الحملة الإسرائيلية ضد "التجمع" تتصاعد: اعتقال غطاس وتحويله للمحاكمة

22 ديسمبر 2016
استبق غطاس قرار اللجنة بالتخلي عن حصانته البرلمانية (Getty)
+ الخط -
سارعت السلطات الإسرائيلية إلى اعتقال النائب الفلسطيني عن حزب "التجمّع الوطني الديمقراطي"، باسل غطاس، اليوم الخميس، بعد ساعات من إعلانه تخليه عن حصانته البرلمانية الممنوحة له بموجب عضويته في الكنيست وقراره مواجهة التحقيقات الشرطية معه من دون أي حصانة ومن دون التستر وراء امتيازاتها. وبعدما مثل غطاس، اليوم الخميس، للتحقيق للمرة الثانيّة في وحدة التحقيق "لاهاف" في اللد، قررت الشرطة اعتقاله بعد التحقيق وتحويله للمحكمة يوم غد للنظر في تمديد اعتقاله. وجاء قرار الاعتقال على الرغم من أن غطاس تجاوب مع المحققين وأجاب عن أسئلتهم، فضلاً عن نفيه أن يكون قد قام بأي مخالفات تعتبرها إسرائيل أمنيّة، أو أن تكون له نيّات للقيام بمخالفات من هذا النوع، بالإضافة إلى أنّ التهم المنسوبة له لا تشكّل أي خطورة تستدعي الاعتقال الليلي.

وقد سارع حزب التجمع إلى التنديد باعتقال غطاس واصفاً إياه بأنه "فصل خطير، غير مسبوق، من مسلسل الملاحقات السياسية للتجمّع الوطني الديمقراطي، وجزء من ملاحقة الأحزاب والجماهير العربية في الداخل".


وكان غطاس قد استبق انعقاد هيئة الكنيست العامة، التي أقرّت في جلسة شكلية، نزع الحصانة عنه من دون أي مداولات مكتفية بقراءة القرار، بالإعلان عن تخليه عن هذه الحصانة، مؤكداً أنه "يرفض منح العنصريين في الكنيست، واليمين الإسرائيلي عموماً فرصة لإدارة جلسة عبثية تحريضية أخرى ضده". 

وبعد ساعات من قرار غطاس ومصادقة هيئة الكنيست على نزع حصانته، تم اعتقاله. 
وكان غطاس قد اتخذ قرار التخلي عن الحصانة البرلمانية على ضوء حملة التحريض العنصرية، التي انطلقت ضده، يوم الأحد، بعد زيارته لأسيرين فلسطينيين، ضمن نشاطه البرلماني، وضمن مواقف حزب "التجمّع الوطني الديمقراطي"، التي ترفض التصنيف الإسرائيلي للأسرى الفلسطينيين بأنهم "سجناء أمنيون"، وتصرّ على تسميتهم بـ"سجناء الحرية" والمطالبة بتطبيق معاهدة جنيف الرابعة في كل ما يتعلق بمعاملتهم.

وانطلقت حملة التحريض ضد غطاس بعد ظهر الأحد، بعد أن أعلنت الشرطة اشتباهها بقيامه بتسليم هواتف خليوية ومواد مطبوعة للأسيرين الفلسطينيين خلال زيارته لهما. وعمّمت بيانات بخصوص هذه الشبهات حتى قبل تبليغه بها رسمياً. وعلى الفور تلقفت وسائل الإعلام الإسرائيلية البيان، وانطلقت حملة تحريض كان في مقدمتها رئيس الحكومة الإسرائيلية بنيامين نتنياهو، الذي أعلن أن غطاس في حال ثبتت الشبهات ضده، يجب ألا يبقى في الكنيست وأن يعاقب بأشد العقوبات.

وتواصل مسلسل التحريض على مدار أيام الأسبوع، إلى أن قدم المستشار القضائي للحكومة الإسرائيلية، أفيحاي مندلبليت، يوم الأربعاء، مذكرة رسمية لنزع الحصانة عن غطاس، مدعياً أن "الأدلة التي بحوزة الشرطة، بما في ذلك أشرطة التصوير التي عرضت على غطاس خلال التحقيق معه الثلاثاء، تشكل أدلة كافية لطلب نزع الحصانة البرلمانية عنه، قبل انتهاء التحقيقات، للاشتباه بارتكابه مخالفات أمنية خطيرة".

ومع إقرار لجنة الكنيست طلب المستشار القضائي للحكومة، بالإجماع، في سابقة هي الأولى من نوعها، قرر غطاس، اليوم الخميس، التنازل عن حصانته البرلمانية وعدم انتظار مصادقة الهيئة العامة للكنيست على قرار لجنة الكنيست. وأصدر في هذا الصدد بياناً، أكد فيه عزمه على "مواجهة التحقيقات بالشبهات التي تنسبها له الشرطة الإسرائيلية ومصلحة السجون، من دون امتيازات الحصانة البرلمانية".

وأضاف غطاس أن "هذا القرار نابع من نيته مواجهة التحقيقات والشبهات المنسوبة إليه حتى النهاية، بعدما تبين أن الطلب الذي تقدم به المستشار القضائي للحكومة هو حول إزالة الحصانة بشكل جزئي، أي أنّه محصور بما يتعلق بالقضية"، مضيفاً أنه لا يريد أن يعطي فرصة لعقد جلسة عبثية تحريضية أخرى ضده في هيئة الكنيست العامة.



وأشار غطاس إلى أنه "أبلغ رئيس الكنيست الإسرائيلي، يولي إدلشتاين، بقراره في رسالة وجهها له، جاء فيها: إن قرار المستشار القضائي غير مسبوق، ولم ينفذ بحق أي عضو برلمان آخر من المشتبه به بتهم اغتصاب وتحرش وسرقة واختلاس وتلقي الرشوة، والذين أدينوا لاحقاً ودخلوا السجن لسنوات طويلة". وشدّد على أن "القرار غير مبرر بعد إعلاني عن مثولي للتحقيق طوعاً، وبعد أن حُقق معي وأجبت على جميع أسئلة المحققين، وبعد أن أبديت استعدادي للتعاون مع أي تحقيق ضمن القانون. الأمر الذي يؤكد انجرار المستشار القضائي للحكومة لموجة التحريض من قبل أعضاء الكنيست على الرغم عدم معرفتهم بتفاصيل القضية".

وأكد غطاس أن "اجتماع لجنة الكنيست عكس العقلية الهمجية لأعضاء اللجنة، الذين على ما يبدو لم يطلعوا على طلب المستشار القضائي". وأضاف: "سأواجه التحقيقات والشبهات المنسوبة حتى النهاية. لم أرتكب أي مخالفة أمنية، وقضية الأسرى هي قضية إنسانية وأخلاقية عادلة".

وتنازل غطاس عن حصانته على الرغم من أنه كان يدرك أنه بات معرّضاً للاعتقال الفوري في كل لحظة، كما أن بمقدور الشرطة أن تصدر أوامر عادية من دون حاجة للرجوع للمستشار القضائي للحكومة أو لرئيس الكنيست، لتفتيش منزله ومكتبه.

وانضمت الصحف الإسرائيلية على مدار الأيام الماضية لحملة التحريض ضد غطاس وحزب "التجمّع الوطني الديمقراطي"، على الرغم من أن الحديث يدور فقط عن شبهات لم تتحول بعد حتى إلى اتهامات رسمية. وعملت الصحف الإسرائيلية على استذكار مواقف سابقة لغطاس، ومنها مشاركته الصيف الماضي، في أسطول الحرية الذي انطلق من السويد وانضم إليه أيضاً الرئيس التونسي السابق المنصف المرزوقي. كما أبرزت تصريحات غطاس الأخيرة عند إدخال الرئيس الإسرائيلي الراحل شمعون بيريز المستشفى، وإعلان غطاس أننا لن نشارك في "المأتم الإسرائيلي" على بيريز.

وذكرت مختلف الصحف الإسرائيلية أنه "بحسب مذكرة المستشار القضائي للحكومة في طلب نزع الحصانة البرلمانية عن غطاس، فإن الأخير قد يكون معرّضاً لتهم تتعلق بخرق أوامر ولوائح مصلحة السجون الإسرائيلية، التي تمنع إدخال أي شيء للأسرى. وهي مخالفة عقوبتها الجنائية تصل إلى ثلاثة أعوام، إلى جانب تهمة خيانة الأمانة العامة وتقديم مساعدات لتنظيم إرهابي، وهي مخالفات أمنية خطيرة تصل عقوبتها لغاية السجن الفعلي لعشر سنوات".

وتأتي هذه الحملة والشبهات ضد غطاس، وفق ما يراه قادة "التجمّع الوطني" في الداخل، كحلقة من مسلسل استهداف الحزب وقيادته، سعياً إلى توفير أرضية تجيز لاحقاً إخراجه عن القانون، على غرار ما حدث مع "الحركة الإسلامية الشمالية" في العام الماضي، وكجزء من محاولات ترويض فلسطينيي الداخل وترسيم حدود وسقف نشاطهم السياسي في الداخل.