تونس: رفض واسع لـ"توبة الإرهابيين"

17 ديسمبر 2016
الوضع الأمني أولوية قصوى للحكومة التونسية (فتحي نصري/فرانس برس)
+ الخط -

على الرغم من مساعي السلطة السياسية في تونس، لتهيئة الرأي العام لـ"عودة المقاتلين في التنظيمات الإرهابية إلى البلاد"، فإن الأمر لاقى رفضاً واسعاً من جزء واسع من الطيف السياسي والمنظمات المهنية والشارع التونسي أيضاً. وعلى الرغم من عدم وجود مشروع "قانون التوبة"، وأنه لم يتجاوز بعد اللغط الإعلامي المثار حوله، إلا أن اتفاقاً واسعاً بين شرائح مختلفة من التونسيين ساد حول رفض الفكرة والمبدأ، تحت شعار "لا مصالحة مع الإرهابيين، ولا تقبل توبة القتلة".

وبعيداً عن الرفض المجتمعي للمشروع "الفكرة"، الذي لم يتحول بعد إلى مبادرة تشريعية نيابية أو رئاسية، فإن التحديات التي يطرحها ومدى جاهزية الدولة التونسية للتعاطي مع هذا الملف، خصوصاً في ظل التضييق على التنظيمات المسلّحة في مواقع النزاع، على غرار سورية والعراق وليبيا ومحاصرتها، ما دفع عناصرها للفرار والتفكير في العودة إلى تونس مجددا، طرح السؤال حول إمكانية استنساخ تجربة "الوئام" في الجزائر إثر العشرية السوداء (1991 ـ 2002). وطرحت النقابات الأمنية، نقاط استفهام عدة حول الحديث عن قانون توبة مرتقب، معتبرة أن تداعيات هذا القانون ستكون كارثية ووخيمة لا محالة.

في هذا السياق، اعتبر النقابي الأمني مهدي بالشاوش، في حديث لـ"العربي الجديد"، أن "البلاد ليست مستعدة تماماً لاستقبال هؤلاء العائدين، وهي التي انكبّت على فرض الأمن وعكفت الأجهزة الأمنية إثر حادثة بنقردان في مارس/آذار الماضي على تفكيك خلايا التنظيمات الإرهابية في البلاد. وقد تتشتت جهودها وتواجه خطراً كبيراً لو قررت السلطة السياسية فعلاً استقبال العائدين من بؤر التوتر".

وأوضح بالشاوش أن "دمج الإرهابيين وقبول توبتهم يمثل خنجراً في خاصرة جميع جهود مكافحة الإرهاب، أولها ألا معطيات كافية لدى أجهزة الاستخبارات التونسية عما إذا كان هؤلاء قد ارتكبوا جرائم، وانخرطوا في تقتيل وتفتيت أوصال الدول التي التحقوا بتنظيمات إرهابية للقتال فيها، وهو ما يوسّع من هامش الخطأ في تقدير من يستحق التوبة من عدمه، ما سيولد بدوره مخاطر أكبر".

وأضاف أن "ضعف التنسيق أو انقطاعه مع السلطات الأمنية التابعة للنظام السوري، يجعل المعطيات شحيحة وقد يمكن فئة من التمتع بالعفو دون الكشف عن جرائمها، وإذا لم تعد لتجنيد آخرين وتنفيذ عمليات في تونس، فإنها قد تعود لإعادة هيكلة التنظيم واستقطاب آخرين".



في السياق عينه، أعرب الاتحاد العام التونسي للشغل، عن رفضه التام لـ"قانون التوبة"، واصفاً إياه بـ"التطبيع مع الإرهابيين في إطار صفقة سياسية، والحديث عن عودة المقاتلين بالتعدي على إرادة التونسيات والتونسيين الذين وقفوا موحّدين ضدّ الإرهاب ودعّموا أمننا وجنودنا في حربهم". أما على المستوى السياسي، فقد اعتبرت المعارضة بدورها أنه "لا يمكن إعادة هؤلاء لإغراق البلاد في الدم، لأن قوى إقليمية ارتأت نقل دائرة الصراع من سورية والعراق إلى تونس نظراً لتغير التحالفات الدولية".

في هذا الإطار، اعتبر القيادي في "الجبهة الشعبية" نزار عمامي، في حديث لـ"العربي الجديد"، أن "الجبهة الشعبية كسائر الأحزاب الوطنية، ترفض تبرئة من حملوا الأسلحة ضد شعبهم أو ضد شعوب أخرى لتنفيذ مشروعهم المتطرف"، مردفاً أنه "من المفروض أن تتم محاكمتهم وفق القانون المتعلق بمكافحة الإرهاب مع توفير شروط المحاكمة العادلة".

وأشار عمامي إلى أن "هناك إرادة سياسية لتمرير هذا المشروع، فمنذ أشهر صدرت تصريحات عن زعيم حزب النهضة راشد الغنوشي في هذا الصدد، لتعقبها أخرى على لسان رئيس الجمهورية، الباجي قائد السبسي، علاوة على أن امبرياليات استعمارية كبرى وتحالفات إقليمية عربية دعمت التنظيمات المتطرفة، تدفع في هذا الاتجاه من أجل التحضير لبؤر توتر جديدة وتوطين الإرهابيين في مواقع قريبة من الجزائر وتونس".

كما رأى أن "تجربة الوئام التي قادها الرئيس الجزائري عبد العزيز بوتفليقة، ليست مصدر إلهام مناسبا، ولا يمكن تطبيقها على الواقع التونسي وإسقاطها عليه فلا تشابه بين ما حدث في الجزائر في التسعينايت وبين ما يحدث اليوم".

في المقابل، كشف رئيس لجنة الأمن والدفاع، القيادي في "حركة النهضة" عبد اللطيف المكي لـ"العربي الجديد"، أن "اللجنة ستستمع في الفترة المقبلة إلى الوزارات المختصة بهذا الملف، لتتبين حقيقة ما يروج حول قانون التوبة". ولفت إلى أن "النهضة لم تحدد موقفها من هذا المشروع، وأن الموقف يكون ناجماً عن مؤسساته"، ملمّحاً إلى "أن نسب الفكرة إلى زعيم الحركة، راشد الغنوشي، محاولة للاصطياد في الماء العكر، وأن القضية اليوم مطروحة في إطار تصريحات رئيس الجمهورية". وتابع المكي "إن النهضة تنتظر التعرف على استراتيجية مكافحة الإرهاب التي أعلنت عنها رئاسة الجمهورية منذ مدة، للاطلاع عما تحتويه من مقاربات لمعالجة الظاهرة الإرهابية".

وكان الرئيس التونسي الباجي قائد السبسي، قد أكد أن "تصريحاته بخصوص الإرهابيين العائدين من بؤر التوتر قد أُسيء فهمها"، معبّراً عن "استغرابه من ردود الفعل التي أثيرت حولها". وشدّد السبسي من الجزائر، في تصريح للتلفزيون الرسمي، على أن "الدستور التونسي يفرض السماح لأي تونسي بحقه في العودة إلى بلده، إلا أن قانون الإرهاب سيتم تطبيقه مع الإرهابيين العائدين من بؤر التوتر"، مضيفاً "مخطئ من يظن أنّي سأتسامح مع من رفع السلاح في وجه بلده".

المساهمون