تأييد قانون التظاهر المصري: ضربة للمعارضين وللحريات

04 ديسمبر 2016
محاكمة متظاهري "تيران وصنافير" تمت وفق القانون(محمد الشاهد/فرانس برس)
+ الخط -


وجّه القضاء المصري ضربة جديدة للتيارات السياسية المعارضة لنظام عبدالفتاح السيسي، برفض المحكمة الدستورية العليا الطعن في ثلاث مواد من قانون التظاهر هي 7 و8 و19، التي يُحاكم على أساسها معظم المواطنين المحبوسين والصادر ضدهم أحكام بالغرامة في قضايا التظاهر. في المقابل حكمت المحكمة بعدم دستورية مادة واحدة فقط هي الرقم 10 التي تمنح السلطة لوزير الداخلية في إصدار قرار بمنع التظاهرة أو إرجائها أو نقلها في حالة وجود ما يهدد الأمن والسلم، وطلبت بنقل سلطة منع التظاهرات قبل تنظيمها إلى المحاكم بدلاً من وزارة الداخلية.
وبذلك قطعت المحكمة الدستورية طريق تعديل إجراءات وشروط الإخطار المنصوص عليها في المادة 8 والتي كان المحامون والحقوقيون والسياسيون يصفونها بـ"التعجيزية"، ومنها أن يتم الإخطار بالتظاهرة قبلها بفترة تتراوح بين 15 يوماً و3 أيام، مما ينزع عملياً شرعية التظاهرات العفوية ويوقع المشاركين في التجمعات المفاجئة أو غير المخطر عنها لوزارة الداخلية تحت طائلة القانون.
كما قطعت المحكمة الدستورية طريق تعديل المادة رقم 7 التي استندت لها معظم أحكام الحبس والغرامات الكبيرة على المتظاهرين، خصوصاً المشاركين في التظاهرات المعارضة لاتفاقية ترسيم الحدود البحرية بين مصر والسعودية المعروفة بـ"تيران وصنافير"، وذلك لاشتمال هذه المادة على 16 جريمة لا تمت للتظاهر بصلة، تتدرج من تعطيل المرور ووسائل المواصلات حتى الاعتداء على المال العام والممتلكات الخاصة.
وأنهت المحكمة أيضاً آمال المحبوسين على ذمة قضايا التظاهر في مغادرة سجونهم أو استرداد ما دفعوه من غرامات، لأنها أضفت حصانة على كل المواد التي رفضت الطعن عليها، نظراً لعدم قانونية الطعن عليها مرة أخرى وفق قانون المحكمة الدستورية. كما أضفت حصانة بالتبعية على المواد المشابهة لها، ومن بينها ثلاث مواد عقابية أخرى تفرض عقوبتي الحبس والغرامة معاً على المتظاهرين.
واستبعد القيادي في ائتلاف "دعم مصر"، علاء عبد المنعم، في تصريح لـ"العربي الجديد"، إمكانية تخفيف العقوبات الواردة في القانون، بعد رفض المحكمة للطعن على المادة 19، والتي تنص على السجن المشدد مدة لا تقل عن عشر سنوات، وبغرامة مالية "لكل من حاز أو أحرز سلاحاً أو مواد حارقة أو نارية أثناء مشاركته في التظاهرة".
وعقب صدور الحكم، شهدت أروقة مجلس الوزراء المصري حالة من الارتياح، نظراً لما ذهبت إليه المحكمة من تحصين جوهر قانون التظاهر، بعدما كانت المؤشرات تتجه إلى احتمال صدور حكم بعدم دستورية عدد أكبر من المواد.
وقال مصدر في وزارة العدل إن "حكم المحكمة الدستورية أنقذ الحكومة والبرلمان من الدخول في دوامة تعديلات واسعة للقانون، والآن لم يعد مطلوباً إلا تعديل المادة 10 وهي لا تؤثر على باقي المواد، ولا تسقط الأحكام الجنائية الموقّعة في قضايا التظاهر". ووصف المصدر الحكم بأنه "جاء في صالح النظام الحاكم"، مشيراً إلى أن "البرلمان لم يعد الآن ملزماً بتخفيض الغرامات أو إلغاء عقوبة الحبس من القانون، لأن المحكمة أقرت بسلامة هاتين العقوبتين دستورياً، وبالتالي فالأمر كله يعود للملاءمة السياسية للبرلمان والحكومة، ويتعلق بمدى رغبة النظام في فتح المجال العام أم استمرار السيطرة عليه بحسم".
وأكد المصدر أن البرلمان سيبدأ في دراسة مقترح تعديل المادة 10 بعد نشر حكم المحكمة الدستورية في الجريدة الرسمية مباشرة، وذلك حتى لا تطول مدة الفراغ التشريعي الحالي، لأن القانون الآن يُعتبر خالياً من مادة تنظم الاعتراض على المظاهرة، وهو ما لن تقبل الحكومة باستمراره فترة طويلة.


وأعلنت اللجنة التشريعية في مجلس النواب التزامها بحكم المحكمة الدستورية، بعدم دستورية المادة العاشرة من قانون تنظيم حق التظاهر. وقال رئيس اللجنة، بهاء الدين أبو شقة، إن "الحكم لم يمس أركان قانون التظاهر، إذ التزمت المحكمة بمبدأ عدم دستورية الاعتماد على الدلائل، التي استندت إليها المادة العاشرة في منح وزير الداخلية سلطة منع المظاهرة، من دون دليل على وقوع ما يُهدد الأمن قبل حدوثها".
وأضاف أبو شقة، في تصريح لـ"العربي الجديد"، أن اللجنة ستنتظر تقديم النواب لتعديلاتهم على القانون، في ضوء حكم الدستورية، الذي حصّن العقوبات الواردة بالقانون، وأيّد نصوص المواد المتعلقة بإجراءات وجوب الإخطار، وشروطه، والعقوبات المترتبة على الخروج على القواعد المنظمة للقانون، والتي تعُد إقراراً ضمنياً من المحكمة بدستورية القانون (المُقيد لحرية الرأي والتعبير).
فيما رأى مراقبون للشأن القضائي المصري، أن جميع التدخّلات القضائية الأخيرة في قضايا الرأي العام تعبّر عن تصعيد النظام ضد المعارضين وعدم إعطاء أي فرصة لمطالب المصالحة أو فتح المجال العام أو تخفيف القيود عن المجتمع المدني. فقد جاء حكم المحكمة الدستورية بعد أيام قليلة من صدور قرارات قضائية جديدة بمنع نشطاء حقوقيين من السفر وتقديم طلبات لمحكمة جنايات القاهرة لتجميد أموال عدد منهم على ذمة القضية المعروفة إعلامياً بـ"التمويل الأجنبي لمنظمات المجتمع المدني"، وبعد أيام أطول من صدور أحكام باتة غير قابلة للطعن من محكمة النقض ضد قيادات في جماعة "الإخوان المسلمين"، خصوصاً في القضية المعروفة بـ"قطع طريق قليوب" المدان فيها المرشد العام للجماعة.
ويتكامل هذا المسار القضائي المأزوم مع مسار تشريعي أكثر تربصاً بالحريات المدنية والسياسية، خصوصاً مع فرض البرلمان قيوداً صارمة على الجمعيات الأهلية والمنظمات الحقوقية سوياً في مشروع قانون الجمعيات الأهلية الجديد الذي تم إقراره في أقل من أسبوعين بمواد تؤكد سيطرة الأجهزة الأمنية والسيادية على العمل الأهلي وتفرض عقوبات سالبة للحرية على ممارسيه بالمخالفة لاتفاقيات وقعت عليها مصر سلفاً.
وأكد المراقبون أن القضاء المصري ما زال يدور في فلك تنفيذ سياسات النظام منذ شارك في الإطاحة بالرئيس المعزول محمد مرسي وتقويض المؤسسات الدستورية المنتخبة عقب ثورة 25 يناير/كانون الثاني 2011 بحل الجمعية التأسيسية ثم مجلس الشعب، ثم تولي رئيس المحكمة الدستورية مسؤولية إصدار التشريعات المقيدة للحريات (ومنها قانون التظاهر) في الفترة التالية لعزل مرسي بعدما عيّنته قيادة الجيش، التي قادت الانقلاب العسكري، رئيساً مؤقتاً للجمهورية في 3 يوليو/تموز 2013.

المساهمون