تسيبراس الثاني: براغماتية يونانية

24 سبتمبر 2015
تسيبراس خلال إعلان حكومته الجديدة (أيهان محمد/الأناضول)
+ الخط -
تجاوز رئيس الوزراء اليوناني، أليكسيس تسيبراس، مطبّات عدة في ثمانية أشهر. بدأ يسارياً متحمساً في انتخابات 25 يناير/كانون الثاني الماضي، حين أطاح حزبه "سيريزا" اليساري، كل القيادات السابقة في أثينا، من الاشتراكيين إلى الشيوعيين، مروراً بمختلف الأجنحة اليمينية، وانتهى سياسياً "واقعياً"، في مرحلة انتخابات 20 سبتمبر/أيلول الحالي.

طوى تسيبراس كل المراحل الصعبة، وباشر التجهيز لحقبته الجديدة. اختار تجديد التحالف مع الحزب اليميني الصغير "المستقلّون اليونانيون"، الذي احتفظ رئيسه، بانوس كامينوس، بحقيبة وزارة الدفاع. كما احتفظ وزير المالية في الحكومة السابقة، أوكليد تساكالوتوس، بمنصبه. وتساكالوتوس هو من ساهم بدفع اليونان للموافقة على حزمة الإنقاذ الثالثة المقدّمة من الجهات الدائنة (الاتحاد الأوروبي والمصرف المركزي الأوروبي وصندوق النقد الدولي) بقيمة 86 مليار يورو، عكس سَلَفه المُستقيل يانيس فاروفاكيس، الذي عُدّ من أبرز صقور حكومة تسيبراس الأولى.

أظهر تسيبراس عزمه على تطبيق شروط الجهات الدائنة، من خلال تأكيده عزم البرلمان التصويت اعتباراً من شهر أكتوبر/تشرين الأول المقبل على أكثر من 15 إصلاحاً مهماً، من بينها إجراء اقتطاعات جديدة في رواتب التقاعد وتشديد النظام الضريبي. يعني ذلك أن تسيبراس اختار "الخط الأوروبي" بالكامل في موضوع الإصلاحات، ولاقى، أيضاً، تأييداً شعبياً في الانتخابات الأخيرة في هذا السياق. غير أن ما ينتظر تسيبراس في المرحلة المقبلة، لا يتوقف عند الإصلاحات المالية، بل يتخطاها إلى موضوع الساعة: الهجرة واللاجئين.

قد يكون هذا الملف، والذي قفز إلى الواجهة بصورة سريعة في الفترة الأخيرة، من أبرز الملفات التي ستواجه اليونان تحديداً، لأسبابٍ جغرافية ومالية. جغرافياً، تُعتبر اليونان محطة أولى وأساسية للوافدين من جهة تركيا، أو بحراً من جهة شرق البحر الأبيض المتوسط (سورية، ولبنان، والأراضي الفلسطينية المحتلة). وتحظى اليونان باهتمام كبار القارة الأوروبية، تحديداً ألمانيا، التي سعت أولاً إلى جعل البلاد "محطة انتظار" للاجئين، قبل تفاقم الأوضاع وتحوّل الحدود الأوروبية من البلقان إلى السويد "محطات انتظار" وتنقّل للاجئين. 

اقرأ أيضاً: انتخابات اليونان... تسيبراس اليوم ضدّ تسيبراس الأمس

في هذا الصدد أبقى تسيبراس على وزير الهجرة، يانيس موزالاس في منصبه، إذ سيؤدي دوراً شبيهاً بدور وزير المالية مستقبلاً، باعتبار أن من شأن تدفّق المهاجرين تسهيل بعض الصعوبات الاقتصادية لليونان، تحديداً لناحية المساعدات الأوروبية المرتقبة في موضوع الهجرة.

ومع سعيه إلى التوازن بين المحافظين اليمينيين، بتسليمهم وزارة الدفاع، وطمأنة الجهات الدائنة بإبقاء تساكالوتوس في منصبه، وإبداء المرونة في موضوع الهجرة، يبدو تسيبراس وكأنه باشر تأسيس ركائز حكمه للسنوات الأربع المقبلة، ما لم تُجرَ انتخابات مبكرة أخرى.

ومن يتابع مسار الرجل، يدرك وكأنه يعمل وفقاً لمخطط أعدّه بعناية، إذ أمسك بالقرار السياسي اليوناني، مطلع العام الحالي، ثم أبعد صقور اليسار في حزبه، وأطاح جميع اليمينيين وأبقى على أصغر أحزابهم معه. أبقى اليونان في الاتحاد الأوروبي ولم يُعادِ روسيا. جمع حوله يسار القارّة وحظي بإعجاب يمينها. والأهم وسط كل هذا، أنه كان "واثقاً" من فوزه المريح انتخابياً في الانتخابات الأخيرة، وهو ما لم يكن يتوقعه أكثر المتفائلين.

رفع الرجل شعار "محاربة التقشف" مدغدغاً مشاعر ملايين اليونانيين الذين يئنون من ثقل الأزمة المالية، التي بدأت في عام 2009، والمكبّلين بشروطٍ تعجيزية من جهاتٍ دائنة، فرضت شروطها المالية من أجل إنقاذ اقتصاد أثينا. رفع كل الشعارات المغايرة لعناوين برنامجه الانتخابي، حتى أنه تجاوز الرفض الشعبي في استفتاء 5 يوليو/تموز الماضي، لسياسة التقشف، مبدياً موافقته على حزمة الإنقاذ الثالثة. يبدو تسيبراس أقرب إلى رجل براغماتي منه إلى "رجل عقيدة". يدرك قائد "سيريزا" ذلك جيداً، وهو ما دفعه إلى التمسّك بأبسط أخلاقيات الحزب، بدعم اللاجئين الهاربين من الموت في الشرق الأوسط وأفريقيا، معارضاً أي سياسة قمعية في هذا الصدد، ومشدداً على دعم المهاجرين. لعلّ تسيبراس يثق في أن هذا المبدأ هو الوحيد الذي يجمعه بما تبقّى من مبادئ يسارية حملها معه في يناير/ كانون الثاني، وتخلّى عنها تدريجياً في الأشهر التالية.

اقرأ أيضاً: تسيبراس اليوناني الأقوى حتى إشعار آخر... رسائل أمل للأجانب
المساهمون