يتامى قوى 14 آذار: تمثيل شيعي يزداد ضعفاً

14 مارس 2015
لم تستطع 14 آذار الدفاع عن المعارضين الشيعة(حسين بيضون)
+ الخط -
يكاد النائب في البرلمان اللبناني، عقاب صقر، يختصر أحوال وشؤون المعارضين الشيعة المنضوين تحت لواء فريق 14 آذار. منذ اليوم الأول للتأسيس، اختارت هذه القوى هذه التسميات ورسّختها في اجتماعاتها، وفي نفوس أعضائها وأنصارها وجماهيرها. لم ترد قيادة هذا الفريق الخروج عن الانتماءات الطائفية والتمثيل المذهبي، فشكّلت هذه التصنيفات أساس 14 آذار.
قدّم هذا الفريق نفسه للبنانيين تجمعاً لطوائف لبنان يقود ثورة، أشبه بفسيفساء مذهبية واجتماعية تمثّل كل البلاد. نجح هذا الفريق في كسر الوصاية السورية على قرارات الدولة اللبنانية، وإنهاء الاحتلال العسكري السوري للبنان، وحرّر اللبنانيين من سطوة نظام الأمن وضباط استخباراته. كل ذلك تمّ تحت الراية اللبنانية والكثير من شعارات المحبة والسلام والتآخي بين الأديان، ولعلّ أبزر هذه الشعارات، ما رفع عن معانقة الصليب للهلال في اعتصامات ساحة الشهداء، بين مارس/آذار وأبريل/نيسان 2005.

وسرعان ما اصطدمت هذه القوى بحقيقة وجود مكوّن مذهبي يشبه "الدوغما"، خارج تحالفها ومشروعها وسياستها، متمثّل بالثنائية الشيعية حزب الله ــ حركة أمل (برئاسة رئيس المجلس النيابي نبيه بري). ظهرت قوى 14 آذار كتحالف مسيحي ــ سني ــ درزي بوجه الطائفة الشيعية، يريد استعادة زمام الأمور في الدولة وإنهاء الوصاية، وهو ما فهمه جزء من الجمهور الشيعي بأنه عزل له. حاول هذا الفريق استمالة بري إليه، لكنه فشل. ومع فقدان الأمل بإمكانية انضمام أي من الطرفين الشيعيين إلى المحور الجديد، ذهبت 14 آذار إلى الثنائية الشيعية وتحالفت معها تحت عنوان "بناء الدولة"، و"جمع مكوّنات الوطن"، و"تطمين الشيعة". فاكتمل مشهد التآخي بين الطوائف في الانتخابات التشريعية، بعد أشهر من اغتيال رفيق الحريري (فبراير/شباط 2005) و"الثورة" التي قامت، بما عُرف بـ"التحالف الرباعي"، الذي استثنى التيار الوطني الحرّ برئاسة النائب ميشال عون. حصل ذلك على حساب الجماهير التي احتلت الشوارع وهتفت باسم الحرية، وعلى حساب كل الشعارات المرفوعة بوجه السلاح غير الشرعي (سلاح حزب الله تحديداً) وإسقاط حلفاء النظام السوري.

أزمة مستقلين
بعد عشر سنوات من "الثورة" والتخبط بين السلطة والمعارضة، يقول منسق الأمانة في قوى 14 آذار، فارس سعيد، لـ"العربي الجديد" إنّ "الأزمة ليست فقط في شيعة فريقنا، بل هي أزمة كل الفريق". يضيف أنّه "تم التخلّي عن كل يتيم داخل طائفته"، وبالتالي أضحت الأزمة "أزمة المستقلّين، حيث كان يفترض بقوى 14 آذار أن تجمع كل اللبنانيين"، ليشير إلى أنّ غياب القضية وضياع المشروع وضع فريقه في هذا الطريق الصعب نحو التشتّت.
منذ لحظة "التحالف الرباعي"، تبيّن أنّ في هذه الثورة أبناء وأيتاماً ستتركهم قياداتهم يواجهون مصيرهم بعد الانتصار. هؤلاء هم ناشطون مستقلّون خارجون عن الطوائف وأحزابها، أو من الناشطين الشيعة الرافضين لثنائية حزب الله ــ حركة أمل، أو ربما الاثنين معاً، أي من الناشطين الشيعة (في سجلات دوائر نفوس القيد فقط)، لكن يبحثون عن بناء وطن خارج الطوائف والحسابات المذهبية. لم تحسن قوى 14 آذار التعبير عن نفسها خارج إطار اجتماع قوى طائفية، أي أنها عجزت، كتحالف قوى يقدم نفسه إصلاحياً وتغييرياً، عن هدم الطائفية التي ينصّ عليها الدستور والمضي في النصوص الدستورية التي تدعو إلى إلغاء الطائفية السياسية.

اقرأ أيضاً: لبنان: قوى 14 آذار تطلق مجلسها الوطني "لتجاوز الإخفاقات"

نواب 14 آذار الشيعة
غادر عقاب صقر بيروت عام 2011 ولم يعد إليها بحجة التهديد الأمني، وهو أحد صقور كتلة المستقبل النيابية برئاسة زعيم المستقبل سعد الحريري. يحكي عدد من القياديين في 14 آذار، أنّ صقر أدار دفة دعم المعارضة السورية من تركيا، وانكفأ دوره بعد أشهر بعد أن كان مسؤولاً عن تمويل وتحريك فصائل من الجيش السوري الحرّ (قال في وقت لاحق إنه كان يعمل على الدعم اللوجستي لأبناء الجيش السوري ومدّهم بالغذاء). منذ أكثر من عامين، اختفى صقر عن السمع. لم يعد له أي وجود على الحدود التركية ــ السورية، ولم يعد إلى بيروت. اختار النائب لنفسه عزلة أوروبية بين بروكسل وباريس، تاركاً وراءه الخيبات السياسية الفردية والجماعية في تيار المستقبل و14 آذار.

وفق المنطق نفسه، تتعامل قوى 14 آذار مع النائب أمين وهبة بصفته مقعداً شيعياً، ولو أنّ الأخير خارج عن هذه اللغة المذهبية وتشعبّاتها، وآتٍ من مدرسة يسارية في الحزب الشيوعي اللبناني، وحركة اليسار الديمقراطي من بعده. أما النائب عن المقعد الشيعي في بيروت، غازي يوسف، فلم يكن في الأساس وجهاً لهذا المذهب أو مؤثراً بين أبنائه. هو رجل اقتصادي ونخبوي، أو تكنوقراط، لم يخض معارك سياسية بل انتسب بوقت باكر إلى فريق الحريري الأب في تسعينيات القرن الماضي. وبالتالي ليس عنصر مواجهة ولا ضغط على الثنائية الشيعية. ومن خلال تقديم النواب الثلاثة المصنّفين شيعة من قبل النظام اللبناني وقوى 14 آذار، يجب القول إنّ هذه القوى لم تستطع أن تخرق النسيج الشيعي، أو ربما لم ترد ذلك. حتى إنّها فرّطت بحالة النائب صقر، الوحيد من بين هؤلاء الخارج من بيئة حزب الله وحركة أمل ومجتمعهما.

غياب الحيثية
يوم أراد المستقبل وحلفاؤه دخول البيت الشيعي، فعلوا ذلك من باب الوزير السابق محمد عبد الحميد بيضون، أحد المعاونين السابقين "التائبين" لنبيه بري. قبل أربع سنوات بات بيضون أحد الوجوه الشيعية في 14 آذار، فوقع الخيار عليه بصفته قادراً على المواجهة ولو أنه لا يملك تأييد حتى عائلته وأقاربه. فانضمّ بيضون إلى لائحة المعارضين الشيعة، وهي لائحة نخبوية لا تمثّل ولا تحاور الناس وأهل الطائفة. تماماً كما هي حال النائب السابق، باسم السبع، مستشار الحريري الذي ترك النيابة والجمهور في بعبدا (شرق بيروت) قبل أعوام وبات مقيماً في باريس.
وفي حين كانت قوى 14 آذار مجتمعة، تتخلى عن خطاباتها وأفكارها ومشروعها في كل مرة تسير في تسويات سياسية مع حزب الله وقوى 8 آذار (في تشكيل الحكومات، في اتفاق الدوحة وفي المحاصصة داخل السلطة)، كانت في الوقت عينه تتخلى عن الشيعة المعارضين. تعرّض هؤلاء لهجوم أول، حلّل دماءهم عام 2012، بوصفهم عملاء للولايات المتحدة وأجهزة الغرب، بعد تسريب وثائق "ويكيليكس" إلى حد أطلق عليهم الإعلام المحسوب على حزب الله بـ"شيعة السفارة الأميركية". طال هذا الاتهام كلاً من السيد علي الأمين والوزيرين السابقين بيضون وابراهيم شمس الدين، وغيرهم من الناشطين في الشأن السياسي أبرزهم رئيس حزب الانتماء اللبناني أحمد الأسعد. تكاد لا تكون ردة فعل فريق 14 آذار تذكر، باستثناء بيانات الرفض والشجب. رغم أن هذه الوثائق تُشير إلى أن ما قاله نواب ووزراء من فريق بري بحق حزب الله، وخصوصاً خلال حرب تموز، يُعتبر أكثر "تآمراً" أو "عمالة" مما قاله معارضو حزب الله.

قتل معارضين
تحوّل هذا الهجوم إلى اعتداء وحشي على متظاهرين من حزب الانتماء، أمام السفارة الإيرانية في بيروت، في يونيو/حزيران 2013، أدى إلى قتل هاشم السلمان أحد الناشطين المقرّبين من الأسعد. يومها اعتدى مسلحون، قيل إنهم من حرس السفارة ومن حزب الله، على المتظاهرين بالسلاح الحربي والأبيض وفضّوا التظاهرة، في ظل وجود الجيش اللبناني. اقتصر رد قوى 14 آذار على بيانات الاستنكار، ولم تجرؤ على الدعوة إلى اعتصام للتنديد بالتدخل العسكري لإيران وحزب الله في سورية، أو ضد قتل السلمان. على الرغم من الحيثية المفترضة لأحمد الأسعد مالياً وسياسياً وتاريخياً (نجل رئيس مجلس النواب السابق كامل الأسعد)، لم تحتضنه قوى 14 آذار بشكل كامل، ولو أنّه أيضاً غير قادر على الحراك أو محاكاة جمهور طائفته. وفي هذا الإطار، يقول قياديون في هذا الفريق أيضاً، إنّ "الاسعد تخطى قيادة 14 آذار ونسج لنفسه علاقات مباشرة مع الخارج، في السعودية والولايات المتحدة".

في الوقت نفسه، عجزت هذه القوى أيضاً عن توريط كل من "السيّدين" هاني فحص، الذي توفي أخيراً، ومحمد حسن الأمين في هذا المشروع السياسي. "السيّدان" آتيان من قلب الجنوب، الخزان البشري والاجتماعي والسياسي لحزب الله وحركة أمل. وهما عالما دين لهما الحيثية اللازمة ومواقفهما إلى جانب الشعب السوري، ورفض هيمنة سلاح حزب الله على الداخل اللبناني أقوى وأشجع من كل البيانات التي تصدرها هذه القوى مجتمعة. لكن حتى لو نجحت 14 آذار في استمالة فحص والأمين، لم تكن قادرة على تجميع أهل المجتمع الشيعي حولها.
بعد كل تلك السنوات، وصلت قيادة هذا الفريق إلى قناعة تقول إنّ المجتمع الشيعي صندوق فولاذي يمسكه ثنائي حزب الله وحركة أمل. فتركوا الصندوق بين تلك الأيدي الحديدية لتقضي على معارضيها. في حين أنّ في تلك الطائفة ناشطين فعليين قادرين على العمل في بيئتهم، من منطلقات مختلفة، لم تعرهم القيادة اهتماماً، إما لأنها تصنفهم "مراهقين سياسيين" أو خوفاً من المساس بالثنائية التي سبق ان التهمت الأرض وأهلها في مايو/أيار 2008، يوم اجتاح حزب الله بيروت ومناطق لبنانية أخرى.

اقرأ أيضاً: طرابلس اللبنانية: مدينة تذوي

المساهمون