العملية العسكرية الشاملة في باكستان تثير انقسامات داخلية

12 يوليو 2024
الجيش الباكستاني في حيدر أباد، 6 فبراير 2024 (أكرم شاهد/فرانس برس)
+ الخط -

استمع إلى الملخص

اظهر الملخص
- **الانقسام السياسي والديني حول العملية العسكرية**: أعلنت الحكومة الباكستانية عن عملية "عزيمة الأمن والاستقرار"، مما أثار انقساماً في إسلام أباد. الأحزاب السياسية والدينية عارضت العملية، محذرة من نتائج وخيمة في منطقة القبائل.

- **التحديات الأمنية والعسكرية**: فضل الرحمن أشار إلى تدهور الأوضاع الأمنية في المناطق القبلية والشمال الغربي، مع تزايد نفوذ "طالبان". المحلل الأمني شفاعت علي خان أكد أن صراع المؤسسة العسكرية مع الدينية خطير للغاية.

- **المفاوضات والعلاقات مع طالبان الأفغانية**: فشلت المفاوضات الباكستانية مع "طالبان" الأفغانية عبر وساطة إماراتية. وزير الخارجية الباكستاني أعلن عن زيارة لكابول لمناقشة قضايا أمنية، وسط تعقيد الوضع الأمني.

لا تزال حالة من الانقسام تسود إسلام أباد بسبب إعلان الحكومة، في 23 يونيو/حزيران الماضي، العملية العسكرية الشاملة في باكستان تحت مسمى عملية "عزيمة الأمن والاستقرار". وباتت الأحزاب السياسية والقومية، عدا التحالف الحاكم، معارضة لهذه العملية وطالبة من الحكومة التباحث بشأنها داخل البرلمان، ما دفع الحكومة إلى الإعلان عن عقد مؤتمر للأحزاب السياسية كافة من أجل مناقشة القضية. لكن الأحزاب الدينية والمؤسسة الدينية بمجملها أبدت معارضتها العملية العسكرية الشاملة في باكستان من دون نقاش بشأنها، كما باشرت مساعيها في الوقت نفسه لتحريك القبائل، من خلال عقد اجتماعات وندوات لزعماء قبليين رافضين العملية المسلحة.

وليس هذا فقط، بل وجّهت تلك الأحزاب انتقادات لاذعة إلى المؤسسة العسكرية والجيش، معتبرة إياها مسؤولة مباشرة عن وضع البلاد، داعية الحكومة لإعادة النظر في التعامل مع الحركات المسلحة، إذ إن أي حراك في منطقة القبائل ستكون له نتائج وخيمة، على حد قولها. وقال الزعيم الديني المولوي فضل الرحمن، وهو زعيم جمعية علماء الإسلام، أكبر الأحزاب الدينية في باكستان، التي تنشط في ظلالها آلاف المدارس الدينية، إن ما وصفه الجيش بعملية "عزيمة الأمن والاستقرار" ستكون عزيمة الخراب والدمار، ولن تأتي بطائل لباكستان، وعلى الجميع أن يفكروا في طرق بديلة للتعامل مع الجماعات المسلحة. وما أثار استغراب الجميع هو ما قاله الزعيم الديني في كلمة له أمام البرلمان الباكستاني في الثاني من يوليو/تموز الحالي، إذ قال إن لديه معلومات موثوقة مفادها أن ما بين 40 ألفاً و50 ألف مسلح دخلوا مناطق القبائل ومناطق الشمال الغربي، وهم مهيأون لمواجهة قوات الجيش والأمن.

تمدد "طالبان"

وأضاف فضل الرحمن أنه إذا استمرت الأمور على هذا المنوال، فخلال أربعة أشهر ستكون إمارة أفغانستان الإسلامية (حكومة طالبان) قائمة في الكثير من المناطق القبلية ومناطق الشمال الغربي، ومنها مقاطعتي شمال وجنوب وزيرستان، ومنطقة ديره إسماعيل خان، وكرك ومناطق أخرى. وأضاف أنه مع غروب كل يوم، كل المراكز الأمنية والعسكرية تغلق أبوابها ولا يستطيع أحد الخروج من المواقع حتى صباح اليوم التالي، وهذا هو حال القوات الأمنية والعسكرية في منطقة القبائل وشمال غرب باكستان، ومع ذلك كله، لا حل عسكرياً له.

وحول موقف حكومة طالبان الأفغانية جراء ما يجري في باكستان، قال فضل الرحمن: "لست هنا لأدافع عن طالبان الأفغانية، ولكن بصفتي مواطناً باكستانياً وأمارس السياسة منذ أربعة عقود وأعرف الكثير من الخفايا، لدي حق أن أسأل، في بلادنا أكثر من 30 مؤسسة استخبارية ولدينا جيش قوي، إضافة إلى أجهزة الأمن المختلفة، كيف يمكن للمسلحين أن يعبروا الحدود ثم يذهبوا مئات الأميال داخل الأراضي الباكستانية لاستهداف الصينيين وقوات الأمن ومسؤولين أو موظفين في الحكومة؟". وتابع: "لماذا تلومون حكومة طالبان وهي حكومة وليدة بدأت العمل للتو، بينما معكم كل أجهزة الدولة العميقة والاستخبارات والجيش، كما أكد قادة الجيش بأن الحدود الأفغانية الباكستانية الآن آمنة بسبب السياج الحدودي، ثم يأتي هؤلاء ليلوموا حكومة طالبان على ما يحدث من أعمال العنف في العمق الباكستاني؟".


شفاعت علي خان: صراع أي طرف مع المؤسسة الدينية خطير للغاية

وليست جمعية علماء الإسلام، أكبر الأحزاب الدينية في باكستان، وحدها من الجماعات الدينية التي عارضت العملية العسكرية الشاملة في باكستان بل عارضتها أيضاً الجماعة الإسلامية، المعروفة بكونها أكثر مرونة في التعامل مع الحكومة والجيش. وطالبت، في بيان، المؤسسة العسكرية بإجراء حوار مع المسلحين من أجل حلحلة القضية الأمنية، موضحة أن العملية العسكرية الشاملة في باكستان لن تأتي بخير للشعب ولا للحكومة، بل ستزيد الهوة بينهما، من هنا، لا بد من الركون إلى طاولة الحوار.

وتعليقاً على موقف الزعامة الدينية في باكستان، قال المحلل الأمني الباكستاني شفاعت علي خان، لـ"العربي الجديد"، إن صراع أي مؤسسة مع المؤسسة الدينية خطير للغاية، خصوصاً إذا كانت المؤسسة العسكرية وجهاً لوجه مع المؤسسة الدينية، هذا الأمر خطير للغاية ولأول مرة يحصل في تاريخ باكستان. ولفت إلى أن ما يقوله الزعيم الديني المولوي فضل الرحمن بشأن الأوضاع الأمنية هو كلام دقيق، وهو يكشف عن الكثير من الحقائق التي تخفيها المؤسسات المعنية، لكن ما الحل؟ هل الحوار هو الحل في حين أنه فشل مراراً، تماماً كما فشلت العمليات العسكرية في السابق. وأكد علي خان أن المشكلة الأساسية هي أن حسابات باكستان، تحديداً المؤسسة العسكرية، كانت وما زالت خاطئة، إذ فرقت على مدار العقدين الماضيين بين "طالبان" الجيدين (طالبان الأفغانية) وطالبان غير الجيدين (طالبان الباكستانية) واعتبرت أنهما تياران مختلفان، ولكن بعد وصول "طالبان" إلى الحكم تبين أنهما وجهان لعملة واحدة، وأن التقديرات الباكستانية بشأن "طالبان" الأفغانية كانت خاطئة، إذ ظنّت المؤسسة العسكرية أن "طالبان" الأفغانية ستكون أداة في يدها لاستخدامها، خصوصاً من أجل القضاء على المسلحين المعارضين لباكستان.

وتابع علي خان بأن الأمر لم يكن كذلك، لذا، الآن، الجيش الباكستاني في حيرة من أمره، وأصبحت "طالبان" الأفغانية والباكستانية معا أكبر تحد له، فمن دون العمليات ستتمدد "طالبان" الباكستانية، ولكن عند تنفيذ العملية، ستصبح القبائل والمؤسسة الدينية ضد المؤسسة العسكرية. وحذر من أن الأوضاع خطيرة للغاية، إذ إن المؤسسة الدينية، وكذلك القبائل، تميل إلى كابول أكثر هذه الأيام من ميلها إلى المؤسسة العسكرية الباكستانية، وهو أمر خطير للغاية. ولفت إلى أن القبائل البشتونية تميل إلى أفغانستان دوماً، والأوضاع السائدة أمنياً واقتصادياً في باكستان قد ترغمها على ذلك حالياً، وكذلك الحال في المدرسة الدينية الباكستانية. لكن الإعلامي الباكستاني عبد الله محمد رأى في حديث مع لـ"العربي الجديد" أن الأحزاب الدينية الباكستانية تعارض العملية العسكرية الشاملة في باكستان لسببين: أولاً لأنها مستاءة أصلاً من المؤسسة العسكرية الباكستانية بسبب الانتخابات العامة الماضية (أُجريت في فبراير/شباط الماضي)، وخسرت مقاعدها في البرلمان، ورأت أن الاستخبارات العسكرية وراء فشلها. أما السبب الثاني فهو أن القبائل عارضت العملية العسكرية الشاملة في باكستان على وقع محاولة الجماعات الدينية في منطقة القبائل المحافظة على نفوذها، كما استغلت الوضع من أجل الضغط على المؤسسة العسكرية كي تحصل مكاسبها السياسية.

العملية العسكرية الشاملة في باكستان

من جانبها، أعربت المؤسسة العسكرية عن أسفها الشديد حيال موقف الأحزاب الدينية. وذكر مكتب العلاقات العامة في الجيش، في بيان، أن قادة الفيالق أعربوا عن أسفهم الشديد حيال معارضة بعض الجهات العملية العسكرية الشاملة في باكستان واصفاً إياها بـ"المهمة للغاية لمستقبل أمن باكستان". كما جاء في البيان أن قائد الجيش الجنرال عاصم منير أكد أن بلاده تواجه تحديات جمة كبيرة في الداخل والخارج، وأن الوضع الحالي يتطلب من كل الجهات مساندة الجيش والوقوف إلى جانبه.

وفي شهر يونيو/حزيران الماضي، قام وزير الداخلية في حكومة "طالبان" المولوي سراج الدين حقاني بزيارة إلى دولة الإمارات، حينها أعلن أن الهدف من الزيارة إجراء مباحثات مع المسؤولين الإماراتيين، ولكن مصادر خاصة أكدت لـ"العربي الجديد" أن الهدف كان عقد اجتماع مهم بين "طالبان" وبين وفد استخباراتي باكستاني استضافته الإمارات. وذكرت المصادر أنه خلال الاجتماع، طلب الوفد الباكستاني من "طالبان" العمل مع السلطات الباكستانية من أجل القضاء على "طالبان" الباكستانية، وهو الأمر الذي قوبل بالرفض المطلق من قبل الجانب الأفغاني، علاوة على رفضه أن يعمل من أجل الوساطة بين الطرفين بحجة أن تعامل إسلام أباد في الجولات السابقة من المفاوضات التي استضافتها كابول في نوفمبر/تشرين الثاني 2021 كان سلبياً للغاية، وبالتالي، فإن كابول غير مستعدة لأن تقوم بأي دور. كما شدد الجانب الأفغاني على أن الأمن الباكستاني هو موضوع داخلي لباكستان ولا دخل لـ"طالبان" فيه. وأوضحت المصادر أن دولة الإمارات حاولت تقريب وجهات النظر بين الطرفين ولكن المفاوضات كانت فاشلة.


محمد ديدار: "طالبان" الأفغانية لن تقبل أي حل لا يرضي "طالبان" الباكستانية

في الأثناء، قال وزير الخارجية الباكستاني اسحاق دار، في كلمة له بمجلس الشيوخ في التاسع من الشهر الحالي، إنه سيزور كابول قريباً من أجل مناقشة قضايا مهمة، ولفت إلى أن "أفغانستان دولة شقيقة نريد التعاون والعمل معها من أجل إحلال الأمن في المنطقة". ورأى مراقبون أن باكستان تنازلت عن موقفها السابق حيال "طالبان" الأفغانية بسبب ما تواجهه من الوضع الأمني الصعب، فتوعدت سابقاً بالتدخل في أفغانستان من أجل القضاء على "طالبان" الباكستانية هناك، ولكن الآن، أوضح وزير الخارجية أن بلاده تحترم سيادة أفغانستان وتريد العمل معها من أجل إحلال الأمن. كما أعلنت الداخلية الباكستانية في العاشر من الشهر الحالي تمديد فترة إقامة اللاجئين الأفغان مدة عام ووقف كل الحملات ضدهم، وهو كان المطلب الرئيسي لـ"طالبان" الأفغانية.

لكن المشكلة الأساسية، وفق الزعيم القبلي محمد ديدار، أن أفغانستان لا تعتمد على المؤسسة العسكرية الباكستانية، وكذلك القبائل الباكستانية، إذ إنها أدت دوماً دوراً مزدوجاً، من هنا فالتحدي الأكبر الذي تواجهه المؤسسة العسكرية الباكستانية هو العلاقة الوطيدة بين "طالبان" الأفغانية و"طالبان" الباكستانية، وهما مرتبطتان بعضها ببعض بالعديد من الأواصر، منها أنهما تياران دينيان، وكلتاهما تنتميان إلى القبائل البشتونية، كما كان بينهما تعاون عميق على مر العقدين الماضيين، بالتالي من الصعب التفريق بينهما. وأوضح الزعيم القبلي، في حديثٍ لـ"العربي الجديد"، أن "طالبان" الأفغانية لن تقبل أي حل لا يرضي "طالبان" الباكستانية، لكن في المقابل، مطالب "طالبان" الباكستانية غير مقبولة من إسلام أباد، إذ إنها تريد خروج الجيش من المناطق القبلية وعدم جمع السلاح وأن تكون لها سيطرة في القبائل، وكل تلك أمور مرفوضة لدى الجيش. أما خيار الحرب فأيضاً صعب للغاية، إذ استخدم الجيش الباكستاني على مر العقود الماضية جماعات مسلحة مختلفة من أجل الوصول إلى مصالحه، والآن لأول مرة يواجه تحدياً مسلحاً كبيراً ولا يوجد إلى جانبه من يؤيده ويدافع عن مصالحه بحمل السلاح. وكشف أن الجيش الباكستاني حاول تشكيل جيوش قبلية خلال الأشهر الماضية، ووعد القبائل بمنحها أموال طائلة على غرار ما حصل في عام 2014، ولكن القبائل رفضت ذلك، كما رفضت أي عملية من قبل الجيش.

المساهمون