الحراك التركي في العراق وسورية: الأمن القومي أولاً

30 أكتوبر 2016
قوات من "درع الفرات" في الشمال السوري (حسين نصير/الأناضول)
+ الخط -
تستمر المحاولات التركية لزيادة دور أنقرة في الحرب على تنظيم "الدولة الإسلامية" (داعش) وتأمين ما تعتبره خط الدفاع الأول عن أمنها القومي، ممثلاً بالخط الرابط بين كل من الموصل العراقية وحلب السورية، بعيداً عن النفوذ الإيراني.
ولا تتردد تركيا في إطلاق تحذيرات واضحة حول "خطوطها الحمراء" متى ما استدعت الحاجة ذلك، على غرار تأكيد الرئيس التركي، رجب طيب أردوغان، أمس السبت، أن مدينة تلعفر العراقية (غرب الموصل)، الخاضعة حالياً لتنظيم "داعش"، والتي أعلنت مليشيات الحشد الشعبي، عن بدء معركة فيها تعد "قضية حساسة". ووفقاً لما نقلته وكالة "رويترز" أعلن الرئيس التركي أن بلاده تعتزم تعزيز قواتها المنتشرة في بلدة سيلوبي، الواقعة على الحدود مع العراق، لافتاً إلى أن تلك القوّات سيكون لها "رد مختلف" إذا أشاعت مليشيات الحشد الشعبي "الخوف" في مدينة تلعفر العراقية. 

وفيما أوضح أردوغان، في كلمة للصحافيين، خلال حفل بمناسبة ذكرى تأسيس الجمهورية في أنقرة، أن المعلومات التي تلقاها لم تؤكد مثل هذا التحرك (بدء هجوم الحشد على مواقع داعش في المدينة)، لفت إلى أن "مدينة تلعفر التركمانية قضية حساسة بالنسبة لنا. وفي حال قامت الحشد الشعبي بأعمال إرهابية هناك سيكون جوابنا مختلفاً"، على حد وصفه. 

وجاء موقف أردوغان بعدما خفّت حدّة التصريحات بين كل من الحكومة العراقية المركزية وتركيا حول الوجود التركي في منطقة بعشيقة في شمال العراق، من دون التوصل إلى اتفاق رسمي. في موازاة ذلك لم يصل الوفد الدبلوماسي العراقي إلى العاصمة التركية أنقرة لاستكمال المشاورات، حسبما أعلن وزير الخارجة التركي مولود جاويش أوغلو في وقت سابق. وكانت المشاورات قد بدأت إثر زيارة وفد دبلوماسي تركي إلى العاصمة العراقية بغداد في وقت سابق من شهر أكتوبر/تشرين الأول الحالي. وقد علمت "العربي الجديد" أن الجانبين كانا قد توصلا إلى اتفاق أولي تسعى أنقرة إلى تحويله لاتفاق مكتوب يمنع عودة الخلاف حول قاعدة بعشيقة.

في هذا الصدد، أكد مسؤول في الخارجية التركية لـ"العربي الجديد"، أن "الجانبين كانا قد اتفقا خلال المشاورات التي جرت في بغداد على ضمّ قاعدة بعشيقة إلى قوات التحالف الدولي ضد داعش، على أن تبقى القوات التركية في القاعدة وتستمر في عمليات تدريب قوات البشمركة وقوات الحشد الوطني، وذلك حتى الانتهاء من عمليات استعادة السيطرة على مدينة الموصل ومغادرة قوات التحالف الدولي الأراضي العراقية، والتي من المتوقع أن تستمر في التواجد في العراق لمدة سنتين بعد تحرير الموصل، لمواجهة جيوب وبقايا داعش".

وبحسب المسؤول نفسه، فإن "الاتفاق المبدئي ضمّ أيضاً تعهدات عراقية بوقف دعم حزب العمال الكردستاني وإنهاء تواجده في منطقة جبل سنجار في الموصل"، مشيراً إلى أن "الخلاف الوحيد المتبقي بين الجانبين كان حول دخول مليشيات الحشد الشعبي، ذات الولاء الإيراني، إلى مدينة تلعفر، ذات الغالبية التركمانية، غرب الموصل"، مع العلم أن مليشيات الحشد الشعبي قررت فتح المعركة، أمس السبت، وهو ما دفع أردوغان إلى توجيه تحذيراته.

وشدّد المسؤول على أن "أنقرة لا تزال تعمل على حلحلة الخلافات مع بغداد"، لافتاً إلى "رغبة بلاده في تحويل الاتفاقات الشفهية التي تم التوصّل إليها إلى اتفاقات مكتوبة". وأضاف: "لا نود أن يعود الخلاف بيننا مرة أخرى حول قاعدة بعشيقة، وكنا نريد أن تتحول الاتفاقات التي توصلنا إليها وبالذات حول القاعدة، إلى اتفاقات مكتوبة تضمن مصالحنا. ليس لدينا أي مطامع بالأراضي العراقية أو السورية، لكن يبدو أن الضغط الإيراني حال دون قدوم الوفد الدبلوماسي العراقي إلى أنقرة وإتمام الاتفاق".



أما في ما يتعلق بالجانب السوري، وعلى الرغم من تأكيدات الرئيس التركي رجب طيب أردوغان، قبل أيام، أن "بلاده ستستمر في دعمها لقوات المعارضة السورية، للتوجه إلى مدينة الباب واستعادة السيطرة على مدينة منبج، ومن ثم التوجه إلى مدينة الرقة"، رافضاً التصريحات الأميركية حول مشاركة قوات الاتحاد الديمقراطي (الجناح السوري للعمال الكردستاني) في معركة الرقة، فقد كشفت صحيفة "حرييت" التركية المعارضة، أمس السبت، أن "سلاح الجو التركي لم يعد قادراً على القيام بطلعات جوية لاستهداف مواقع داعش في شمال حلب في إطار عملية درع الفرات، وذلك بعد التهديدات التي أطلقها النظام السوري باستهداف الطائرات الحربية التركية قبل أيام".

وبحسب الصحيفة، ونقلاً عن مسؤول تركي، فقد كانت آخر الطلعات الجوية التي قام بها سلاح الجو التركي في 22 أكتوبر/ تشرين الأول الحالي، لتتوقف الطلعات بعدها، إثر قيام النظام السوري بتفعيل نظام الدفاع الجوي الروسي الصنع الذي يمتلكه لتغطية مناطق ريف حلب الشمالي، بعد قيام الطيران التركي باستهداف مواقع حزب الاتحاد الديمقراطي أثناء محاولتها التقدم باتجاه مدينة الباب. كما حذّر النظام السوري من أنه سيقوم بإسقاط أي طائرة تركية تخترق الأجواء السورية.

ووفقاً للمسؤول التركي، فإن "تقدم قوات المعارضة السورية المدعومة من أنقرة باتجاه مدينة الباب الخاضعة لسيطرة داعش، تباطأ بشكل كبير خلال الأيام الماضية، لأنها لم تستطع التقدم لأكثر من خمسة كيلومترات باتجاه المدينة، خلال الأيام الثلاثة الماضية".

وبحسب بيان هيئة الأركان التركية، فقد قامت مروحية يُعتقد أنها تابعة للنظام السوري، بإلقاء براميل متفجرة على قوات المعارضة السورية المدعومة من قبل أنقرة، يوم الثلاثاء، في قرية جبل نايف، بالقرب من بلدة اختارين، الواقعة على بعد خمسة كيلومترات من بلدة دابق، ما أدى إلى مقتل اثنين من قوت المعارضة وجرح خمسة آخرين.

ولم تتمكن "العربي الجديد" من التأكد من تسريبات صحيفة "حرييت" من مصدر حكومي، لكن بيانات الجيش التركي الأخيرة حول عمليات درع الفرات لم تشر إلى أي طلعات جوية، باستثناء عمليات القصف المدفعي التي تقوم به القوات الخاصة التركية المرابطة داخل الأراضي السورية على أهداف تابعة لكل من داعش والاتحاد الديمقراطي في ريف حلب الشمالي.

لكن كان لافتاً ما أوردته صحيفة "يني شفق"، بعدما نقلت عن هيئة الأركان التركية، في بيان لها أمس، إعلانها عن توجيه ضربات من الجو والأرض لخمسين موقعاً تابعاً لتنظيم "داعش" و15 هدفاً تابعاً لحزب الاتحاد الديمقراطي (الجناح السوري للعمال الكردستاني)، وذلك في إطار عمليات درع الفرات. لكن هيئة الأركان أوضحت أنه "لم تقم الطائرات التابعة لسلاح الجو الخاص بنا (أي التركي) بإجراء أي طلعات جوية، وتم تكليف طائرات متواجدة في المنطقة بتوجية ضربات للأهداف التي تظهر بشكل مفاجئ، كما لم تقم الطائرات التابعة للتحالف بأي طلعات جوية"، من دون إعطاء المزيد من التوضحيات.

المساهمون