هل تورّط ضباط بالجيش المصري في اغتيال النائب العام؟

16 اغسطس 2015
لم تتبنَّ أي جهة مسؤولية اغتيال بركات (getty)
+ الخط -
لا يزال الغموض يكتنف عملية التفجير التي استهدفت موكب النائب العام المصري، المستشار هشام بركات، والجهة التي تقف خلفها، على الرغم من مرور ما يزيد عن شهر ونصف الشهر على مقتله.

وتُوفي بركات متأثراً بإصابته التي لحقت به خلال تفجيرٍ استهدف موكبه في منطقة مصر الجديدة أواخر شهر يونيو/ حزيرن الماضي، عقب إجراء عملية جراحية عاجلة في أحد المستشفيات، إلا أنه فارق الحياة.

لم تعلن أي جهة مسؤوليتها عن التفجير، رغم أن العملية نفذت بدقة وحرفية عالية سواء من جهة صناعة المتفجرات المستخدمة أو التنفيذ.

ولم تعلن أي من التنظيمات الجهادية المعروفة على الساحة المصرية، مثل تنظيم "ولاية سيناء" أو جماعة "أجناد مصر"، أو حتى مجموعات تتبع تنظيم "الدولة الإسلامية"، والتي سبق ونفذت تفجير القنصلية الإيطالية بقلب العاصمة القاهرة، مسؤوليتها عن اغتيال بركات.

وظلت التكهنات تشير إلى هشام عشماوي، ضابط الصاعقة السابق في الجيش المصري، بيد أنه ظهر مقطع صوتي (لا دليل على صحته أو زيفه ولا من وراء نشره)، يتحدث فيه شخص زاعماً أنه هو عشماوي، ومعلناً تشكيل جماعة "المرابطون"، وفي هذا الشريط لم يتبنّ المتحدث أي عملية خلال الفترة الماضية حتى اغتيال بركات.

وظلت عملية اغتيال النائب العام بعيدة عن دائرة الضوء، خاصة مع قرار القضاء بحظر النشر فيها، فضلاً عن سرية التحقيقات لاستهداف أرفع منصب في القضاء المصري.

ولكن نشطاء تداولوا، أخيراً، عبر مواقع التواصل الاجتماعي، مقطعاً صوتياً لجهة تزعم أن اسمها "كتائب التحرير"، وفيه تعلن تبنيها لاستهداف موكب النائب العام واغتياله.

وفي المقطع الصوتي، الذي يثير شكوكاً كثيرة في صحته، ومدته نحو ثلاث دقائق، أعلن تأسيس ما يسمى "كتائب التحرير".

والنظر في الخطاب الوارد بالمقطع، لا يوحي بأنه تنظيم جهادي إذا ما قورن بمقاطع صوتية لتنظيمات جهادية أخرى، فضلاً عن إسلامية، وهو ما يعزز ادعاء المقطع الصوتي أنهم "من أبناء القوات المسلحة".

ويحمل المقطع علامات استفهام كثيرة وتساؤلات أكثر تعزز من الشكوك في وجود التنظيم فعلاً، بحسب مراقبين، وإلا لماذا ظهرت تلك الكتائب في هذا التوقيت تحديداً، ولم تظهر عقب الانقلاب وتطورات كبرى عقب عمليات قتل واسعة من الجيش والشرطة في سيناء مثلاً.

ومن الناحية المنهجية، لم تحدد الكتائب "المزعومة" هدفها خلال الفترة المقبلة، وما إذا كان الانتقام أو أي رؤية سياسية أو أيديولوجية محددة، وكذلك ما هو موقفها من الأزمة التي تشهدها مصر منذ الانقلاب على الرئيس المعزول محمد مرسي.

وتوجد عدة مؤشرات على عدم وجود خلفية إسلامية أو جهادية، حيث استخدم أسلوب ركيك في صياغة البيان، كما خلا من الاستشهاد بآيات قرآنية أو كلمات لأي من قادة التيار الجهادي، فضلاً عن الحديث عن الحفاظ على هيبة القوات المسلحة، في حين ترى أغلب الجماعات الجهادية بكفر تلك الطائفة بالكليّة، لمعاونة الحاكم على عدم تطبيق الشريعة، وخاصة أنها أكثر فئة تقف أمامه في الوصول للحكم وتطبيق الخلافة، على حد تصورها.

اقرأ أيضاً: خطة حماية السيسي تكشف القصور بحماية بركات

وبحسب البيان الأول، فإنها مشكّلة في الأساس من أبناء القوات المسلحة المصرية، وبات السؤال هو: لماذا لم تستهدف قيادات عسكرية شاركت بالفعل في عمليات قتل المصريين، بدلاً من الذي وقّع على القرار فقط.

وما يدعو للغرابة أكثر، هو إطلاق الكيان الجديد اسم "اللهيب القادم" على استهداف موكب النائب العام، وهو أسلوب تتبعه التنظيمات المسلحة الراديكالية، من حيث إطلاق مسميات على عملياتها لإضفاء صبغة شرعية وفكرية تعبّر عن توجهاتها.

وهاجم البيان عبدالفتاح السيسي بلهجة مخفّفة هي وصفه بـ"الآثم"، فيما وصف البيان قيادات الجيش بـ"الفاسدة.. لأنها تورِّط القوات في مواجهة الشعب مخالفةً للعقدية العسكرية، وإجبار القوات على رفع سلاحهم في وجه المصريين عِوضاً عن العدو الخارجي"، ومع ذلك لم تعلن نيتها استهدافهم.

وتطرق البيان إلى مصير من وصفهم "الرافضين لرفع السلاح في وجه المصريين"، "الذي هو السجن أو التعذيب، مثلما يحدث في المجموعة 65 مخابرات حربية، أو التصفية، وهو ما حدث مع العديد من أبناء القوات المسلحة".

اقرأ أيضاً: ‏"فورين بوليسي": نظام السيسي هبة لـ"تنظيم الدولة"

وبعثت الكتائب عبر البيان تحذيراً للسيسي عبر استهداف موكب النائب العام دون المساس بهيبة القوات المسلحة باستهداف أحد قياداتها الفاسدين، مؤكداً "ولكن ليعلم الجميع أن خياراتنا مفتوحة وليس لدينا خطوط حمراء".

والمثير للدهشة هو توقيت إصدار هذا المقطع الصوتي، الذي تم رفعه على موقع "يوتيوب" قبل ما يزيد عن أسبوعين من الآن، دون الالتفات إليه حتى من قبل القوات المسلحة المصرية والأجهزة الأمنية.

وكان من المفترض في هذه الحالة إقدام الأجهزة الأمنية على الإبلاغ عن مثل هذا المقطع لدى موقع "يوتيوب" لحذفه، مثلما يحدث مع مقاطع وفيديوهات تحضّ على العنف، وهو ما لم يحدث حتى الآن رغم انتشاره بكثافة خلال الساعات الماضية.

وفي توقيت إصدار المقطع تساؤل آخر يتعلق بالإعلان عن العملية والكيان الجديد بعد نحو شهر تقريباً من استهداف موكب النائب العام، ولماذا تأخر الإعلان كل هذه المدة؟

ولم يوضح المقطع الصوتي تفاصيل عملية اغتيال النائب العام وتفاصيل المواد المتفجرة المستخدمة في تفخيخ السيارة التي استهدفت الموكب، في حين أن تكتيك العملية يشير إلى تورط جماعة جهادية جديدة، نظراً لأن التنفيذ أشبه بعمليات سابقة سواء داخل أو خارج مصر.
وهذا يعطي إشارة أكثر إلى أن الكتائب مزعومة، وأن هناك تشكيكاً في وجودها من الأساس، ولكن الفرضية الثانية لا يمكن تأكيدها طالما لم تعلن أي جهة مسؤوليتها عن اغتيال النائب العام.

ولكن ذلك لا يمنع مراقبين من أن يثيروا تساؤلاً أكثر خطورة حول الأشخاص الذين يقفون وراء هذا البيان "إن صح"، واغتيال النائب العام، حيث قالوا إنهم من أبناء القوات المسلحة، فهل لا يزالون في الخدمة أم خارجها؟ وهو لم يتضح في المقطع الصوتي.

ملاحظة أخرى على البيان من حيث الشكل، وهو استخدام خلفية علم مصر وشعارات مشابهة للمستخدمة من قبل الجيش في بياناته المرئية، فضلاً عن اللغة المشابهة لصياغة المؤسسة العسكرية.

المساهمون