الصراع على حلب... المعارضة مستعدة لملحمتها الكبرى

23 أكتوبر 2016
أهالي حلب يتظاهرون ضد مجازر النظام وروسيا(مأمون أبو عمر/الأناضول)
+ الخط -
يشتد الصراع على مدينة حلب خلال الأيام المقبلة، مع فشل المساعي الروسية الرامية إلى إخراج المدنيين وفصائل المعارضة من الأحياء الشرقية للمدينة، في وقت تستعد فيه المعارضة السورية المسلحة لمعركة تؤكد أنها باتت "قاب قوسين أو أدنى" من أجل كسر الحصار عن المدينة. وكانت فصائل المعارضة في حلب أعلنت، أول من أمس الجمعة، أنها على وشك البدء بمعركة كبرى من أجل فك الحصار عن الأحياء التي تقع تحت سيطرتها في شرق المدينة. ويتعلق الأمر بتحرك مضاد لمحاولات روسية لم يكتب لها النجاح من أجل إخضاع هذه الأحياء، وإجبار المعارضة فيها على الموافقة على "مصالحة استسلامية" مع النظام تتيح للأخير إعادة سيطرته على ثاني أكبر المدن السورية، وأكبر مدن الشمال.

وقصفت قوات المعارضة ليل الجمعة-السبت، الأكاديمية العسكرية في حلب، أكبر ثكنة عسكرية لقوات النظام في المدينة. ويأتي هذا القصف تمهيداً واضحاً للمعركة التي بدأ قادة في الجيش السوري الحر الحديث عنها في وسائل الإعلام، قبيل بدء الهدنة الروسية، والتي من المفترض أن تكون انتهت مساء أمس السبت.

وذكرت مصادر في المعارضة أن القصف أدى إلى مقتل وإصابة العشرات من قوات النظام والمليشيات الطائفية الموالية لها. كما تم تدمير نحو 20 آلية للنظام نتيجة القصف. ولم تتضح بعد نوايا موسكو حيال تمديد الهدنة أياماً أخرى. وأشار نائب وزير الخارجية الروسي، سيرغي ريابكوف، أمس السبت، إلى أن قرار تمديد الهدنة من عدمه ليس مرتبطاً بروسيا، وإنما مرتبط بالخطوات التي سيتخذها الطرف الآخر.

وفشلت مساعي نظام بشار الأسد وروسيا في إحداث اختراق من شأنه إضعاف موقف المعارضة في حلب. ورفض المدنيون في الأحياء الشرقية الخروج عبر ممرات أعلنت روسيا والنظام عنها. بل خرجت تظاهرات حاشدة في هذه الأحياء تدعو الفصائل للقيام بعمل عسكري لفك الحصار والسيطرة على كامل المدينة. وفي هذا السياق، أكدت فصائل المعارضة أن معركة فك الحصار "آتية"، متوعدةً قوات الأسد والمليشيات الطائفية برد قاسٍ. وتحدثت عن "ملحمة كبرى" على وشك الحدوث، ستغيّر كل المعادلات العسكرية القائمة.

وفي هذا الصدد، أكد المتحدث باسم حركة نور الدين الزنكي، عمار سقار، أن ملحمة حلب الكبرى صارت "قاب قوسين أو أدنى". وفي حديث مع "العربي الجديد"، قال "نحن خرجنا للدفاع عن أهلنا وأرضنا والمطالبة بحقوقنا بالحرية والكرامة، وإسقاط نظام الأسد، الذي قتل، وهجر، وحاصر ملايين السوريين". وشدد على أن المعركة المقبلة "لن تكون معركة كسر حصار عن حلب، بل خطوة أولى نحو معركة تحرير كامل المدينة"، مشيراً إلى أن المعركة ستكون "بنظام عسكري جديد، وقيادة عسكرية موحدة، وتشترك بها جميع الفصائل الفاعلة في حلب".


وكان الطيران الروسي والسوري شرعا في حملة قصف غير مسبوقة على الأحياء الشرقية من حلب، مما رفع من وتيرة السخط الدولي على "الأعمال الوحشية" التي تقوم بها روسيا في هذه المدينة. وهزت مشاهد المدنيين القتلى نتيجة القصف المجتمع الدولي، ودفعته إلى حراك سياسي، وتهديدات بفرض عقوبات على موسكو. وحاولت القيادة الروسية التخفيف من تبعات "الغضب الدولي" من خلال إعلان هدنة، وفتح ممرات لعبور المدنيين ومقاتلي المعارضة، في محاولة لم تحقق أهدافها المتمثلة في تهجير أهالي المدينة، وإخراج فصائل المعارضة منها.

ويرى مراقبون أنه ليس أمام المعارضة السورية إلا البقاء في حلب، والإقدام على عمل عسكري من شأنه إفشال المخططات الروسية في فرض استسلام عليها. ويوضح هؤلاء أن سيناريو الاستسلام لن تتوقف تبعاته السلبية عند حدود حلب بل ستلعب دوراً في رسم خارطة مستقبل سورية برمته. لذلك، يؤكد المراقبون أن هزيمة المعارضة في حلب ستكون خطوة واسعة باتجاه وأد الثورة، وفرض الأسد ونظامه على السوريين إلى أمد غير منظور.

وفي هذا الصدد، يرى المحلل العسكري السوري، العقيد أديب عليوي، أنه ليس أمام المعارضة في حلب من خيارات إلا الصمود والدفاع عن النفس. وأضاف في حديث مع "العربي الجديد" أنه "لو استطاعت قوات الأسد والمليشيات الطائفية التي تساندها الدخول إلى أحياء المعارضة في حلب لما انتظرت ثانية واحدة"، مشيراً إلى أن النظام وحلفاءه "يدركون أن كلفة الدخول ستكون باهظة، وسوف يتكبدون خسائر كبيرة، لأن حرب الشوارع ستكون لصالح أصحاب الأرض غالباً، وستكون الفاتورة كبيرة جداً على المهاجم بغض النظر عن النتائج النهائية".

وأكد مصدر في الفصائل العسكرية المعارضة داخل حلب، طلب عدم ذكر اسمه، أن عدم إيقاف القصف الجوي وعدم السماح بدخول مساعدات إنسانية إلى مئات آلاف المحاصرين شرق حلب، لم يترك أمام المعارضة من خيار إلا القيام بعمل عسكري لكسر الحصار بالقوة. وجدد رفض المعارضة لأي عروض أخرى، مشيراً إلى أن المساعي الروسية والإيرانية لإخضاع حلب "ستفشل". ولفت إلى أن المدنيين هم من أفشلوا هذه المساعي بالتشبث بأرضهم، ومنازلهم.

وانقسمت مدينة حلب إلى "شرقية"، و"غربية" في منتصف عام 2012، عندما فرضت المعارضة السورية سيطرتها على الأحياء الشرقية من المدينة الأهم في الاقتصاد السوري. وهذا ما يفسر إصرار نظام الأسد وحليفيه روسيا وإيران، على الاستحواذ عليها، إذ تبدو "سورية المفيدة" التي بدأت أوساط النظام بالحديث عنها بلا فائدة من دون حلب، ومحيطها.

وتدفع دول إقليمية داعمة للمعارضة السورية باتجاه عدم سقوط مدينة حلب كاملة بيد نظام الأسد وداعميه، لكن من دون أن تقدم أي دعم حقيقي. فخسارة المعارضة لحلب لن تساعدها، في حال تم استئناف المفاوضات في المستقبل، على التوصل لاتفاق يحقق الحد الأدنى من مطالبها. ومن هذا المنطلق ربما، تدعم هذه الدول فصائل المعارضة بشكل أكبر في أي معركة قد تبدأ عقب انتهاء موعد الهدنة الروسية. ويكتسب الدعم الإقليمي أهميته نظراً لعدم جدوى الجهود الدولية في هذا الشأن. إذ إن التلويح الغربي والأميركي بفرض عقوبات إضافية على روسيا لن يؤدي، على ما يبدو، إلى لي ذراع موسكو التي اعتبرت على لسان ريابكوف أن "كفة الميزان لن تميل لصالح الطرف الأميركي". وبدت أوروبا منقسمة على نفسها حيال التعامل مع روسيا على خلفية تعاطي الأخيرة مع الملف السوري. وقد تراجع قادة الاتحاد الأوروبي عن تهديدات بفرض عقوبات على موسكو، مع أنهم أشاروا في ختام قمة جمعتهم في بروكسل يومي الخميس والجمعة الماضيين، إلى احتمال بحث كل الخيارات الممكنة إذا استمرت "الأعمال الوحشية" في سورية، في إشارة إلى احتمال فرض عقوبات إضافية على روسيا.

ومن المتوقع أن يشتد الصراع على مدينة حلب في الفترة المقبلة. وربما يأخذ أبعاداً أكثر مأساوية، وتزداد شراسة الروس ضد المدنيين، ولا سيما أنهم بدوا كأنهم هُزموا إعلامياً أمام إصرار المدنيين ومقاتلي المعارضة السورية على عدم الخروج من المدينة عبر ممرات تحولت إلى محل تندر وسخرية السوريين. وبث ناشطون يوم الجمعة مقطع فيديو تردد صداه في كل أرجاء سورية، وجّه من خلاله شاب حلبي عدة رسائل للروس والإيرانيين، والأسد، قائلاً: "لقد ماثلت الإسرائيلي في اقتلاع أهل الأرض من الأرض، فنعم المقلوع وبئس القالع. نحن أشجار الزيتون. نقولها من حلب التي كسرتك وكسرت إيران وكسرت النجباء (مليشيات طائفية عراقية، وكسرت الكعبي (قائد مليشيات)، وسوف تكسر الكل".