سهل الغاب خاصرة رخوة لـ"جيش الفتح"؟

10 يوليو 2015
المعارضة تقاتل بأعداد قليلة في سهل الغاب (الأناضول)
+ الخط -

منذ سيطرة فصائل المعارضة السورية المسلّحة، ممثلة بـ"جيش الفتح"، على مدينة إدلب أواخر شهر مارس/ آذار من العام الحالي وحتى الآن، كانت قوات النظام السوري في حالة دفاع وثم انسحاب، بدأ ذلك في مدينة إدلب ثم جسر الشغور وأريحا والمسطومة إلى معظم حواجز وقرى سهل الغاب في ريف حماة الشمالي الغربي، حيث توقّف الزحف.

قبل بضعة أيام حدث انسحاب جديد حسبه مقاتلو المعارضة سيناريو مشابه، تمثّل في انسحاب قوات النظام من قرية الشريعة، إحدى قرى سهل الغاب، من دون وجود أي نوع من المواجهات، وبث ناشطون صوراً وتسجيلات مصوّرة تظهر آليات ودبابات النظام وهي تنسحب من الحاجز إلى قرية الحرة الموالية للنظام.

بيد أن الانسحاب الأخير جاء مغايراً هذه المرة، وحالة الدفاع انتقلت إلى الهجوم، بعدما سيطرت قوات النظام على أربع قرى تقع على تسلسل خط واحد، هي الرملة والأشرفية وقبر فضة والكريم، وتُشكّل هذه القرى عمق سهل الغاب، ليؤمّن النظام بذلك خطاً عسكرياً لقواته من قرية الجيد الموالية ذات الأغلبية المرشدية إلى مدينة السقيلبية الموالية في أقصى سهل الغاب الأدنى، وليبدأ بعدها برفع السواتر الترابية العالية وزرع الألغام حول المناطق التي سيطر عليها.

وأدت المعارك الأخيرة إلى نزوح أكثر من 150 ألف شخص من قرى وبلدات سهل الغاب، جراء شن الطيران الحربي والمروحي أكثر من 70 غارة على قراهم، متوجهين إلى مناطق جبل شحشبو ومزارع قيراطة وكفرنبودة في ريف حماة الشمالي ومناطق جبل الزاوية في ريف إدلب، في حين توجّه البعض الآخر إلى المخيمات الحدودية مع تركيا، حسب ما كشف الناشط الإعلامي حسن العمري، مشيراً في تصريحات إعلامية إلى "أوضاع إنسانية مزرية لأغلب النازحين، اذ يسكنون الآن بمدارس في كفرنبودة وهم في حاجة للمساعدة الإنسانية والرعاية الصحية".

يمكن القول إن قوات المعارضة مقبلة على مرحلة جديدة في سهل الغاب، ستختلف كثيراً عمّا جرى في محافظة إدلب، فسهل الغاب هي الوجهة الأخيرة قبل الدخول إلى الساحل، فضلاً عن تواجد عدد من القرى والبلدات الموالية للنظام والتي لن يتخلى عنها، فالمعركة هنا وجودية له ولا مجال للانسحاب، وما تحصين قرية جورين المتاخمة لسهل الغاب من الجهة الشرقية إلا لتكون نقطة الدفاع الرئيسية وبوابة الانطلاق نحو الهجوم المضاد في حال أرادت قوات النظام استعادة المناطق التي خسرتها على يد "جيش الفتح".

اقرأ أيضاً: خيارات المعارضة بعد انتصارها بمعركة ريف إدلب

ويُعتبر سهل الغاب هدفاً استراتيجياً لقوات المعارضة والنظام في الوقت نفسه، لكونه يقع في المنطقة الوسطى من سورية بين جبال اللاذقية غرباً وجبل الزاوية شرقاً وجسر الشغور شمالاً ومصياف جنوباً، ويُشكّل سهلاً منبسطاً خصباً، يمرّ فيه نهر العاصي، ويبلغ طول السهل نحو 80 كيلومتراً، وعرضه بين 10 و13 كيلومتراً، وهو محاط بجبال عالية، خصوصاً من الجهة الغربية.

ويسيطر النظام على قرى القاهرة الغربية والرصيف والعزيزية وتمانعة الغاب والجيد والزيارة والقرقور وتل واسط وتل زجرم، وهي تقع على خط واحد، في حين تسيطر فصائل المعارضة على قرى الحويز، والحويجة الشريعة وقلعة المضيق والمنصورة والعميقة والحرية.

واللافت في الأمر، أن السهل قد أضحى خاصرة رخوة لقوات المعارضة منذ تحوّلت المعارك إلى حلب، وعانت فصائل المعارضة في معظم مناطق سيطرتها من انقطاع الخدمات الأساسية بعد توقّف تنظيم "الدولة الإسلامية" (داعش)، عن نقل المحروقات لمناطق سيطرة المعارضة. وكان متوقعاً لـ"جيش الفتح" أن يتجاوز سهل الغاب ويتقدّم لفتح معركة الساحل، فالجمود العسكري بدا واضحاً من قبل "جيش الفتح" الذي يُقاتل بأعداد قليلة في قرى وبلدات سهل الغاب، تسانده بعض الفصائل التابعة لـ"الجيش السوري الحر".

ويُرجع مدير مكتب القوة المركزية في حركة "أحرار الشام الإسلامية" أبو عمر، سبب ما يجري في سهل الغاب إلى "رغبة النظام في استعادة المناطق التي سيطر عليها جيش الفتح لمنع تمدد المعركة في العمق العلوي"، لافتاً إلى أن "قدرة المعارضة على الصمود تتوقف على تدخّل داعش بعرقلة سير المعركة وإشغال المجاهدين، اذ كان التنظيم السبب الأساس في تحويل الوجهة من الساحل إلى ريف حلب الشمالي بسبب المعاناة من انقطاع الوقود، وهو ما قلّل من تحركات جيش الفتح بشكل كبير، فضلاً عن تعدّد الجبهات المفتوحة".

ويؤكد أبو عمر، في تصريحات لـ"العربي الجديد"، أن "المعركة مستمرة في سهل الغاب على الرغم من البرود الحاصل، وجيش الفتح يستطيع التقدّم في المنطقة على الرغم من صعوبتها، ويجري الاستطلاع حالياً على جبهات السهل لإعادة تفعيل المعركة التي توقّف التمدد فيها من دون الانسحاب، اذ لا تزال أعداد مرابطة على تلك الجبهات لجيش الفتح"، كاشفاً عن "التحضير لعمل كبير في عمق النظام عمّا قريب".

يشار إلى أن عدد سكان سهل الغاب يبلغ نحو 250 ألف نسمة، وتسكنه العديد من العشائر العربية العريقة، مثل الدمالخة والويس والجيس وبني سعيد، ويشكل تنوّعاً طائفياً يسكنه السنّة والعلويون والإسماعيليون والمرشديون. ويعتمد سكانه بشكل خاص على الزراعة، تحديداً القطن والشمندر السكري والقمح.

اقرأ أيضاً: "جيش الفتح" يحرر بوابات سهل الغاب في ريف إدلب

المساهمون