تونس: دور جديد في ليبيا

26 مارس 2015
الحدود المشتركة من أهم المواضيع التي تقلق تونس (الأناضول)
+ الخط -

بدأت معطيات جديدة تدخل على خط العلاقات التونسية الليبية في الآونة الأخيرة، من لقاءات رسمية وغير رسمية، ورسائل سياسية وتصريحات قيادات سياسية وحزبية تقود كلها إلى استنتاج، أن متغيرات قد تدخل قريباً على الملف الليبي تونسياً، بعضها يعود إلى متغيرات في السياسة التونسية، وأخرى بفعل المتغيّرات على الأرض ليبياً.

بداية الجدل انطلقت مع احتجاجات الجنوب التونسي ومشاكل المعبر وما أثير حول الإتاوة التي يفرضها الطرف الليبي المسيطر على المعبر (قوات فجر ليبيا) رداً على الإتاوة التونسية المفروضة على الليبيين. وتعالت أصوات خافتة وقتها تلمّح إلى أن "فجر ليبيا" تبحث عن اعتراف تونسي رسمي أو على الأقل عن توازن في المواقف التونسية ووضع حد للتجاهل التونسي والاتهامات السياسية الحزبية لحكومة طرابلس بالتماهي مع المجموعات المتشددة التي تهدد الأمن التونسي.

وحالما انتهت الأزمة على الحدود بإقرار رفع الإتاوة، فجّر رئيس حركة "النهضة" راشد الغنوشي، أساس السؤال الليبي التونسي، حين اتهم الحكومة التونسية (السابقة) برئاسة، مهدي جمعة، بالانحياز للطرف الشرقي من الأزمة الليبية، مشيراً إلى أنها لم تبذل أي محاولة للصلح داخل ليبيا. وأكد أن موقف الحكومة الجديدة مغاير، داعياً إياها إلى تغليب مصلحة تونس في التعامل مع الأزمة الليبية، ومعتبراً أن رعاية المغرب والجزائر وجنيف وإسطنبول وغيرها من العواصم للحوار الليبي، إلا تونس، تقصير من الدبلوماسية التونسية.

وذكّر الغنوشي بأن قرار حكومة جمعة منع 250 من قيادات المنطقة الغربية في لبيبا من دخول تونس، أدى إلى التفريط بمصالح تونس الاقتصادية من خلال توقّف رحلات الطيران من غرب ليبيا وبالتالي تَحوُّل المرضى الليبيين للعلاج في الأردن وتركيا والمغرب، مشدداً على ضرورة عدم الانحياز إلى أي طرف من أطراف النزاع. وفي رده على اتهامات الغنوشي، قال وزير الخارجية السابق، المنجي حامدي، في تصريح صحافي، "إنه من الإجحاف القول بأن حكومة جمعة لم تبذل جهداً لحل الأزمة الليبية"، مؤكداً أن الدبلوماسية التونسية كانت ولا تزال تقف على المسافة نفسها من كل أطراف النزاع في ليبيا. ورد الحامدي اعتراف تونس بحكومة طبرق إلى اعتراف المنظمات الإقليمية والدولية بها، مؤكداً أن "تونس تعاملت في الوقت نفسه مع أطراف ليبية أخرى في طرابلس وغيرها، بخصوص المسائل الأمنية والاجتماعية ومختلف المسائل التي تهم المصلحة الوطنية".

اقرأ أيضاً: هجوم متحف باردو في تونس يضغط على الحوار الليبي

غير أن ما يُلاحظ في الفترة الأخيرة، أن الدبلوماسية التونسية بصدد إجراء تغييرات جوهرية في التعاطي مع الملف الليبي، بدأت بفتح قنصليتين في طرابلس وبنغازي وتأكيدها بشكل قطعي أن تونس تقف على المسافة نفسها من طرفي النزاع، وهو ما أثار غضب حكومة طبرق التي سارع مسؤولوها إلى القيام بزيارات متتالية لتونس، إلا أن هذه الجهود لم تغيّر من القراءة التونسية الجديدة للموقف تجاه ليبيا.

وتكشف مصادر لـ"العربي الجديد" أن الرئيس التونسي، الباجي قائد السبسي، يرى أن مصالح تونس الحيوية تقتضي البحث عن صيغة جديدة للتعامل مع طرفي النزاع، ولكنه في الوقت ذاته غير متحمس كثيراً لدور مباشر قد يلعبه الغنوشي بفعل قربه من أحد الطرفين، ما قد يؤثر في مشهد التوازن الذي تبحث عنه تونس، بالإضافة إلى التمسك المعروف للسبسي بمؤسسات الدولة التي يرى أنها الأجدر للقيام بهذا الدور.

ويقول مقربون من الغنوشي لـ"العربي الجديد"، إنه لا يبحث بالضرورة عن دور، ولا يحبذ أن يكون في الصورة لأي سبب، ولكنه منزعج من إضاعة الفرصة التونسية الأخيرة في المشهد الليبي، خصوصاً أن تونس الأكثر تضرراً من تداعياته، والأقدر بحكم معطيات موضوعية متوفرة على النجاح في هذا الدور.

وجاء تصريح السبسي الأخير في حواره لقنوات فرنسية في متحف باردو ليعبّر عن هذه "الرغبة التونسية المتجددة". وأشار السبسي بصراحة الى "الأوضاع المعقّدة في ليبيا، بسبب وجود حكومتين وعدة أطراف مشاركة في الصراع الدائر هناك فضلاً عن تركة الأسلحة الضخمة (للعقيد الراحل معمر) القذافي". وأضاف، أن الحكومة غير المعترف بها (يقصد حكومة عمر الحاسي) هي "التي تسيطر على الأراضي المجاورة لتونس"، معتبراً أن مشكلة ليبيا هي مشكلة تونس بحكم الجوار والعلاقات التي تربط البلدين منذ مدة طويلة.

وتؤكد بعض المصادر أن تونس تتابع "باهتمام شديد وبإيجابية" التطورات الحاصلة على الأرض في ليبيا والمتمثّلة في محاربة "فجر ليبيا" لتنظيم "الدولة الإسلامية" (داعش)، إذ تعتبر تونس أن المجموعات المتشددة القريبة من "داعش" تمثّل تهديداً مباشراً للأمن التونسي، وتعتبر نفسها مستهدفة منها. وتلفت المصادر إلى أن هذه التطورات قد تزيد من صلابة الموقف التونسي المعتدل وقد تدفع التهمة عن "فجر ليبيا" أو تُرشّد بعض الأصوات التي تضع الجميع في سلة واحدة.

كل هذه المعطيات تقود إلى استنتاج أن تونس مقبلة على القيام بدور جديد في ليبيا بدأت أرضيته تتهيأ وشروطه تنضج، ولكن يبقى السؤال: إلى أي حد يمكن أن تنجح فيه وتتجنب تأثيراته الجانبية؟

المساهمون