والحواجز العسكرية مع التلويح بعقوبات جماعية واسعة النطاق. 
وعلى غرار ما يحدث في الضفة الغربية، فإن التباين إياه في المواقف بين المستوى السياسي والمستوى الأمني، يظل السائد في التعامل مع قطاع غزة، من حيث استمرار دعوة منسق أعمال حكومة الاحتلال، الجنرال يوآف مردخاي، وآخرون في جيش الاحتلال إلى السعي لتخفيف شروط الحصار عن القطاع، والسعي باتجاه مبادرة عملية لترميم وإعادة إعمار واسعة في القطاع.
لكن أكثر ما بات يقلق الاحتلال، إلى جانب عنوانَي استعادة المقاومة قوتها في غزة، وما تزعمه تل أبيب من ارتفاع في وتيرة حفر الأنفاق، لخّصه أخيراً المحلل العسكري لصحيفة "يديعوت أحرونوت"، أليكس فيشمان، بـ"ضائقة الفلسطينيين في قطاع غزة، وانعدام أماكن العمل"، على قاعدة أن سبل العيش باتت قنبلة موقوتة قد تنفجر في وجه الاحتلال كل لحظة. ويتحدث فيشمان عمّا يسميه الاحتلال بحالات "الفارس التركي"، وهو مصطلح يرمز إلى محاولات الفلسطينيين اجتياز السياج الحدودي بين غزة وإسرائيل، أملاً في مغادرة القطاع والوصول للعمل داخل إسرائيل.
وفي الإطار، يورد فيشمان معطيات قال إنها تشكل ضوءاً أحمر في هذا السياق، إذ ارتفع عدد هذه الحالات في السنة الماضية إلى 140 محاولة عبور من غزة إلى الشق المحتل من الأراضي الفلسطينية، وأن قوات الاحتلال ألقت القبض على 249 مواطناً فلسطينياً من قطاع غزة تمكنوا من التسلل إلى إسرائيل، ناهيك عن الذين لم تتمكن قوات الأمن من الوصول إليهم واعتقالهم.
وينقل فيشمان عن جهات في أجهزة الأمن الإسرائيلية قلقها البالغ من خطر ازدياد أعداد من يحاولون اجتياز السياج الحدودي، ولا سيما في حال لم تبدأ أي مبادرة لإعادة إعمار قطاع غزة، ذلك أن 53 في المائة من الشباب الفلسطيني في قطاع غزة هم من العاطلين من العمل، كما انخفض الناتج القومي للفرد إلى 1000 دولار مقابل 4000 دولار للفرد في الضفة الغربية.
ويخلص فيشمان إلى القول إن الانفجار الأمني للعام 2016 قد يأتي بفعل فقدان السيطرة على الأوضاع بسبب الضائقة السياسية والاقتصادية والاجتماعية في غزة، وبالتالي فإما أن يندفع آلاف الفلسطينيين في القطاع إلى السياج الحدودي مع إسرائيل في محاولة جماهيرية لاجتيازه وكسر الحصار، وإما أن تضطر حركة "حماس" خوفاً من انهيار سلطتها إلى إطلاق جولة جديدة من المواجهة العسكرية مع إسرائيل، وقد يحدث الاثنان معاً، على حد قوله.

اقرأ أيضاً: سوق الشجاعية في غزة.. من الإبرة حتى الصاروخ
المساهمون