إسرائيل ترصد الموصل وتخشى تكرار أساليب القتال بلبنان وغزة

24 أكتوبر 2016
الأنفاق الهجومية أكثر ما يقلق إسرائيل (محمد عبد/فرانس برس)
+ الخط -
تتابع إسرائيل، بأذرعها المختلفة، تفاصيل معركة الموصل، محاولة استشراف أي من الطرق والوسائل التي يعتمدها تنظيم "الدولة الإسلامية" (داعش)، والتي قد يتم تبنيها من قبل كل من حركة حماس في قطاع غزة، وحزب الله في لبنان، في أية مواجهة مقبلة مع الاحتلال. وتطرقت بعض التقارير إلى شبكات الأنفاق التي حفرها "داعش"، مع استخدامه طرقاً ووسائل إضافية لإضفاء السرية على أدواته القتالية، الأمر الذي رفع منسوب القلق في صفوف جيش الاحتلال الإسرائيلي، من تلقف كل من  حماس وحزب الله لمثل هذه الطرق. وذهب محلل الشؤون العسكرية في موقع "يديعوت أحرونوت"، رون بن يشاي، إلى القول إنه يمكن منذ الآن رصد أوجه الشبه بين أساليب "داعش" التي يستخدمها الآن، وبين تلك التي ستلجأ إليها حماس وحزب الله مستقبلاً، في إطار استعداداتهما للمواجهة المقبلة. ويلفت، في هذا السياق، إلى أنه يمكن إطلاق مصطلح "حرب العصابات الدفاعية" أو "حرب عصابات حضرية" على أساليب القتال التي يتبعها "داعش" في المدن، حيث يمتاز المدافع بنقاط لصالحه ضد المهاجم بفعل معرفته بالميدان وسيطرته عليه، حتى لو كان عدد المقاتلين في صفوفه قليلاً. ويؤكد أن "داعش" يملك في الموصل نحو 8000 عنصر. وأضاف أن قوات متعددة تواجه عناصر "التنظيم" في الموصل، مكونة من البشمركة، التي تم تدريب عناصرها أخيراً على يد الأميركيين وتزويدهم بالعتاد العسكري والسلاح، والجيش العراقي، والجيش التركي، والمليشيات الشيعية والعشائر السنية التي تقاتل إلى جانب الجيش العراقي.

ورأى بن يشاي أن مقارنة عدد عناصر "داعش" مع عدد القوات التي تخوض معركة تحرير الموصل، تشير إلى وجود 4 مهاجمين مقابل كل مدافع واحد، معتبراً أن ذلك لا يضمن للمدافعين بالضرورة الانتصار، إلا أنه يمنحهم نقاط قوة.

وفي السياق الإسرائيلي، أكد بن يشاي أن هذه النسبة هي نفسها تقريباً في ميزان القوى البشرية وعددها بين جنود الجيش الإسرائيلي وبين حزب الله في حرب مستقبلية في لبنان وسورية، وأيضاً في حال اندلاع مواجهة عسكرية جديدة مع حماس في قطاع غزة. ووصف طرق قتال "داعش" باعتبارها تقوم على حرب تأخير أو زرع العقبات ضد المهاجمين في الساحات والميادين المفتوحة في المناطق الريفية خارج الموصل، مع الاستعداد للحرب والاشتباك داخل المدينة. ويستغل "داعش" في كلا نمطي القتال المدنيين كدرع بشرية، وبالأساس بفعل القدرة على الاندماج بين المدنيين ونصب الكمائن، والخروج من بين المدنيين باستغلال عنصر المفاجأة، وهو ما يتيح لتنظيم "الدولة" الفرار أو المناعة من خطر القصف الجوي. وهذا بالضبط ما تفعله حركة حماس ويمارسه حزب الله، وفق بن يشاي، الذي ذكر أن مقاتليهم يختفون بين الناس وداخل الأنفاق بعد شنهم الهجمات.


لكن بن يشاي أشار أيضاً إلى خطوة أخرى اتخذها تنظيم "داعش"، ويخشى أن تلجأ إليها حماس أو حزب الله، وهي قيامه بإشعال النيران في آبار نفط وفي مصنع للكبريت، بهدف تغطية السماء بالدخان المتصاعد واستغلال الستار الدخاني لتشويش نشاط الطائرات بدون طيار، التي تجمع المعلومات الاستخباراتية، وتستعد لاغتيال واستهداف عناصر التنظيم. وكانت إسرائيل قد استخدمت هذه الطائرات خلال العدوان الأخير على غزة، من دون أن تكشف عن تفاصيل واضحة حول العمليات التي تم فيها استخدام هذه الطائرات، التي تشكل اليوم أداة مهمة في أيدي الطيران الحربي للاحتلال.

أما العامل الثاني في حرب "داعش"، فهو قيام عناصر التنظيم بزرع العبوات الناسفة والألغام على جوانب محاور الطرق الرئيسية وتفجير السيارات المفخخة مع مرور أرتال المدرعات أو مركبات قوات التحالف، إلى جانب استهداف مواقع منشآت استراتيجية حيوية. وبحسب بن يشاي، فإن هذه الطرق تستدعي انتباهاً ويقظة إسرائيلية واستخلاصاً للعبر والاستفادة منها، لأنه من المتوقع أن تحاول حماس، أو حزب الله، في مواجهة مقبلة، العمل من أجل عرقلة تقدم القوات الإسرائيلية، أو عرقلة وتشويش عملية هجومية، عبر شن هجمات مفاجئة على مستوطنات إسرائيلية. وقد يحاول الطرفان، في حال مواجهة مع أي منهما، السعي لأخذ رهائن لوقف أي هجوم إسرائيلي، على غرار ما فعله "داعش" في عدة قرى على طريق الموصل، وفق المحلل الإسرائيلي. ويستند في تحليله إلى استحضار تصريحات سابقة لحزب الله حول خطط عسكرية لاختراق الحدود مع إسرائيل والسيطرة، لبعض الوقت، على مستوطنات إسرائيلية حدودية وأخذ رهائن لتأخير حركة القوات البرية والمدفعية في طريقها للدخول إلى لبنان.

ويمكن لحزب الله أن يزرع طريق المدرعات الإسرائيلي إلى الجنوب اللبناني بالمتفجرات والعبوات الناسفة والألغام، لمنع جيش الاحتلال من الوصول إلى مصادر إطلاق الصواريخ. ويمكن لقوة خاصة في حزب الله أن تنفذ عملية كهذه، أو أن تحاول احتلال مستوطنات إسرائيلية. وبما أن الحزب يفتقر إلى آبار للنفط فمن المرجح أن ينسخ ما حدث في كوسوفو، عندما تم إحراق مواد كيماوية لتغطية السماء بأعمدة الدخان الأسود لتحقيق نفس الهدف، وهو تحييد أثر الطائرات الاستطلاعية والتجسس والطائرات بدون طيار.

أما في السياق الفلسطيني، في قطاع غزة والمواجهة المحتملة مع حماس، فإن أخطر ما يمكن لحماس تعلمه من معركة الموصل يتصل بالحرب تحت الأرض في الأنفاق الهجومية، التي تحفرها حماس وتبدأ في القطاع لتنتهي وراء الحدود الإسرائيلية، والتي شكلت أكبر تحدٍّ لإسرائيل في العدوان الأخير. وكانت الأنفاق أحد أهم مقومات فشل العدوان، إذ تنتظر الحلبة السياسية والعسكرية في إسرائيل نشر تقرير مراقب الدولة الإسرائيلية حول الطرف المسؤول عن الفشل في مواجهة هذه الأنفاق وخطرها. والثمن الذي دفعته دولة الاحتلال جراء هذا الفشل هو تمكن حركة حماس ومقاتليها من الوصول إلى مشارف المستوطنات الحدودية الإسرائيلية وراء خطوط جيش الاحتلال في أكثر من مرة.

لكن بالإضافة إلى الأنفاق الهجومية، يمكن لحماس التعلم والاستفادة من طرق القتال داخل الأنفاق العادية، تحت الأرض. وقد تستخدمها الحركة الفلسطينية، ليس بالضرورة من أجل الوصول إلى العمق الإسرائيلي وإنما كمكان يختبئ فيه مقاتلوها من خطر القصف الجوي من جهة، أو قد تستعملها كشبكة مواصلات لنقل مقاتليها من موقع لآخر دون تعرضهم للانكشاف بفعل نشاط الطائرات بدون طيار الاستكشافية. وهذا هو الهدف الرئيسي لحفر حماس مثل هذه الأنفاق داخل القطاع، وحفر حزب الله لشبكة أنفاق في بلدات وقرى جنوب لبنان.

كما تستخدم هذه الأنفاق أيضاً لتخزين المواد الغذائية والمياه والذخيرة التي تمكّن قوات حماس وحزب الله من إدارة حرب طويلة الأمد، وتأمين الراحة للمقاتلين بين جولات القتال المختلفة. إلى ذلك، يمكن لحماس أن تلجأ لوسيلة تفجير بعض الأنفاق داخل مدينة غزة لوقف تقدم القوات الإسرائيلية في حال القيام بتوغل بري. أما التحصينات التي تم بناؤها تحت الأرض فهي لأغراض الدفاع وليست لأغراض هجومية.

ويعني هذا، بحسب بن يشاي، أن مواجهة الاحتلال لخطر الأنفاق سيضطره إلى بذل جهد أكبر. وسيكون على جيش الاحتلال في حال خاض حرباً في غزة أم في جنوب لبنان، هدم الأنفاق الهجومية الواحدة تلو الأخرى باعتبارها الخطر الأكثر إلحاحاً. وفي الوقت نفسه، يجب أن يكون جيش الاحتلال قادراً، في نظر الكاتب في صحيفة "يديعوت أحرونوت"، على شل وضرب الأنفاق الدفاعية وشبكة التنقل التي توفرها لمقاتلي حماس وحزب الله، من أجل سد الطريق أمام قدرة أي منهما على شن حرب عصابات حضرية ولوقت طويل، ومنع مفاجأة قوات إسرائيلية عند بروز مقاتلين من تحت الأرض.

ولفت بن يشاي إلى ميزة يفتقر لها "داعش" وتتمتع بها حماس وكذلك حزب الله. وهي الترسانة الصاروخية لكل منهما التي من شأنها أن تساهم في تأخير وعرقلة تقدم القوات البرية الإسرائيلية.

ويخلص بن يشاي إلى القول إنه على ضوء كل العوامل التي استعرضها، سيكون على جيش الاحتلال الإسرائيلي أن يتابع عن كثب وبدقة شديدة طرق القتال التي يستخدمها الجيش العراقي والقوات الكردية والطيران الأميركي ضد "داعش"، في الموصل، ودراستها واستخلاص العبر الضرورية لمعرفة ما مدى ملاءمتها للوضع في قطاع غزة وجنوب لبنان، بما يساعد جيش الاحتلال في المواجهة المقبلة في لبنان أو قطاع غزة.