موقف أوباما من قرار المستوطنات: أهميته وأعطابه

26 ديسمبر 2016
إدارة أوباما حرصت على استبعاد تعبير اللاقانونية (Getty)
+ الخط -

أهم ما في موقف إدارة الرئيس الأميركي باراك أوباما من قرار مجلس الأمن بإدانة المستوطنات الإسرائيلية، أنه حقق أمرين هما شكل مغادرة لسياسة موروثة، شجعت ضمناً على تفاقم الاستيطان، والثاني أنه عمّق الفرز والجدل بين المنظمات اليهودية الأميركية حول هذا الملف، وبالتالي حول تسوية الدولتين.

لكن ديمومة هذه المغادرة تبقى مرهونة بمدى وإمكانية التأسيس عليها لتطويرها. كما أن أهمية الخلاف بين اليهود الأميركيين تبقى معلّقة على مدى وصوله إلى قواعد هذه المنظمات وتحركها الفعال للتأثير على الكونغرس، الذي يبقى خط الدفاع الأول عن سياسة الاحتضان الأميركي التام لإسرائيل وسياساتها العدوانية، من دون البناء على هذا التطور والعمل على تحويله إلى مكوّن في صياغة السياسة الأميركية تجاه الصراع الفلسطيني – الإسرائيلي، تبقى هذه المغادرة مهددة بالارتداد عليها ومحوها.

وفي السوابق المشابهة ما يحذر من ذلك، ففي نوفمبر/تشرين الثاني 1975 صوتت الجمعية العامة للأمم المتحدة بأكثرية كاسحة لمساواة الصهيونية بالعنصرية، لكن نفس الجمعية ارتدّت على قرارها وشطبته بضغط أميركي، في ديسمبر/كانون الأول 1991.

فكما عملت إسرائيل وأنصارها في واشنطن للانقضاض على ذلك القرار في اللحظة المناسبة، ستسعى بدون شك على تحضير شروط الانقلاب على قرار المستوطنات، خصوصاً أن لها حالياً معينا كبيرا في واشنطن يتمثل في الثنائي ترامب – الكونغرس، المجنّد والمتحمس أكثر من أي وقت مضى لممارسة المطلوب من الضغوط، بغية نسف تصويت مجلس الأمن بقرار مضاد إذا أمكن.

ولا يقلل من هذا الاحتمال أن المجلس يختلف بتركيبته وتصويته عن الجمعية العامة، وأن الظروف تغيرت لصالح التضامن مع حقوق الشعب الفلسطيني.



على أي حال، لا يقتصر العطب في قرار مجلس الأمن على هذه الجوانب والاحتمالات، فهو بالرغم من أهميته وضرورته، جاء متأخراً وغير كافٍ، والأهم أنه جاء بلا تأييد أميركي صريح. فعدم تصويت الإدارة إلى جانب القرار، يعني أنها لا تقف وراءه بصلابة يصعب التراجع عنها، هي سمحت فقط بتمريره من خلال عزوفها عن استخدام الفيتو ضده، وبذلك هو نصف خطوة.

ويبدو أن الإدارة الأميركية فعلت ذلك من باب تصفية جزء من الحساب مع رئيس الوزراء الإسرائيلي بنيامين نتنياهو واستفزازاته، وساهمت في ولادته وبصيغة انطوت على نقطة متقدمة تحسب لها. واعتبرتها مفتقرة إلى "الشرعية القانونية"، توصيف جديد، على امتداد عقود بقيت الإدارات الأميركية تصنف المستوطنات في خانة "اللاشرعية" فقط، تحاشت دائماً نعتها باللاقانونية لأن ذلك تترتب عليه عواقب ومواقف رادعة.

كذلك الأمر على صعيد المنظمات اليهودية النافذة التي سارعت إلى الإدانة ورمي أوباما بسهام النقد الحاد، وكأنه تجنّى على إسرائيل بامتناعه عن استخدام الفيتو، مع أنه تساهل ولو على مضض، مع الاستيطان طوال ثماني سنوات، كما لم يصوت مباشرة مع القرار.

ومثل هذه الأجواء تؤشر ليس فقط إلى مدى الاستياء والغضب الذي اجتاح هذه الأوساط، بل أيضاً إلى استعدادها للتحرك في ظل إدارة ترامب لتجويف هذا القرار وتعطيله، على الأقل أميركياً.

لم تتجرأ إدارة أوباما بما فيه الكفاية على القيام بخطوة وازنة من عيار دعم قرار يعترف بالدولة الفلسطينية، خفضت سقفها في آخر لحظاتها واكتفت بنقلة مقبولة ولو منقوصةـ بذلك كان حري بها على الأقل، أن تمنح صوتها لقرار مجلس الأمن ضد الاستيطان، لا سيما أنها راحلة لم تعد عرضة لخسائر سياسية.

ومثل هذا الموقف له مؤيدوه في الساحة الأميركية، ومنهم منظمات وهيئات يهودية طالما رفعت شعار الدولتين الذي ندر سفير ترامب الجديد إلى إسرائيل نفسه لإسقاطه وللعمل على ترجمته،  من خلال نقل السفارة الأميركية إلى القدس، في وقت لاحق من العام المقبل.

امتناع إدارة أوباما عن التصويت يعكس تماماً مقاربته التي تستبعد الحسم القاطع اجمالاً، في القضايا الخارجية.