لحظة نووية حاسمة اليوم: مسار التفاوض من 30 يونيو

07 يوليو 2015
أعيد طرح قضايا اتفاق لوزان التي تمّ حلّها(فرانس برس)
+ الخط -

في الوقت الذي كان يستقبل فيه فندق كوبورغ، في فيينا، ويودّع اجتماعات المفاوضين الإيرانيين والغربيين ووزراء خارجية الدول الست، بقي الوزيران الإيراني، محمد جواد ظريف، والأميركي، جون كيري، هناك طيلة فترة التفاوض الحاسمة. كان الكل في الداخل الإيراني يترقب التصريحات والمعطيات التي تصدر من هناك. يعلم الجميع في إيران أن لهذه الجولة من المفاوضات طعماً آخر، هي جولة الحسم، كما يقولون.

في فيينا، استمرت الاجتماعات المكثفة طيلة الأيام الفائتة، ومنذ التمديد لمهلة التفاوض أسبوعا كاملا، وهي المهلة التي كان من المفترض أن تنتهي في 30 يونيو/حزيران الماضي، عقدت اجتماعات ثنائية على مستوى وزراء خارجية الدول المشاركة في المفاوضات. كما حصلت اجتماعات على مستوى مساعدي الوزراء، فضلاً عن اجتماعات أخرى على مستوى الخبراء الفنيين والتقنيين، والتي ترأسها وزير الطاقة الأميركي، إرنست مونيز، ورئيس هيئة الطاقة الذرية الإيرانية، علي أكبر صالحي. نقلت هذه المناقشات طابع الجدية في التعامل والنية الحقيقية لحسم النتائج.

كما أعطى قدوم رئيس الوكالة الدولية للطاقة الذرية، يوكيا أمانو، إلى كوبورغ عدة مرات واجتماعه بظريف وكيري، المفاوضات أهمية خاصة أيضاً. تعاظمت هذه الأهمية مع زيارته إلى طهران الخميس الماضي. وصل أمانو في زيارة سريعة ومفاجئة، التقى خلالها الرئيس الإيراني، حسن روحاني، وأمين مجلس الأمن القومي، علي شمخاني، وبحث معهما، بحسب المواقع الرسمية الإيرانية، ملف تفتيش المواقع العسكرية الإيرانية، الذي رفضته طهران مراراً على طاولة الحوار النووي.

ركّز أمانو خلال زيارته، على ترتيب آلية لحل مسألة "بي إم دي" المتعلقة بما جاء في تقارير سابقة للوكالة، والتي نقلت إجراء إيران لتجارب تحاكي تفجيرات نووية في مواقع عسكرية، مما فتح أصلاً موضوع مطلب الغرب في الدخول إلى هذه المواقع. وقد ذكرت الوكالة الدولية للطاقة الذرية بعد زيارة أمانو إلى طهران أنها ستكون قادرة على إصدار تقريرها النهائي حول هذه المسألة في حلول نهاية العام الجاري.

وبعد أن ترك أمانو طهران بأيام، وصل إليها صباح الأحد وفد من الوكالة، يتألف من خمسة مسؤولين يترأسه نائبه، ترو فاريوفانتا. ووفق ما أعلنت هيئة الطاقة الذرية الإيرانية، جاء قدومهم لاستكمال الحوار حول القضايا التي حملها معه أمانو، ولإيجاد آلية لتطبيق المقترحات الدولية والإيرانية على حد سواء في ما يتعلق بتفتيش المنشآت، وهي النقطة التي ظلت عالقة على طاولة الحوار النووي في لحظات الحسم أيضاً.

اقرأ أيضاً: إيران تُلوح بتمديد المفاوضات النووية مُجدداً

يخشى عدد من المسؤولين الإيرانيين من هذه النقطة بالذات، والتي يعتبرها عدد كبير منهم إحدى النقاط الحمراء التي تحدث عنها المرشد الأعلى، علي خامنئي. لكن في الوقت عينه، يحاول الوفد المفاوض برئاسة ظريف إيجاد مخرج وحل لها. وبحسب مراقبين، فإنّ الاستثناءات التي يضمها البروتوكول الإضافي هي المخرج. فهذا البروتوكول يسمح بتفتيش مشروط وبأدلة مقنعة لبعض المواقع.

وفي الوقت الذي كان يترقب فيه المسؤولون في الداخل حلّ هذه النقطة، نالت النقطة الثانية الاهتمام الأكبر خلال لحظات المفاوضات الحاسمة، وتكمن في آلية إلغاء العقوبات المفروضة على البلاد، وهي المطلب الرسمي والشعبي في آن واحد. تدرك المواقع الإيرانية برمتها أهمية وخطورة هذه النقطة. فقد نقلت بعض المواقع، ومنها وكالة "مهر" في تقرير خاص من فيينا، أن الدول الست اختلفت فيما بينها على ضرورة كتابة بند في الاتفاق يسمح بفرض عقوبات فورية على إيران، في حال الإخلال بتعهداتها النووية مستقبلاً.

وذكرت "مهر" أن الوفدين الروسي والصيني تحفّظا على هذه النقطة، ولا سيما أنه لا توجد نقاط واضحة ومفصلة في هذا البند تقيد الطرف المقابل، الذي يفرض رقابته على إيران. وتساءل التقرير عن ضمانات الولايات المتحدة أو فرنسا بأنهما لن تتركا مستقبلاً إخلال طهران بتعهداتها، وهو ما سيسمح بفرض عقوبات جديدة. ولكن تجدر الإشارة إلى أن العلاقات الاقتصادية بين إيران وكل من روسيا والصين هي التي تجعل هذين الطرفين متحمسين للغاية لإلغاء كل قرارات العقوبات وفتح المجال أكثر أمامها، بحسب مراقبين.

لم تنقل تصريحات المفاوضين الإيرانيين بدقة ما يجري في كواليس فيينا، وكلما تحدثوا عن إحراز تقدم في الحوار مع الغرب، بادلوها بأخرى عن تعقيد عدد من الملفات. كما نقلوا أيضاً أن الخلاف حول آلية إلغاء العقوبات لا يزال قائماً. وقد نقل مساعد وزير الخارجية الإيراني وعضو الوفد المفاوض، عباس عراقجي، خلال لقاء تلفزيوني، يوم السبت، أنّ الاتفاق سيجري على ثلاث مراحل. أولها، الإعلان عن الاتفاق شفهياً، وإقراره من قبل مجلس الأمن. ثانيها، إلغاء قرارات العقوبات المفروضة على إيران تزامناً مع إجراء إيران لتعهداتها النووية. وثالثها، مرحلة التنفيذ. والجديد في كلام عراقجي، هو اقتناع الوفد المفاوض بأن تلغى العقوبات بالتزامن وإجراء التعهدات، لا أن تلغى فوراً بعد توقيع الاتفاق. ولكن يبدو، وبحسب ما نقلت المواقع الإيرانية، فإنّ الخلاف ظل قائماً على تفاصيل تطبيق هذه النقطة.

اقرأ أيضاً: العقوبات المفروضة على تكنولوجيا الصواريخ البالستية تعرقل الاتفاق النووي

ركّزت صحيفة "كيهان" المحسوبة على الخط المحافظ المتشدد، وهو الخط الذي لا يرى أية نتيجة من الحوار الإيراني ــ الغربي، والحوار مع أميركا خصوصاً، في عددها الصادر أمس، الإثنين، على نقطة إلغاء العقوبات. واعتبرت الصحيفة في تقريرها، أنّ الولايات المتحدة الأميركية تريد التوصل إلى اتفاق، وهو ما تحتاجه حكومة الرئيس باراك أوباما حالياً، لكنها في الوقت عينه تريد الإبقاء على العقوبات أو ضمان الإبقاء على وسيلة ضغط تستخدم ضد إيران في أي وقت. واعتبر التقرير أن ما جاء على لسان عراقجي وكيري، الذي هدد خلال الأيام السابقة بترك طاولة الحوار، يثبت هذا الأمر.

من جهتها، كانت الصحف الإصلاحية والمعتدلة أكثر تفاؤلاً بما يجري. ونقلت برمتها أن المفاوضات تجري في أجواء إيجابية. وكتبت صحيفة "اعتماد الإصلاحية"، أمس الإثنين، أن إلغاء العقوبات المرتقب، سيدخل أرصدة إيران المجمدة في مصارف الخارج إلى أسواقها بعد ستة أشهر من إلغاء الحظر.

ونقلت هذه الصحيفة عن مصدر مقرب من الوفد المفاوض في فيينا، قوله إنه "على الرغم من الاتفاق على العديد من النقاط الفنية، لكن المفاوضات السياسية والتقنية جرت بالتوازي في محاولة للتوصل إلى حلول في الوقت المناسب". لكنه أشار، أيضاً، إلى أنّ "العديد من القضايا  التي تم حلها في السابق وأعلن عنها في اتفاق الإطار من لوزان السويسرية شهر أبريل/نيسان الماضي، طرحت من جديد وظلّت خلافية، إذ عادت بعض الأطراف الغربية لتناقش بعض النقاط التي تم إنهاؤها سابقاً، ومنها ما يتعلق بمفاعل آراك وفردو، وحتى عدد أجهزة الطرد المركزي ونقل الفائض من اليورانيوم المخصب إلى الخارج.

حلّ اتفاق لوزان بالفعل عدداً من القضايا التقنية على الرغم من أن البنود حول القضايا السياسية لم تكن واضحة، ولا سيما البند المتعلق بإلغاء كل العقوبات المفروضة على إيران مقابل إيقاف التخصيب بنسب عالية والحد من النشاط النووي في عدد من المنشآت وعلى رأسها فردو، التي من المفترض أن تتحول من منشأة للتخصيب إلى منشأة بحثية فقط. لكن طهران أصرت على استكمال التفاوض حتى النهاية على الأقل لتوضيح هذا البند وهو الأهم بالنسبة للجميع في الداخل الإيراني، وقد مثّل الخلاف السياسي الأبرز بين المفاوضين.

اقرأ أيضاً: كيري يؤكد أنه "حان الوقت" للتوصل لاتفاق مع إيران

المساهمون