الرصاص المطاطي: سلاح الاحتلال القاتل في مواجهة الفلسطينيين

17 فبراير 2015
يستخدم الاحتلال نوعين من الرصاص المطاطي(عباس موماني/فرانس برس)
+ الخط -

خرج صالح سامر محمود (12 عاماً) من منزله في قرية العيسوية شرق القدس المحتلة إلى محل الخضروات القريب ليجلب لأمه ما طلبته لتحضير وجبة الغذاء، لتتغير حياة صالح وعائلته منذ ذلك الحين. في الثالث عشر من نوفمبر/تشرين الثاني 2014، وبينما كانت تجري مواجهات مع شرطة الاحتلال على مدخل العيسوية، أصابت رصاصة مطاطية صالح في طرف عينه اليسرى، فكسرت عظمة أنفه واخترقت عينه اليمنى لتفقده إياها تماماً. محاولة الاتصال المتكررة بوالد سامر كان يقابلها دائماً بالاعتذار عن الحديث لانشغاله مع طفله المصاب وعلاجاته الكثيرة.

قبل أيام قليلة، وبعد غياب ثلاثة أشهر، عاد صالح إلى المدرسة وإلى أصدقائه في الصّف السّادس. "كان صالح متفوقاً ونشيطاً في المدرسة، ويحب المشاركة في كلّ الفعاليات"، تقول أم صالح لـ "العربي الجديد"، أما اليوم فهو لا يخرج من البيت إلا عندما تأتي المعلمة لاصطحابه، لتقوم بمرافقته طوال الدوام الدراسي. فقد صالح عينه اليمنى تماماً، وزرعت له مكانها عين اصطناعية، كما وضعت له مكان عظمة الأنف قطعة بلاتين.

"برنامجه الأسبوعي مشغول جداً، يذهب للعلاج النفسي، ويذهب لجلسات التجميل لوجهه، ويذهب لإجراء فحوصات لعينه اليسرى التي تضررت فيها الرؤية بشكل كبير"، تقول أم صالح. وبينما ينشغل طفلها في نهاره في المدرسة وفي زيارة الأطباء، تشغله في الليل الكوابيس. تقول أمّه إنه كثيراً ما يحلم بجندي إسرائيلي يعتقله أو يؤذيه، ويصحو فزعاً من نومه يردد عبارات مثل: "أنا لا أرى، شطبوا لي عيني".

عام 2014: إصابات عديدة

ليس صالح وحده من غيّرت رصاصة "مطاطية" مجرى حياته. وفقاً لتقديرات محلية، سجلت في القدس المحتلة في النصف الثاني من العام الماضي ما يقارب 25 إصابة بالغة بالرصاص المطاطي، 4 منها على الأقل في منطقة العين، بينما قتلت إحداها الشهيد الطفل محمد سنقرط (16 عاماً) بعدما أصابته في الرأس. وكانت أولى هذه الإصابات البالغة قد نالت من العين السليمة المتبقية للشاب تيسير صندوقة (31 عاماً)، أثناء مشاركته في جنازة الطفل محمد أبو خضير في يوليو/تموز الماضي.

أحمد الشرباتي (14 عاماً) أصيب كذلك برصاصة مطاطية بالقرب من عينه بينما كان برفقة والده في المسجد الأقصى في ليلة السابع والعشرين من رمضان الفائت. أصيب أحمد برصاصة مطاطية بالقرب من حاجبه، فتعرض لنزيف في دماغه ونزيف آخر داخل العين. يروى والده أن ابنه بقي ثلاثة أيام في غرفة الإنعاش حتى زال الخطر عنه.

تأثرت الرؤية في عينه المصابة ولكنها تتحسن شيئاً فشيئاً. ويحتاج أحمد إلى عمليات تجميل عدة من أجل التخفيف من أثر الرصاصة المطاطية. "أثرت هذه الإصابة على نفسية أحمد بشكل كبير، أصبح يتأثر بدرجة أكبر بما يحصل من أحداث سياسية في القدس، وأصبح سريع العصبية"، عدا عن ذلك، تأثر تحصيله الأكاديمي بشكل كبير، فبعد أن كان من الأوائل في مدرسته، تدنى معدله السنوي في ظلّ وضعه الصحي الحساس.

وكان أصغر المصابين بالرصاص المطاطي خلال العام الماضي في القدس الطفل محمد جمال عبيد (7 سنوات)، الذي أصيب في عينه بعد مغادرته حافلة الروضة التي أوصلته لباب بيته في العيسوية. تقول أم محمد إن الشبكية في عينه تضررت بشكل كبير، وإنه يرى بشكل جزئي اليوم. وتختم حديثها لـ "العربي الجديد" بالقول "كان ابني مثل الوردة، أما الآن فهو يخاف من الخروج من البيت ودائماً يريد من يرافقه".

ما هو الرصاص المطاطي؟

تستخدم قوات الاحتلال ما يُسمى بالرصاص المطاطي منذ ثمانينيات القرن الماضي. وبحسب تقارير فقد قتل هذا الرصاص خلال الانتفاضة الفلسطينية الأولى على الأقل 58 فلسطينياً، استشهدوا في الفترة ما بين يناير/كانون الثاني 1988 وحتى نوفمبر/تشرين الثاني من العام 1998، منهم 28 طفلاً. وتشير التقارير نفسها إلى أن هذا السلاح قتل ما بين عام 2000 وحتى عام 2012 على الأقل 18 فلسطينياً منهم 12 طفلاً.

والرصاص المطاطي هو رصاص من فولاذ أو معدن قطره 40 ميليمتراً، مغلف بطبقة رقيقة من المطاط. ويُستخدم اليوم في مدينة القدس المحتلة نوعان من هذا الرصاص؛ الأسود والأزرق.

وقد بدأ استخدام الرصاص المطاطي الأسود مع بداية المواجهات التي شهدتها المدينة منذ يوليو/تموز 2014، وهو أكثر وزناً وأخطر إصابةً من الرصاص المطاطي الأزرق، فيما يبدو ذلك إحدى الإجراءات التنكيلية التي فرضتها سلطات الاحتلال على القدس بعد استشهاد الطفل أبو خضير.

وتروّج شرطة الاحتلال الرصاص المطاطي بنوعيه الأسود والأزرق تحت عنوان "الأسلحة لتفريق التظاهرات". وبحسب تعريفها لهذه الأسلحة فإنها "أسلحة تهدف إلى فرض النظام وتفريق التظاهرات، من دون التسبب بأذى لحياة البشر". إلا أن الإصابات الكثيرة التي سجلت العام الماضي في القدس، تشير إلى أن وصف "المطاطي" لا يعكس حجم ما يتركه هذا الرصاص من إصابات بالغة.

في المقابل، تُحذّر تقارير حقوقية متكررة إلى أن ما يدرج تحت هذا التعريف من الأسلحة هي في الحقيقة أسلحة قاتلة. وتتهم منظمات حقوقية إسرائيلية جيش وشرطة الاحتلال عادةً بأن التعليمات التي يعطونها للجنود وأفراد الشرطة بخصوص استخدام هذا النوع من الأسلحة غير واضحة وغير ملائمة، عدا عن أنها تخترق بشكل ممنهج وواسع.

وكانت جمعية حقوقية إسرائيلية باسم "جمعية حقوق المواطن في إسرائيل" قد طالبت بداية الشّهر الجاري المستشار القضائي لحكومة الاحتلال بفتح تحقيق في استخدام الرصاص المطاطي الأسود خلال المواجهات التي شهدتها مدينة القدس في النصف الثاني من عام 2014. وتقول الجمعية إن دليل الاستخدام المرافق للرصاص المطاطي الأسود الجديد ساري المفعول منذ الأول من يناير/كانون الثاني 2015 فقط، مما يعني أن جنود الاحتلال كانوا يستخدمونه طيلة الفترة السابقة من دون وجود أي تعليمات أو معايير تحذيرية مرفقة.

وبحسب دليل الاستخدام المرفق مع هذا السلاح، وتحت بند "قواعد الأمان"، كتب أنه يجب على الجنود التعامل مع هذا السّلاح وكأنه رصاص حيّ، ويبدو ذلك كأنه اعتراف ضمني بخطورة هذا السّلاح وأنه يسبب القتل في ظروف معينة، بينما تروج له سلطات الاحتلال وكأنه "سلاح خفيف" مصمم فقط لتفريق التجمهرات.

وفي بند كتب بالخط العريض، يذكر دليل الاستخدام أن على الجندي توجيه هذا النوع من الرصاص إلى الجزء السفلي من جسم الانسان فقط، وأن الهدف منه هو "إصابة المتظاهر إصابة غير حادة، تؤدي إلى إعاقة حركته مؤقتاً لتسهيل اعتقاله"، مع الإشارة إلى "القوانين والتعليمات" في دولة الاحتلال ليست هي القول الفصل، وأن ما يحدث على أرض الواقع هو الدّال والمهم. فأغلب المصابين بالرصاص المطاطي في مدينة القدس أصيبوا في القسم العلوي من أجسادهم، وبالأخص في منطقة الوجه، وأن الهدف كان إصابتهم وليس السيطرة عليهم لاعتقالهم لاحقاً، كما يدّعي دليل الاستخدام.

وبغض النظر عن المطالبات الحقوقية التي تصدرها جمعيات إسرائيلية، فإن المنطق الإسرائيلي يحكمه الأمن لمستوطنيه. يبدو ذلك واضحاً من ردّ أحد أفراد شرطة الاحتلال على والد الطفلة آلاء حمدان (15 عاماً) والتي أصيبت برصاصة مطاطية في وجهها بالقرب من منطقة العين. قال والد "آلاء" لـ "العربي الجديد": "ذهبت لمركز شرطة الاحتلال لتقديم شكوى بخصوص إصابة ابنتي فردّ علي الشرطي: طالما استمرت المواجهات في العيسوية، فهذا ما سيحصل لكم".

المساهمون