مفاوضات مباشرة بين كابول و"طالبان": اللبٍنة الأولى للحلّ

10 يوليو 2015
المفاوضات مباشرة وتمهد لحل الأزمة الأمنية (وكيل كوهسار/فرانس برس)
+ الخط -
حققت الأزمة الأفغانية، أخيراً، اختراقاً واضحاً قد يكون مقدّمة لحلّ مشاكل البلاد بعد نحو 14 عاماً من الحروب. وتمثل هذا الاختراق في انعقاد الجولة الأولى من الحوار المباشر بين الحكومة الأفغانية وحركة "طالبان" في العاصمة الباكستانية، إسلام آباد، أول من أمس. ورغم أن الجولة انتهت دون أن يعلق على تفاصيلها أي طرف، باستثناء الإعلان عن اتفاق الطرفين على مواصلة الحوار وإجراء الجولة التالية قريباً، فإن انعقاد جلسة الحوار المباشر بين طرفي الصراع الأفغاني، ومجرد أن ترضى "طالبان" بالجلوس إلى طاولة المفاوضات مع حكومة لطالما وصفتها بالعميلة وغير الشرعية، يعدّ نجاحاً كبيراً، لا سيما الرئيس الأفغاني محمد أشرف غني، الذي تحمل الكثير من الضغوط الداخلية بسبب علاقته مع باكستان، وسعى جاهداً للصلح مع "طالبان".


اقرأ أيضاً الحوار الأفغاني: جسّ نبض وشروط معقدة للمصالحة

وبحسب التسريبات الصحافية، فإنّ الحوار جرى في جوّ إيجابي للغاية، وارتكز في الأساس على ثلاث نقاط رئيسية هي: مواصلة العملية وجعلها مشروعاً مستمراً لا ينقطع حتى الوصول إلى الحلّ النهائي للأزمة الأفغانية، والآلية الشاملة للحوار، والوضع الأمني. ولمّحت التسريبات إلى أن وفد الحكومة الأفغانية طالب ممثلي "طالبان" بالوقف الفوري للعمليات العسكرية في أفغانستان بغية نجاح عملية الصلح، لكنه لم يتم التوصل إلى اتفاق بهذا الشأن، إذ إن الجولة الأولى كانت بمثابة جلسة تمهيدية للمرحلة المقبلة، المزمع انعقادها في مدينة أرمتشي الصينية. 

ولم يتم التأكد بشأن توقيت موعد المرحلة المقبلة، لكن الطرفين وافقا على مواصلة الحوار، وهو ما لمّحت إليه الخارجية الباكستانية، شاكرة كلا من حركة "طالبان" والحكومة الأفغانية لتلبيتهما دعوة باكستان.

وشارك في عملية الحوار أربعة قياديين بارزين في حركة "طالبان" هم: القاري دين محمد، والمولوي جليل، وعباس ستانكزاي، وفرهاد الله. وترأس الوفد القاري دين محمد، الذي قاد وفود الحركة الأخيرة إلى الصين وإيران وباكستان، ويعد من أبرز الوجوه السياسية في الحركة. كما يعد ستانكزاي والمولوي جليل من أهم قيادات الحركة، في حين يعد فرهاد الله شخصية غير معروفة. في المقابل ترأس وفد الحكومة نائب وزير الخارجية حكمت كرزاي، وكان من أعضائه مستشار الرئيس الأفغاني، والقائد الجهادي الشهير حاجي دين محمد، وفيض الله ذكي وأربعة آخرون من أعضاء مجلس السلام الأفغاني. 

وقال مصدر في حركة "طالبان"، فضل عدم نشر اسمه لـ"العربي الجديد"، إن قيادة الحركة تخشى من محاولة البعض إفشال عملية الحوار، وإنها مستاءة بهذا الشأن، غير أنها رضيت بالحوار مع الحكومة الأفغانية. ولم يستبعد أن تقوم "طالبان" قريباً بإصدار بيان مفصل حول عملية الحوار مع الحكومة الأفغانية. 

من جهتها، أصدرت الخارجية الأفغانية بياناً شكرت فيه الحكومة الباكستانية والولايات المتحدة والصين، وأشادت بدور باكستان لاستضافتها الحوار بين الأطراف الأفغانية، آملة أن تكون هذه المرحلة حجر أساس لعلمية حوار شاملة تقضي بحل الأزمة الأمنية في البلاد. وذكرت أن الحوار مع "طالبان" يحظى بدعم جميع الأطياف الأفغانية. فيما أكدت الخارجية الباكستانية أن الحوار بين الأطراف الأفغانية المتخاصمة قد جرى في جو إيجابي، معتبرة إياه خطوة مهمة ونجاحاً كبيراً لبلادها.

بدورها، رحبت الولايات المتحدة بالمحادثات المباشرة بين "طالبان" والحكومة الأفغانية. وأشاد المتحدث باسم البيت الأبيض جوش أرنست بدور الحكومة الأفغانية بهذا الشأن، مؤكداً أن انعقاد الحوار في إسلام آباد يشير إلى عزم الحكومة الأفغانية على حل الأزمة الأمنية عبر حوار بناء.

وبغض النظر عن احتمالات نجاح المفاوضات، هناك عدة أمور تشير إلى مواصلة الحوار على الأقل في الوقت الراهن، منها أن الحوار يعقد بالتنسيق بين القوى الدولية والمحلية، إذ حضر مندوبو كل من الصين والولايات المتحدة وباكستان الجلسة الأولى. وكانت حركة "طالبان" تصر على مدى الأعوام الماضية على التفاوض مع الولايات المتحدة، معتقدة أن زمام الأمور بين يديها، كما كانت تسعى إلى إقناع واشنطن بشطب أسماء قيادتها من القائمة السوداء.

من جهة ثانية، فإن مشاركة شبكة حقاني الموالية لحركة "طالبان" ودعمها الكامل للمحادثات، أمر إيجابي آخر يعزز فرص استمرار المفاوضات. غير أن ثمة مخاوف من وقوع تصدع داخل "طالبان" إذ إن قيادات بارزة في اللجنة العسكرية كانت تعارض الحوار مع الحكومة الأفغانية، وهناك خشية من انفصال بعض هؤلاء من الحركة، وانضمامهم إلى تنظيم الدولة الإسلامية "داعش"، لاسيما أن هناك العديد من القيادات الميدانية نقضوا ولاءهم لزعيم التنظيم الملا عمر، وأعلنوا مبايعتهم لزعيم "داعش" أبو بكر البغدادي. 

ثمة خشية أخرى وهي أن حركة "طالبان" قد تخسر شعبيتها أكثر إذا فشلت المفاوضات، إذ إن عودة "طالبان" إلى طاولة المفاوضات حدثت نتيجة ضغوطات باكستانية، وهو ما يعزز مقولة أن الحركة تنشط في أفغانستان لصالح باكستان، خصوصاً أن القوى المناوئة لها كـ"داعش" تدّعي أنها تحارب "طالبان" لأنها تعمل لصالح الاستخبارات الباكستانية.

علاوة على ذلك، فإن المفاوضات المباشرة بين الحكومة الأفغانية و"طالبان" أتت في وقت كثف فيه تنظيم "داعش" أنشطته في أفغانستان، كما أعلنت أحزاب أخرى معارضة للوجود الأجنبي في أفغانستان، الولاء لتنظيم "داعش"، ما يعني أن المفاوضات بين الحكومة الأفغانية و"طالبان"، حتى إن نجحت، فإنها لا تعني إنهاء الأزمة الأمنية بصورة كاملة.

المساهمون