أحداث ماسبيرو وقعت مساء التاسع من أكتوبر/تشرين الأول 2011، بعد اعتداء قوات الشرطة والشرطة العسكرية على عدد كبير من المتظاهرين الأقباط، يقدر بحوالى 50 ألف متظاهر، بحسب توثيق المجلس القومي لحقوق الإنسان، أمام مبنى الإذاعة والتلفزيون المصري، "ماسبيرو"، ودهسهم بالدبابات، مما أسفر عن مقتل 27 شخصاً.
مشهد سياسي متغير... وحزن مستمر
اختلف المشهد كثيراً منذ خمسة أعوام حتى اليوم، فلم يعد التظاهر ممكناً وخرجت دعوات على استحياء، عبر مواقع التواصل الاجتماعي، لإحياء الذكرى الخامسة لأحداث ماسبيرو، ومناشدات من قوى قبطية للنظام المصري، وعلى رأسه عبد الفتاح السيسي، لإعادة فتح التحقيق في القضية "الغامضة".
وأعلن "ائتلاف أقباط مصر" أنه "سيشارك أسر شهداء ماسبيرو في القداس الإلهي، الذي سيقام في كاتدرائية الملاك ميخائيل، صباح الجمعة، في مدينة السادس من أكتوبر في محافظة الجيزة"، وأنه "يسعى مع بعض محامي أسر الشهداء، إلى إعادة فتح التحقيقات في القضية"، مخاطباً رئيس الجمهورية، عبدالفتاح السيسي، بالتدخل لكشف "غموض القضية، وإخراج ملف مذبحة ماسبيرو من الثلاجة، وإعادة فتح التحقيق".
أما "اتحاد شباب ماسبيرو" فكان قد دعا لوقفة سلمية، مساء أمس الأحد، أمام مبنى الإذاعة والتلفزيون "ماسبيرو" لإحياء الذكرى الخامسة للأحداث، إلا أنه عاد وأعلن في بيان أن الأجهزة الأمنية رفضت منحه تصريحاً بالتظاهر. وقال الاتحاد في بيانه: "كنا على يقين من أن الأجهزة الأمنية سترفض إعطاء تصريح بالتظاهرة. وبالفعل تقدّمنا إلى قسم بولاق بطلب لتنظيم وقفة لإحياء ذكرى ماسبيرو الخامسة أمام مبنى ماسبيرو في تمام الساعة السادسة، وبعد يومين تم الرد علينا برفض طلب التظاهرة والسبب (دواعٍ أمنية)، وتعنّت المسؤولون في إعطائنا نسخة من الإخطار بالرفض، الذي قمنا بالتوقيع عليه في محاولة لمنعنا من استخدام حقنا القانوني للطعن على هذا القرار أمام القضاء".
أما الحزن فما زال على ما هو عليه منذ الجنازة، التي أقيمت في الكاتدرائية المرقسية في العباسية، أكبر كنيسة في مصر، ترأسها البابا شنودة الثالث نفسه، وحضرها عدد كبير من المطارنة والأساقفة والكهنة، لكنها أقيمت على أربعة ضحايا فقط تمّ تشييعهم من الكنيسة، بعدما رفض الأهالي إخراج ذويهم من القتلى دون تعرض الجثث لعملية تشريح للتعرف على أسباب الحادث. وبالتزامن مع صلاة شنودة، كانت مسيرة ضخمة تودع البقية، شارك فيها عدد من الناشطين السياسيين، ورددوا شعارات منها: "بالإنجيل والقرآن فليسقط الطغيان"، و"واحد اتنين دم الشهداء فين"، و"الشعب يريد إسقاط المشير".
أحداث طائفية أم سياسية؟
البداية الفعلية لأحداث ماسبيرو جاءت من أقصى جنوب مصر، وتحديداً من قرية المريناب في محافظة أسوان، حيث اعتدى عدد من أهالي القرية على مبنى اتخذه الأقباط كنيسة لهم، بدعوى أنه غير مرخص. وعلى خلفية هذا الحادث، دعا أقباط في القاهرة لتنظيم تظاهرات تحت شعار "يوم الغضب القبطي"، ودخلوا في اعتصام أمام مبنى ماسبيرو في الرابع من أكتوبر/تشرين الأول 2011. وفي مساء التاسع من أكتوبر، انطلقت مسيرة من دوران شبرا إلى ماسبيرو، رافعة شعار "فداك يا صليب"، فاشتبكت معها قوات الأمن المصرية، قبل أن تنسحب، وتترك قوات الشرطة العسكرية بمدرعاتها ودباباتها في مواجهة المسيرة، التي استمرت ساعات طويلة وأسفرت عن مقتل 27 قبطياً.
بناءً على هذه المقدمات، يمكن تأطير أحداث ماسبيرو في سياق طائفي له علاقة مباشرة بالأقباط والكنيسة. إلا أن المدقق في الصورة من خلال المشهد العام والشامل، يجد أن أحداث ماسبيرو هي حلقة من سلسلة الاحتجاجات الغاضبة التي اجتاحت الشارع المصري في أعقاب اندلاع ثورة الخامس والعشرين من يناير/كانون الثاني 2011، إذ توجّه المئات من الشباب المصري المسلمين والمسيحيين، عقب قتل المتظاهرين أمام ماسبيرو، إلى ميدان التحرير هاتفين "يسقط حكم العسكر"، ومنددين بالتعامل الأمني العنيف للأمن، بعدها توجهت مجموعة من السلفيين للتظاهر في ميدان التحرير مرددين "إسلامية إسلامية"؛ فطوّقتهم قوات الأمن المصرية، واحتجزت منهم عشرات، مما دفع الحكومة المصرية آنذاك إلى إعلان حظر التجول في وسط القاهرة من الثانية فجراً وحتى السابعة صباحاً.
وفي اليوم التالي، اجتمع رئيس الوزراء المصري، آنذاك، عصام شرف، بمجموعة من الوزراء، وقال إن "المستفيد الوحيد هم أعداء الثورة وأعداء الشعب المصري من مسلميه ومسيحييه، وإن ما يحدث ليس مواجهات بين مسلمين ومسيحيين، بل هي محاولات لإحداث فوضى وإشعال الفتنة بما لا يليق بأبناء الوطن، الذين كانوا وسيظلون يداً واحدة ضد قوى التخريب والشطط والتطرف".
وظل تعامل شباب القوى السياسية في مصر مع أحداث ماسبيرو باعتبارها حدثاً سياسياً لا طائفياً. وفي الذكرى الأولى للمذبحة، أعاد شاب قبطي هتاف "يسقط حكم العسكر" خلال الاحتفال بعيد الميلاد، ليعلن رفضه حضور الوفد العسكري للقداس. وقال الناشط القبطي، رامي كامل، بعد اعتداء أمن الكنيسة عليه: "نرفض حضور المجلس العسكري للقداس، الذي تسبب في قتل العشرات من الأبرياء في أحداث ماسبيرو، كما نرفض اعتداء الأمن علينا، خاصة أن الاعتداء تم أمام الهيكل، وما يمثله من مكانة دينية عالية".
ولم ينسَ الشباب والقوى السياسية والحزبية في مصر، جريمة ماسبيرو طوال الأحداث السياسية في ما بعد، وظلوا يرصدون كافة الأحداث السياسية والمذابح التي ارتكبتها قوات الشرطة والجيش، وصولاً إلى مذبحة رابعة العدوية في الرابع عشر من أغسطس/آب 2014، حيث كان يدوي هتاف "ياللي قتلت الناس في رابعة ريحة الدم منك طالعة... ما أنت قتلت الناس زمان في التحرير جوا الميدان... وفي ماسبيرو الدم سال مش ناسيين مينا دانيال".
عدالة غائبة وتعتيم رسمي
منذ المذبحة، ترفض السلطات توضيح الحقائق وتوجيه اتهامات جادة للمسؤولين عن قتل المتظاهرين، وهو ما أكده تقرير المجلس القومي لحقوق الإنسان، الصادر في نوفمبر/تشرين الثاني 2011، إذ أوضح أن أبرز المعوقات التي رافقت عمله "نقص المعلومات، وتعتيم المصادر الرسمية على بعض جوانبه، وانحياز المصادر الإعلامية في تناولها للأحداث جراء حساسيتها من ناحية، والصورة النمطية السائدة تجاه هذه القضية من ناحية أخرى".
ودعا المجلس القومي لحقوق الإنسان حينها إلى تشكيل لجنة تحقيق قضائية مستقلة تنظر في هذه الأحداث في سياقها الثقافي والاجتماعي والسياسي، تكون مخولة بالاطلاع على ما تم حجبه من معلومات، إذ إن اللجنة التي شكلت بتاريخ 10 أكتوبر/تشرين الأول 2011، جاءت برئاسة وزير العدل بما يخل باستقلالها، كما اقتصر اختصاصها بما يتعلق بالأحداث على بحث أسبابها وتداعياتها دون التحقيق في الأحداث ذاتها.
وأوضح تقرير المجلس آنذاك أن "النيابة العامة أحالت التحقيق إلى النيابة العسكرية للاختصاص، وبغض النظر عن الرأي في مسألة الاختصاص، فإن هذه التحقيقات والتي تتضمن بالضرورة اتهامات لبعض المسؤولين بالقوات المسلحة عن جرائم قتل المواطنين دهساً، وعن الاعتداءات والإصابات التي لحقت بالمواطنين في موقع الأحداث، يجب أن تكون محل تحقيق من لجنة قضائية مستقلة، حتى تستبعد أية شبهة بعدم الحياد، وتتم مساءلة كل من ارتكب أو شارك أو حرّض على ارتكاب الانتهاكات المشار إليها في هذا التقرير، والتي تشكل جرائم يعاقب عليها القانون".