إسرائيل تروّج لنهاية الخيار العسكري الأميركي ضد إيران

25 يونيو 2015
نتنياهو يواصل حملة شخصية ضد خط أوباما (فرانس برس)
+ الخط -

تواصل إسرائيل خطها المناهض لدبلوماسية واستراتيجية إدارة الرئيس الأميركي باراك أوباما في ما يتعلّق بالشرق الأوسط عموماً، وبالملف الإيراني تحديداً. وتسعى إسرائيل عبر ساستها (رئيس الوزراء بنيامين نتنياهو ووزير الأمن الإسرائيلي موشيه يعالون) من جهة، ومراكزها البحثية من جهة أخرى، إلى تكريس اتهامات واضحة لأوباما بالتراجع عن سياسة أميركية ثابتة ضد انتشار الأسلحة النووية في الشرق الأوسط، بالتوازي مع "خذلان" الأصدقاء والحلفاء التقليديين والتوجّه نحو الاعتراف بدور ومكانة أكبر لإيران باعتبارها جزءاً من الحل وليست جزءاً من المشكلة.

وفيما يواصل نتنياهو والسفير الإسرائيلي السابق لدى واشنطن مايكل أورن، حملة شخصية ضد خط أوباما وسياسته، فقد خرج مركز أبحاث الأمن القومي بدراسة جديدة، وضعها الوزير الليكودي السابق غدعون ساعر والباحث في المركز وفي جامعة بن غوريون البروفيسور زكي شالوم، تبيّن أن رغبة أوباما في التوصل إلى اتفاق مع إيران قادته إلى تحديد خطته في هذا الشأن نحو مزيد من الانفتاح والتنازل، كرد على الانتقادات التي وُجّهت لاتفاق لوزان المؤقت، مستخدماً (أي أوباما) خطاباً لا يترك مجالاً للتأويل، بعدم فاعلية الخيار العسكري ضد إيران.

وتستند الدراسة في هذا السياق إلى تصريح الرئيس الأميركي بهذا الخصوص في مقابلة مع القناة الإسرائيلية الثانية في الثاني من يونيو/ حزيران الحالي، باعتباره التصريح الذي يضع حداً نهائياً لأي خيار عسكري أميركي ضد إيران. إذ أعلن أوباما في المقابلة المذكورة "أنه ليس بمقدور عملية عسكرية حل القضية النووية الإيرانية، لأن شن عملية كهذه حتى لو شاركت فيها الولايات المتحدة، من شأنها أن تعرقل مؤقتاً فقط مشروع الذرّة الإيراني، لكنها لن تقضي عليه".

وتحدد الدراسة أن هذا التصريح وما تبعه من تصريحات مشابهة صدرت عن مسؤولين أميركيين تعني في النهاية سحب الخيار العسكري عن الطاولة، ما يُضعف بالتالي موقف الإدارة الأميركية ومعها المجتمع الدولي في المفاوضات مع إيران، ما يحمل في طياته، بحسب الدراسة، مؤشرات سلبية على نتائج المفاوضات. واعتبرت الدراسة أن ما يعزز صدقية هذا التشخيص هو تساؤل أوباما بعد خطاب نتنياهو أمام الكونغرس الأميركي، في مطلع أبريل/ نيسان، عن الخيار البديل الذي يطرحه نتنياهو لوقف استمرار تطوير المشروع الإيراني، باعتبار هذا التساؤل تأكيداً إضافياً على قناعة الإدارة الأميركية بعدم جدوى الخيار العسكري من جهة، وتسليم الإدارة بأنه لا يمكن عملياً منع إيران من الوصول إلى القدرات النووية، لا عبر العقوبات ولا بالطرق العسكرية.

وتوظف الدراسة مجمل التصريحات الأميركية في هذا الشأن لتبرير صحة دعاية نتنياهو ويعالون ضد إدارة أوباما، كدليل على تآكل وتراجع مقلق لحدة ومدى إمكانية اللجوء إلى الخيار العسكري فعلاً، خصوصاً في الأشهر التي تلت التوصل إلى الاتفاق المؤقت مع إيران.

اقرأ أيضاً: نتنياهو يعترف بوجود خلافات مع أميركا

وإذا كان الحديث الإسرائيلي، سواء السياسي الرسمي أو المغلّف بتحليلات علمية كهذه الدراسة، بات معروفاً ومستنفدا تقريباً، إلا أن الدراسة، وللمرة الأولى عملياً في هذا السياق، تتجه نحو صد مواقف أوباما والسعي لتفنيدها، عبر اللجوء إلى "الاعتقاد السائد لدى المؤسسة العسكرية والأمنية الأميركية" للوصول إلى القول إن إدارة أوباما منقطعة عملياً عن اتجاهات التفكير داخل هذه المؤسسة. وتستدل الدراسة على ذلك بالإشارة إلى تصريحات وزير الدفاع الأميركي أشتون كارتر لشبكة "سي إن إن" الأميركية التي قال فيها: إن "الجيش الأميركي يملك القدرة لتأخير وهدم مشروع الذرة الإيراني، وأعتقد أن الإيرانيين يعرفون ذلك ويعونه جيداً".

كما تشير الدراسة إلى تصريحات مشابهة لقادة الأجهزة الأميركية، بينهم رئيس القوات الأميركية المشتركة الجنرال مارتن ديمبسي، الذي أعلن أن الولايات المتحدة تملك القوة "القادرة على تركيع إيران"، فيما اعتبر ضباط رفيعو المستوى في سلاح الجو الأميركي أن سلاح الجو يملك خيارات متعددة لضرب المشروع الإيراني.

ولا تُسقط الدراسة مع ذلك إدراك الإدارة الأميركية لمواقف المؤسسة الأمنية، لكنها تقول إن تركيزها على عقم وعدم جدوى الخيار العسكري يهدف بالأساس إلى تبرير الاتفاق المقبل بين إيران والدول الست الكبرى، عبر الادعاء بأن العقوبات الاقتصادية والتهديدات الإسرائيلية المتلاحقة بتوجيه ضربة عسكرية لإيران لم تردع الأخيرة عن مواصلة مشروعها، وبالتالي فإن الخيار الوحيد المتبقي أمام هذه الدول هو الخيار الدبلوماسي الذي تتبناه إدارة أوباما اليوم، وينبغي على الدول المختلفة، وفق هذا المنطق، أن تدعم هذا الخيار وأن تؤيد الجهود الأميركية الدبلوماسية.

وعلى غرار بعض رجال السياسة الإسرائيليين، وآخرهم أورن، فإن الدراسة تتجه لتوفير بُعد شخصي خاص بأوباما يفسّر دبلوماسيته، فتقتبس من تصريحاته في مقابلة مع الصحافي الأميركي جيف غولدبيرغ، قوله إن الخيار الدبلوماسي هو جزء من الميراث الشخصي الذي سيخلّفه وراءه بعد ترك البيت الأبيض، وأنه مستعد لتحقيق هذه الغاية والتراجع حتى عن الشروط التي كان وضعها بنفسه في منتدى سبان عام 2013 والتي نصّت على إبقاء القوة النووية الإيرانية للأغراض السلمية فقط. وليس هذا فحسب، بل أيضاً الدخول في مواجهة مع الكونغرس والحلفاء والأصدقاء التقليديين للولايات المتحدة في المنطقة وعلى رأسهم إسرائيل والسعودية ودول الخليج.

اقرأ أيضاً: إسرائيل تبتزّ الولايات المتحدة: السلاح "النوعي" للخليج يهددنا