مستقبل مجهول ينتظر أوروبا بعد أزمة اليونان

12 يوليو 2015
من الاحتجاجات اليونانية في أثينا رفضاً لخطة الإنقاذ (Getty)
+ الخط -
زاد الرفض اليوناني لـ "خطة الإنقاذ" التي طرحتها الجهات الدائنة على أثينا، أزمات القارة العجوز. وحفّز استفتاء الأحد الماضي، عوامل عدة في أوروبا، كالإصلاحات التي تسعى بريطانيا لإدخالها على الاتحاد الأوروبي، وخطر وصول الأحزاب اليسارية إلى السلطة في عدد من دولها، فضلاً عن أزمة أوكرنيا والهجرة عبر المتوسط. ويُهدّد كل ذلك وجودية الاتحاد الأوروبي بحدّ ذاته.

وشكّلت الأزمة اليونانية نقطة تحوّل في أوروبا، في ظلّ ازدياد القلق من المصير الذي ينتظر أثينا نتيجة تفاقم ديونها وارتفاع معدلات التضخّم وزيادة نسبة البطالة، على الرغم من كل الجهود المبذولة من القادة الأوروبيين، وعلى رأسهم المستشارة الألمانية أنجيلا ميركل. على اعتبار أن ألمانيا هي أكبر الدول الدائنة لليونان بحوالي 90 مليار دولار.

ويعتبر محللون أن "خروج اليونان سيسمح لدول منافسة لأوروبا بتأدية دور أكبر، وعلى رأسها الصين والهند وروسيا". ولم يستبعدوا أن "يتمّ التنسيق بين موسكو وأثينا، على أن تُصوّت الأخيرة ضد تمديد العقوبات على الروس مستقبلاً، مقابل الحصول على بعض المنح. وسيسمح هذا الوضع لموسكو بالتحريض على الاتحاد الأوروبي من الداخل، في ظلّ الاشتباك السياسي الحاصل بين الطرفين على خلفية الأزمة الأوكرانية. كما أن إعراب الرئيس الروسي فلاديمير بوتين عن أمله لرئيس الوزراء اليوناني ألكسيس تسيبراس، بتطوير التعاون بين البلدين، يصبّ في هذا الصدد".

وعلاوة على ذلك، قد تلجأ أثينا إلى الضغط في ملف "الهجرة غير الشرعية" على أوروبا، بفعل تزايد أعداد اللاجئين الهاربين من الصراعات في المتوسط عبر بحر إيجه. ومن المُمكن أن يُفجّر ذلك أزمة كبرى بين دول الاتحاد في المستقبل القريب، نتيجة عدم التوافق على إدارة الملف والاختلاف بوجهات النظر وآلية العمل المفترض اتباعها، ومنها موضوع الجثث وتوزيع اللاجئين، والمشكلات الناتجة عن عدم التزام بعض دول الاتحاد بالقرارات التي تصدر عن اجتماعاتها.

ويشير عدد من المُطّلعين إلى أنه "على الدائنين المساهمة في خطة إنقاذ جديدة لليونان، وإجراء مفاوضات أخرى، رغم صعوبتها، بهدف تكريس وحدة أوروبا، وربما تخفيض الفوائد أو شطب جزء من الدين العام لليونان، الذي بات يُشكّل 175 في المائة من معدل إجمالي الناتج المحلي. وهو أعلى معدل للدين العام في منطقة اليورو". وعللّوا ذلك بغرض "قطع الطريق أمام الأحزاب اليسارية في عدد من الدول الأوروبية"، التي ازداد حضورها بفعل الأزمة اليونانية، مع رفضها لسياسات التقشف ومنها حزب "بوديموس" الإسباني، وحزب اليسار الفرنسي بزعامة جان لوك ميلينشون، وحزب "البديل لأجل ألمانيا" المناوئ للاتحاد الأوروبي، والمعارض لعمليات إنقاذ اليورو.

ويرى مراقبون أن "وصول حزب سيريزا اليساري الراديكالي بزعامة تسيبراس إلى الحكم، كان نتاج الخيبات والتمرّد على الأحزاب التقليدية، التي لا تكترث لحاجات مواطنيها". واعتبروا أن "نتائج الانتخابات البرلمانية والمحلية أخيراً في عدد من الدول الأوروبية، كشفت عن توسّع القاعدة الشعبية للأحزاب اليسارية، الذين يأملون في إعادة ترتيب البيت الأوروبي، بعدما تحوّل بنظرهم إلى فدرالية للّيبراليين".

وأمام هذا الواقع، اعتبر رئيس كتلة الليبراليين في البرلمان الأوروبي، غي فيرهوفستات، بعد استفتاء اليونان، أن "مستقبل أوروبا على المحكّ أكثر من مستقبل اليونان، وبالتالي على أوروبا أن تُبقي اليونان في الحضن الأوروبي".

اقرأ أيضاً: البرلمان اليوناني يؤيّد بأغلبية ساحقة مقترحات الحكومة للإصلاح

وهذا ما تُشجع عليه الولايات المتحدة واليابان مخافة من تأثير الأزمة على النظام والنمو الاقتصادي العالميين، وخصوصاً أن ترك اليونان لمصيرها سيجعلها تتجه للتحالف مع دول لا تملك علاقات مستقرّة مع أوروبا. كما لا يُستبعد أن تحصل اضطرابات في بلدٍ يقع على مسافة قريبة من دول عربية تشهد أعمال عنف، حسب ما حذّر الرئيس الأميركي باراك أوباما منه خلال اتصال هاتفي مع ميركل. مع العلم أن رئيس المفوضية الأوروبية، جان كلود يونكر، شدّد خلال القمة الخاصة باليونان في بروكسل، بأنه "ما زلت مؤمناً حتى اليوم، بأن غايتي ورغبتي تُختصر بعدم خروج اليونان من الاتحاد الأوروبي".

وفي متابعة لهذه الملفات، يشير عدد من الخبراء إلى أن "العبء يقع على ألمانيا، صاحبة الاقتصاد الأكبر في أوروبا، والتي تُعدّ الرافعة الفعلية لاقتصادات عدد كبير من دول الاتحاد، وهي الآن في موقف لا تُحسد عليه. من جهة لا تريد خروج اليونان والتسبب بانقسام في منطقة اليورو، خشية تمرّد بعض الدول المتعسّرة أيضاً مثل إسبانيا والبرتغال، ومن جهة أخرى لا يبدو منح أموال الضرائب التي يدفعها المواطنون الأوروبيون، تحديداً الألمان، عادلاً".

ولا يقلّ شأناً عن الوضع اليوناني، طلب بريطانيا إعادة التفاوض على شروط عضويتها في الاتحاد الأوروبي، والتي تتضمّن وضعاً أكثر خصوصية للندن. وهذا ما سيُشكّل خطراً أيضاً على أوروبا، في حال فوز الجناح الانفصالي في بريطانيا في الاستفتاء المقرر بشأن الخروج من الاتحاد قبل نهاية العام 2017. وقد يؤدي ذلك إلى انسحاب أحد أكبر اقتصاديات أوروبا وأهم مركز مالي فيها، وأحد أهم القوى العسكرية في الاتحاد.

اقرأ أيضاً: سيناريوهات الأزمة اليونانية بعيون بريطانيا