الحُكم على علاء عبد الفتاح: الانتقام من رموز الثورة

24 فبراير 2015
الحكم الجديد قضى بسجن علاء عبد الفتاح 5 سنوات(فيسبوك)
+ الخط -
"الأمل كاليأس خيانة، ولكنه كاليأس أيضاً ضعف إنساني طبيعي. هنا في زنزانتي أصارع أحلامي وكوابيسي، ولا أعلم أيُّها أكثر وجعاً! يتنازعني اليأس والأمل معاً، ولكنني أبداً لا أخون". كانت تلك هي كلمات من آخر رسالة منشورة للناشط السياسي المعتقل علاء عبد الفتاح، متحدثاً فيها عن خيارين كلاهما مرّ، قبل أن تقضي محكمة جنايات القاهرة المصرية أمس الإثنين، بسجنه 5 سنوات مع الشغل والنفاذ في القضية المعروفة إعلامياً بأحداث مجلس الشورى بعد أن كانت محكمة أول درجة أصدرت حكماً بمعاقبة المتهمين في القضية بالسجن المشدد لمدة 15 عاماً، وتغريم كل منهم مبلغ مائة ألف جنيه، ووضعهم تحت المراقبة الشرطية لمدة خمس سنوات من تاريخ صدور الحكم، إثر إدانتهم في القضية.

اقرأ أيضاً: مصر: السجن 5 سنوات لعلاء عبدالفتاح وآخرين بأحداث "الشورى"

لا يبدو حديث عبد الفتاح عن أوجاع الأمل واليأس غير قابل للفهم والتصديق، وهو الذي خرج في جلسة محاكمته قبل أسابيع، بطلّة بائسة جمعت كلَّ مآسي وآلام وتخبط شباب ثورة 25 يناير/كانون الثاني المتعثرة. خرج الناشط المصري بلحية مهملة، ونظرات شاردة غير مكترثة بما يدور حولها، وعينين غائرتين تحيط بهما هالات سوداء، فما عادت صورته وحده، بل هي صورة لآلاف الشباب خلف السجون وخارجها، ممن حلموا بثورة لم تكتمل إلا في مخيلاتهم.

ويبدو أن عبد الفتاح كُتب عليه أن يبقى أيقونة لقضايا بعينها، وينتصر فيها على سجّانه. فمن يطالع أرشيف الثورة المصرية وإرهاصاتها التي تشكلت قبل اندلاعها بأعوام، سيجد أن الناشط المصري كان رمزاً لقضية المحاكمات العسكرية للمدنيين عام 2011، التي خرج منها ليمثُل أمام المحكمة مرة أخرى في قضية التظاهر أمام مجلس الشورى في نوفمبر/تشرين الثاني 2013، التي تعدّ أول وقفة احتجاجية خرجت لرفض وإلغاء قانون التظاهر، وتم تطبيق القانون عليها. كما سُجن علاء عام 2006 في فترة حكم الرئيس المصري المخلوع حسني مبارك، على خلفية تضامنه مع اعتصام قضاة "تيار الاستقلال في مصر".

ويحاكم في القضية المعروفة إعلامياً بـ "قضية مجلس الشورى"، 21 ناشطاً سياسياً، من ضمنهم عبد الفتاح، بعد أن اتهمتهم النيابة المصرية بـ "الاعتداء على المقدم عماد طاحون، مفتش مباحث غرب القاهرة، وسرقة جهاز اللاسلكي الخاص به، والتعدي عليه بالضرب، فضلاً عن تنظيم تظاهرة من دون ترخيص، وإثارة الشغب والتعدي على أفراد الشرطة وقطع الطريق والتجمهر وإتلاف الممتلكات العامة، وممارسة البلطجة والترويع".

وينحدر عبد الفتاح، المدوّن ومبرمج الحاسوب، من أسرة حقوقية. فوالده أحمد سيف الإسلام، الذي رحل أواخر أغسطس/آب من العام الماضي، هو مؤسس "مركز هشام مبارك للقانون". ووالدته ليلى سويف، هي العضو المؤسس في "حركة 9 مارس لاستقلال الجامعات" وأستاذ الرياضيات. أما خالته فليست سوى الكاتبة الصحافية أهداف سويف، وأخته مؤسسة مجموعة "لا للمحاكمات العسكرية" منى سيف، وأخته الصغرى الناشطة سناء سيف، مسجونة حتى الآن على خلفية القضية المعروفة إعلامياً بـ "متظاهري الاتحادية" التي نظمها عدد من الشباب والقوى السياسية في مايو/أيار الماضي، للمطالبة بالإفراج عن عبد الفتاح وزملائه المحبوسين على خلفية قضية مجلس الشورى، وللمطالبة بإسقاط قانون التظاهر الذي حُبسوا جميعاً من جرائه.

رحل الوالد وترك نجله ينازع في زنازين السجون وأقفاص المحاكم الحديدية، بحثاً عن حريته وحرية جيله، فقد كتب علاء في 10 سبتمبر/أيلول من العام الماضي، خطاباً كان يود أن يقرأه خلال جلسة المحاكمة، إلا أن القاضي منعه، قال فيه "هذه أول مرة أمثُل للمحاكمة من دون أن يدافع عني والدي، ولعلها أصعب ظروف واجهتها، لكنني أضع ثقتي كاملة في زملائه ورفاقه وتلامذته الحاضرين عنّا اليوم، وأترك لهم حرية القرار في كيفية التعامل مع تبعات طلبي، فقط ألتمس من سيادتكم إذا قررتم النظر بعين العطف لطلب إخلاء سبيلي أن يمتد عطفكم لباقي زملائي، وإذا أغضبكم طلب التنحي أن تقتصر تبعات الغضب عليّ وحدي فأنا لم أشاور أحداً في قراري بالحديث إليكم".

مات أحمد سيف الإسلام، فيما كان علاء وسناء في السجن، ولم تسمح قوات الأمن المصرية إلا بالإفراج المؤقت عنهما، لزيارة والدهما بعد أن دخل في غيبوبة وفقد الوعي في مستشفى قصر العيني الفرنسي قبل وفاته بأيام، ثم أفرجت عنهما مؤقتاً مرّة أخرى في جنازته، ونقلتهما مباشرة إلى المدافن. وكان الإفراج الثالث لهما في عزاء الفقيد الذي أقيم بمسجد عمر مكرم بميدان التحرير، والذي غادراه وهما يهتفان "يسقط حكم العسكر".

انضم علاء إلى معركة الأمعاء الخاوية بعد موت والده، واستمر في إضرابه الكلي عن الطعام مائة يوم، ثم خففه إلى إضراب جزئي عن الطعام. وهو ما أشارت إليه والدته في تصريحات صحافية، على هامش مؤتمر لأهالي المعتقلين السياسيين، قبل نحو أسبوعين، بقولها إن عبد الفتاح مستمر في إضرابه الجزئي عن الطعام، وأنه خفف إضرابه الكلي بتناول العصائر المحلاة فقط.

تزوج عبد الفتاح من المدونة والناشطة منال حسن، ابنة مؤسس "مركز القاهرة لحقوق الإنسان" بهي الدين حسن، وله ابن اسمه خالد، تيمناً بخالد سعيد. أما عن لقب عبد الفتاح "التنين البمبي"، فقد أطلقته عليه الخبيرة في لغة الجسد شادية متولي، لكونه "شديد التواضع والإحساس بالغير، اجتماعي جداً ولكنْ خجول"، على حد وصفها.

اقرأ أيضاً: صورة علاء: "إنت أقوى يا تنين يا بمبي"

دلالات