قمة أوروبية تحت الضغوط: بين مصالح الدول وتقوية الاتحاد

20 أكتوبر 2016
من تظاهرات ضد الاتحاد الأوروبي في اليونان (Getty)
+ الخط -
تحضر قضايا عديدة على طاولة الاتحاد الأوروبي خلال اجتماع قادته اليوم الخميس في بروكسل، في قمة سيحضر فيها الصراع السوري والمخاوف من الخطر الروسي إضافة إلى قضية الهجرة غير الشرعية إلى أوروبا التي لا تزال محور جدل بين أنقرة والاتحاد، وسط انقسام في وجهات الدول الأعضاء حول العديد من هذه القضايا.

تعقيدات العلاقة مع تركيا
قبل القمة المقررة اليوم، تصاعدت نبرة أنقرة المحذرة من أي إخلال في الاتفاق الأوروبي التركي حول الهجرة، والتي تُشكل مدخلاً أساسياً في رسم العلاقة بين الطرفين. فقد لوحظ في الأيام الأخيرة، ارتفاع اللهجة التركية في وسائل إعلام غربية، ومن بينها تصريحات لوزير الخارجية التركي مولود جاويش أوغلو رفضاً لقرار استوكهولم إلغاء مهرجان لمؤيدي الرئيس التركي رجب طيب أردوغان. وليس خفياً في هذا السياق أن صحفاً ووسائل إعلام غربية، ومنذ فشل محاولة الانقلاب التي شهدتها تركيا، تكاد لا تخلو يومياً من انتقادات لاذعة لأنقرة. ويدرك الأتراك ما كانت تذهب إليه الصحف في الادعاء بأن "تركيا تساعد تنظيم داعش". تماماً مثلما يدركون حاجة الاتحاد لهم في مسألة وقف الهجرة غير الشرعية وقضايا استراتيجية أخرى في المنطقة.

وفي هذا السياق جاء كلام وزير الشؤون الأوروبية التركي، عمر جيليك، بأنه ينبغي على الاتحاد الأوروبي السماح للأتراك بالسفر من دون تأشيرات نهاية العام، والكف عن الإصرار على تغيير تركيا قوانينها الخاصة بمكافحة الإرهاب. وقال جيليك، في مقابلة قبل يومين: "فرض تغيير قوانين مكافحة الإرهاب، يضع سداً أمام تحرير التأشيرات، ولذلك سنفترض أنهم لا يلتزمون بالوعود التي أطلقوها. في هذه الحالة لن ننفذ اتفاق قبول (اللاجئين) وسنلغيه أيضاً إن لزم الأمر". وقال جيليك إن تركيا تلتزم بوعودها، مشيراً إلى أن عدد الوافدين إلى اليونان من الشواطئ التركية انخفض إلى 20 أو 30 شخصاً في اليوم من ذروته في 2015 حين كان العدد يصل إلى سبعة آلاف يومياً.
وكان كبير مستشاري الرئيس رجب طيب اردوغان، إلينور شفيق، اتهم في مقابلة مساء الأحد، الاتحاد الأوروبي بأنه "لم يلتزم بما تضمنه اتفاق اللاجئين مع تركيا". وعليه سيكون "على دول الاتحاد تحمل النتائج، ما لم ترفع عقبات التأشيرة على مواطني تركيا" بحسب قوله. ويدرك الأوروبيون الحاجة إلى تركيا في قضية الهجرة واللجوء، وإن كان الاتهام التركي هذه المرة ذهب خطوة إضافية نحو قول مبطن عن دعم دول الاتحاد لمحاولة الانقلاب "فهم فيما يبدو وبكل أسف يدعمون الانقلابيين"، وفق قول إلينور.

الحاجة لتحالفات
ليست العلاقة المعقدة مع تركيا وحدها التي تقف عقبة في تماسك سياسة الاتحاد الأوروبي داخلياً. ويبدو جلياً أن ما يتم مناقشته، أبعد من قضية العلاقات التجارية مع كندا، كمفتاح لذات العلاقة مع الولايات المتحدة الأميركية. وحتى مسألة مشاركة رئيسة الوزراء البريطانية تيريزا ماي في قمة بروكسل تبدو مؤشراً على ما يسميه الأوروبيون "الطلاق الأصعب في التاريخ".
قوة الاتحاد الأوروبي على الساحة الدولية، لا تبدو كبيرة هذه الأيام، وفقاً لما يُجمع عليه مراقبون منذ صيف العام الحالي. فهاجس "الخطر الروسي" المحدق، ليس دائماً محل إجماع في شمال ووسط وجنوب القارة. لكن يبدو أن قادة الاتحاد، وتحت سطح ما يحمله جدول الأعمال، يبرزون هذه المرة مناقشة "الاستراتيجية العالمية للاتحاد الأوروبي" كأحد مشاريع "مواجهة أزمة وجودية" فيه، بعد الخروج البريطاني منه وظهور معاناة المستشارة الألمانية أنجيلا ميركل بعد سلسلة من الهزائم الداخلية أمام اليمين المتطرف الذي يعارض مركزية قرار أوروبا.



وإلى جانب كل ما يُطرح عن عقوبات على روسيا، يدرس الأوروبيون أيضاً تطبيقاً متدرجاً لاستراتيجية "تقوية الاتحاد"، من دون أن يكون لبريطانيا دور سلبي في الخطة. وفي هذه الاستراتيجية، تبرز عملية خلط بين قوة حلف شمال الأطلسي وتقوية دور الاتحاد عسكرياً، وفي المركز تقف ألمانيا وفرنسا، فيما تحاول دول الشمال جاهدة أن تكون بريطانيا جزءاً من التفعيل، وهو أمر ناقشته ماي في كوبنهاغن الأسبوع الماضي.

خطة التكامل في الاستراتيجية التي يناقش قادة الاتحاد ملامح تطبيقها، وعلى رأسها الدفاع عن الحدود الخارجية، والتعاون في الصناعات العسكرية، وإدارة مشتركة للعمليات ومحاربة حروب القرصنة الإلكترونية ومواجهة التهديدات الروسية، ومنها ما هو مسرب عن "احتلال وضرب نووي في إسكندنافيا"، ستحتاج إلى وضع ميثاق أمني أوروبي منفصل عما كان قائماً.
وتتطلب الطموحات الأوروبية التي تهدف إلى تقوية "النفوذ الأوروبي دولياً"، وفقاً لمناقشات خبراء أوروبيين، تعزيز التواجد "شرقاً وجنوباً"، بحسب تعبير منسقة الشؤون الخارجية للاتحاد الأوروبي، فيديريكا موغريني. والأخيرة تريد تغيير صورة أن "الاتحاد لاعب داخلي فحسب"، مع إدراك الحجم الكبير من الامتعاض من سياسات واشنطن، لتبدو توجّهات أوروبا نحو آسيا الوسطى ووسط أفريقيا "أحد أهم الاستثمارات الهامة في الأمن والدفاع، بل هي ضرورة"، وفقا لخطاب موغريني في مطلع سبتمبر/أيلول الماضي.
في المقابل، تدرك بعض الدول مدى الحاجة الأوروبية للتعاون معها، فتناور مع الاتحاد الأوروبي سياسياً، وفي مستويات عدة إعلامية ودبلوماسية، والبعض الآخر ينتظر فقط بروز نتائج هذه الاستراتيجية الأوروبية. تبقى بالتأكيد المصلحة العليا لأوروبا هي المحرك لعلاقتها بمحيطها، ومن هذا المنطلق تدرك أنقرة مدى توق الاتحاد إلى إعادة تشكيل استراتيجيته خارج الحدود، ويناور الأتراك في شتى الاتجاهات، بينما دول وتجمعات وأقاليم تتشابك مصالحها مع أوروبا تبدو في خانة الفرجة فحسب.
حتى في مواجهة التهديدات والضغوط الروسية، تبدو المصالح المشتركة لبعض الأقاليم، أقرب إلى الاتحاد الأوروبي والمتغيرات التي يحاول فرضها مستعيناً بقوة اقتصاده وصناعاته، ومتسلحاً بما لديه من تحالفات يتداخل فيها جيش حلف الأطلسي مع غيره في أوروبا، وأبرز مثل على ذلك يبدو جلياً في دول حوض البلطيق والنرويج والسويد، فالأولى عضوة في حلف الأطلسي وليس الاتحاد، والثانية على العكس، بينما الاثنتان تتكئان في الحفاظ على مصالحهما وقوتهما بوجه الاندفاعات الروسية على تحالفات عابرة لعضويتهما في أندية مختلفة.