في مثل هذا اليوم يكون قد مر 15 عاماً على وفاة الرئيس الحبيب بورقيبة. فبتاريخ 6 أبريل/نيسان عام 2000 غادر بورقيبة العالم، ولإحياء هذه الذكرى انتقل رئيس الجمهورية الباجي قايد السبسي يرافقه رئيس الحكومة ورئيس البرلمان وشخصيات سياسية عديدة إلى مدينة المنستير مسقط رأس الزعيم التونسي، لقراءة الفاتحة على روحه إحياءً لهذه الذكرى المهمة في تاريخ الشعب التونسي.
مؤخراً، عاد الرئيس السابق الحبيب بورقيبة بقوة إلى ذاكرة التونسيين. لا تؤكد هذا الأمر فقط استطلاعات الرأي، وإنما يمكن للمراقب أن يلاحظه عند الحديث مع الناس أو عندما يستطلع ردود أفعالهم على الواقع الصعب الذي يعيشونه منذ الإطاحة بزين العابدين بن علي.
كان بن علي يخشى بورقيبة حياً وميتاً. هذا ما يستحضره التونسيون في ذكرى وفاة من كان يهتفون باسمه ويصفه الإعلاميون وأنصار الحزب الحاكم وقادته بـ "المجاهد الأكبر"، محاولة منهم التقليص من جهاد الآلاف من التونسيين الذين قدموا الكثير لتونس حتى تكتسب مقومات الحصول على الاستقلال.
لا تجوز المقارنة بين بورقيبة وبن علي. فعندما زار بورقيبة واشنطن في أول زيارة رسمية له، اصطحبه الرئيس جون كينيدي في جولة بسيارة مكشوفة شقت أكبر الشوارع، حيث اصطف الأميركيون بكثافة ليحيوه. في حين عندما قام المخلوع بن علي بزيارته الأخيرة إلى الولايات المتحدة لم يكن في انتظاره بالمطار سوى موظف سامٍ في الخارجية الأميركية. وشتان بين زعيم وبين عسكري اغتصب السلطة ولم يفعل بها شيئاً كثيراً.
اقرأ أيضاً: تالة التونسية: صانعة الثورة المحرومة
ولهذا عندما توفى بورقيبة كان من بين قرارات بن علي السخيفة والغبية منع التغطية التلفزيونية لجنازة مؤسس الدولة التونس الحديثة، والسبب خوفه من أن تتحول الجثة إلى حراك شعبي يهدد استقرار ساكن قصر قرطاج عن طريق الخطأ.
لم يكن بورقيبة ديمقراطياً أو غيوراً على الحريات العامة، ويعتبر ذلك من أشد أخطائه التي وفرت الفرصة لكي تقع إزاحته بالقوة من شخص أكرمه وصعده إلى أعلى هرم السلطة عندما عينه وزيراً أول عساه أن يكون درعاً واقياً لمواجهة الإسلاميين.
لكن رغم أخطائه العديدة، بقي علامة فارقة في حياة التونسيين، وهناك عوامل عديدة ساهمت في الإبقاء على شعبية الرئيس بورقيبة بعد الثورة وحتى الآن، نذكر منها عاملين: أولهما؛ أن لا أحد ينكر أن بورقيبة هو الذي قاد عملية بناء الدولة الحديثة في تونس. دولة فيها ثغرات عديدة، لكنها تميزت بطابعها العصري، وبحد أدنى من توجهها العقلاني في مجمل إجراءاتها الإصلاحية التي شملت النساء والتعليم والصحة والتهيئة العمرانية وتنظيم النسل والإيمان بالشخصية التونسية مع الانفتاح على العالم، وبالتحديد أوروبا. من هذه الزاوية لا يمكن الحديث عن تونس من دون المرور بشخصية هذا المحامي الذي شغل الناس بمواقفه الجريئة وبأسلوبه الخاص في إدارة شؤون الدولة.
العامل الثاني الذي أعاد له الاعتبار بعد موته هو التهديد الذي أصبح يشعر به التونسيون لنمط مجتمعهم. هو نمط ليس مقدساً ولكنه أضفى طابعاً ديناميكياً، يتميز بالانفتاح والتفاعل مع حركة القيم، يجمع بين رؤية معتدلة للدين وبين تعلق بمسعى متواصل نحو اكتساب مقومات الحضارة. ولهذا بقيت تونس مصدر إعجاب من قبل مختلف دول العالم، وتجدد ذلك الإعجاب بعد الثورة رغم المخاطر والتحديات.
لقد تعززت مرجعية بورقيبة بسبب حالة الاضطراب والهشاشة التي مرت بها تونس ولا تزال خلال مرحلة الانتقال الديمقراطي، إلى جانب تعثر السياسيين الذين لم تكن سياساتهم موفقة لإعادة الاعتبار لمفهوم الدولة، وهو ما يحاول التأكيد عليه الرئيس الحالي السبسي الذي زاد في ارتباط التونسيين ببورقيبة من خلال حالة التقمص الطبيعية لشخصية "المجاهد الأكبر" من حيث الشبه والكاريزما وأسلوب الخطابة، إلى جانب تبني المرجعية. فهل يكون السبسي نسخة من بورقيبة؟
اقرأ أيضاً: قائد السبسي: الرجل المحظوظ