لبنان: مأسسة تيار ميشال عون تهدّد بالانقسام الكبير

04 يوليو 2015
على عون الاختيار بين ورثته (حسين بيضون)
+ الخط -
يخوض رئيس تكتل التغيير والإصلاح في لبنان، النائب ميشال عون، معاركه على كافة المساحة السياسية المتوفرة في لبنان. هو مرشح لرئاسة الجمهورية، وقادر على شلّ الحكومة، وهو أحد معطّلي الجلسات التشريعية في مجلس النواب. كل هذه القوة والسلطة بيد عون، "الزعيم المسيحي الأول"، الذي يرأس أكبر تكتل نيابي (يتألف من 27 نائباً) وكتلة وزارية من أربعة وزراء، وفي ظهره الدعم الكامل من حلفاء النظام السوري وتحديداً حزب الله. فيعطّل الحزب وعون الانتخابات الرئاسية في محاولة فرض "الجنرال" (لقب عون لكونه قائداً سابقاً للجيش اللبناني) رئيساً، وكذلك يأتي تعطيل جلسات الحكومة لمحاولة فرض صهر عون، العميد شامل روكز، قائداً للجيش. وتمكّن هذه السلطة، الممنوحة له انتخابياً وسياسياً نتيجة تحالفاته، عون من التقدم بالاقتراحات المختلفة، المنطقية وغير القابلة للتطبيق، كالقانون الأرثوذكسي للانتخابات النيابية (انتخاب كل طائفة لنوابها) أو التهديد بتغيير النظام السياسي والدستور، إضافةً إلى اقتراحه تطبيق منطق الاستفتاء تمهيداً للانتخابات الرئاسية. كما أنّ بإمكان عون تهديد رئيس الحكومة والوزراء لأنهم اجتمعوا وأصدروا قراراً، وهو ما حصل قبل يومين بعد كسر تعطيل الحكومة وعودة الأخيرة إلى الانعقاد برئاسة سلام. وجاء التهديد على وقع قول عون إن "انفجاراً سيولد اذا أصدرت الحكومة أي قرار بعد انتهاء جلسة مجلس الوزراء "، كما لو أنّ على مجلس الوزراء الانصياع لأوامره والوقوف عند الحدود التي رسمها "الجنرال" له.

كل هذه القوة تدفع عون إلى وضع نفسه في الموقع المسيحي الأول محلياً وعربياً، أو "زعيم المسيحيين من الموصل إلى شمال أفريقيا". لكن كل هذا بات مهدداً، فالرجل دخل العقد الثامن من العمر في فبراير/شباط الماضي، ولا ضمانة حتى اليوم لاستمرار هذا المشروع السياسي بعد خروجه إلى التقاعد والراحة. ورثة عون كثر، سياسياً وتنظيمياً، وهم مشتّتون في اتجاهين أو أكثر وهو ما يهدّد هذا المشروع وأنصاره وتكاتف الناس حوله.

إقرأ أيضاً: لبنان... فدرالية عون ترث المؤتمر التأسيسي و"القانون الأرثوذكسي"

يحاول المشروع العوني منذ 2005 الانتقال من حالة شعبية وسياسية إلى تنظيم وحزب. وعلى هذا الأساس نشأ التيار الوطني الحر بعد انتهاء الاحتلال السوري للبنان ووصايته السياسية والأمنية. عاد عون من المنفى (1990 ــ 2005) وأطلق التيار الوطني في فبراير/شباط 2006 حيث انطلقت أولى خطوات التنظيم، بحسب ما يؤكد مسؤولون في التيار. لا يرغب أي من المسؤولين الحديث العلني على أبواب ما يحكى عن انتخابات داخلية في التيار العوني، فيحافظ كل طرف على أسراره وأسلحته التنظيمية والسياسية والإعلامية لحين موعد انتخاب رئيس للتيار الوطني الحرّ، المفترض عقده في عشرين سبتمبر/أيلول المقبل. لكن حتى هذا التاريخ لا يزال غير مؤكدا بعد نظراً لكون وزارة الداخلية رفضت التعديل الذي قدمته قيادة التيار الحالية، أي عون نفسه، على مسودة النظام الداخلي المقدمة أصلاً في ديسمبر/كانون الأول 2014. جاء التعديل ليكرّس انقسام العونيين، بين طرف قريب جداً من عون يحاول وضع السلطة الحزبية بين يدي رئيس الحزب، وهو طرف يتمثل بصهر عون الوزير جبران باسيل الذي يعتبر نفسه الوريث الأول لعمّه. وبالتالي فإنّ باسيل ومن معه من العونيين يتمسكون بخيار إقرار "الأحادية" في التيار باعتبار أنّ هذه السلطة من المفترض أن تؤول إليه بعد تقاعد عمّه. في حين أنّ طرفاً آخر يطرح نفسه إصلاحياً وتطويرياً، فيصرّ على إقرار النظام الداخلي مبدأ التصويت في قيادة الحزب، وهو يتمثل أيضاً بمقربين آخرين من عون أبرزهم النائبان آلان عون وسيمون أبي رميا وابن شقيق "الجنرال" نعيم عون. بالتالي فإنّ "الزعيم المسيحي" بات واقعاً في الوسط، عاجزاً عن البت في الخيار بين تيّارين يتصارعان حول مستقبل حزبه ومشروعه.

هذا الانقسام الحاصل داخل التيار الوطني يطال فقط الملف التنظيمي والنقاش حول مستقبل التيار، مع إصرار الطرفين على وضع صورة عون فوق مكاتبهم وفي منازلهم وعلى مشاطرته خياراته ومواقفه السياسية. فلا تحالفات التيار خاضعة للنقاش، ولا حتى المسيرة السياسية منذ 2005، ولو أنّ غياب التنظيم الفعلي منذ ذلك الحين إلى اليوم جعل التيار الوطني الحرّ الذي حمل شعار "التغيير والإصلاح"، وراثياً مثله مثل أي حزب محلي آخر، تسوده المحسوبيات الشخصية والعائلية، ولا مراجعات فعلية فيه أو تدارك للأخطاء، بالإضافة إلى غياب آليات المحاسبة التنظيمية، علماً أنه تم فصل عشرات المسؤولين والأنصار خلال عقد، نتيجة غضب شخصي أو بفعل الهمس في أذن عون من قبل بعض المقرّبين منه. حتى إنّ طرح "الأحادية" داخل التنظيم العوني ومخالفة الأصول الديمقراطية خطيئة أخرى يرتكبها التيار بحق نفسه وناسه، خصوصاً وأن شعاراته السياسية تضجّ بالحرية والديمقراطية.

وقع التيار الوطني الحرّ، على غرار غيره من التجارب الحزبية والسياسية المحلية والعربية، في مأزق الزعيم والمؤسس. ولكون آل عون ليسوا عائلة إقطاعية، وليس للجنرال أي "وريث شرعي" (في المفهوم اللبناني والذكوري للوراثة التي تحصر الوريث بولد ذكر)، فإنّ الصراع على هذه التركة السياسية يتشعّب أكثر. ويعترف بعض العونيين بهذا الواقع ويؤكدون على أنّ "التأثير سيكون كبيراً على التيار في حال خروج عون إلى التقاعد"، فيضعون الرهان على إنجاح الانتخابات الرئاسية ومعركة النظام الداخلي لصالح إنجاح الديمقراطية في التيار وتأمين تمثيل الناس والأنصار. يضع هؤلاء خيار انتقال التيار من زمن "المؤسس" إلى عصر "المؤسسة". لكن هذا الطموح يصطدم فعلياً بغياب المشروع الجدي لتحقيق هذا الطموح ومعارضته من قبل شريحة لا بأس بها من التيار. وبالتالي فإنّ الخطر يدهم أكبر الأحزاب المسيحية جدياً، خصوصاً أنه بالعودة إلى رفض الداخلية للتعديل على النظام الداخلي (منتصف يونيو/حزيران الماضي)، باتت الانتخابات التنظيمية مهددة أيضاً.

وفي هذا الإطار، قد يكون عون مرة جديدة أمام تأجيل موعد النقاش في هذا المشروع التنظيمي، كما سبق له أن فعل طوال السنوات العشر الماضية تلافياً للانقسام الفعلي داخل تياره. حتى إنّ القيادة العونية متخوّفة في الوقت نفسه من حصول انشقاق داخل جسمها التنظيمي في حال استمرار الواقع على حاله، أكان بعد الانتخابات المفترضة بعد شهرين، أو في وقت لاحق بعد تقاعد عون. هكذا يكتمل التهديد المحدق بالتيار الوطني الحرّ، الأمر الذي يدفع عددا من المطلعين إلى الإشارة إلى "إمكانية تأجيل الانتخابات الرئاسية الداخلية من أيلول إلى موعد آخر وذلك للمحافظة على صفوف التيار في هذه المرحلة السياسية المفصلية التي يقود فيها عون معركة رئاسة الجمهورية". إلا أنّ المقربين من عون يستبعدون هذا الخيار، ويقولون لـ"العربي الجديد" إنّ "الجنرال يصرّ على حسم هذا الملف اليوم قبل الغد للانتهاء من هذه الأزمة والبدء في مرحلة من سيخلفه". وفي حال استكمال هذا السيناريو، سيكون على عون الاختيار بين "الأحادية" و"الديمقراطية" في معركة أولى، وبين أقاربه من جهة أخرى. وبالتالي سيكون عليه التمني أن يستمدّ الصبر من مكان ما ليستمرّ في قيادة التيار حالياً.

اقرأ أيضاً: لبنان: أزمة الحكومة قد تنفجر

المساهمون