حزب الله يخوض معركة انهاء الجيش الحر بريف درعا

14 فبراير 2015
الهجوم يرتكز على ضرب الجيش الحرّ في الجنوب السوري(الأناضول)
+ الخط -


يخوض حزب الله واحدةً من أهم معاركه في سورية. يسانده عسكرياً مقاتلون إيرانيون وأفغان، فضلاً عن عناصر سورية، وإعلامياً وسياسياً الجيش السوري. أهميّة هذه المعركة، التي دفع فيها حزب الله أعداداً كبيرة من مقاتليه، أنه يخوضها ضد آخر معاقل الجيش الحرّ في سورية. ومن المفارقات أن هذه المعركة تُخاض في درعا، من حيث انطلقت الثورة.

بدأ حزب الله هذه المعارك في السابع من فبراير/ شباط، لتلاقيه وسائل الإعلام القريبة منه مباشرةً، حيث وضعت المعركة في سياق الحرب ضد "جيش لحد السوري"، ومنع "الشريط الأمني الإسرائيلي"، إضافةً إلى ضرب "التكفيريين". ويُريد حزب الله تحقيق مكاسب إعلامية كبيرة من هذه المعركة. لكن بعض التدقيق في الوقائع، يُشير إلى أن الهجوم يرتكز على ضرب الجيش الحرّ في منطقة الجنوب السوري. وبالتالي، فإن الهدف الرئيسي للمعركة، هو القضاء على آخر معاقل الثورة السورية عبر إنهاء الجيش الحر لتبقى فيها عناصر المجموعات المتشددة، على غرار "داعش" والنصرة، وهو ما يلائم النظام السوري وحزب الله وما يحاولان الترويج له حول طبيعة قوات المعارضة التي يدعي النظام السوري والحلفاء الذين يقاتلون إلى جانبه أنه يقاتها.

المتابع لوضع الجنوب السوري، يُدرك أن الجبهة الجنوبية قدّمت نماذج مختلفة عمّا يُريد النظام السوري إشاعته عن الثورة السورية. فهي رفضت الاشتباك السني ـ الدرزي. وقد أعلنت هذه الجبهة في البيان رقم 2 الصادر عنها أن من أهدافها "حسم معركة السوريين ضد نظام الطغيان، ووضع حدّ للحرب التي دمرت بنانا التحتية ونسيجنا الاجتماعي بأسرع ما يمكن وبأكثر الطرق إنسانية، وتحرير جميع مكوّنات شعبنا السوري من سلطة الطغيان، بغض النظر عن الجنس أو العرق أو الدين". وهو الخطاب الذي يستعيد الهوية الوطنية للثورة السورية، وهو الأمر الذي لا يُريده النظام وداعموه من دول وميليشيات.
لذلك، يسعى حزب الله إلى ضرب هذا العمل، بحيث يُصبح الوضع السوري منقسماً بين نظام موحّد، وفصائل ومجموعات غير منظمة ولا تملك مشروعاً سياسياً، أو بعبارة أخرى، الفوضى. وليس تفصيلاً أن جبهة النصرة ليست مشاركة بشكل جدي في هذه المعارك. وقد أرسلت الجبهة، بعد يومين من بدء الاشتباكات، عشرة إلى عشرين مقاتلاً إلى كل محور فقط. وبالتالي، فإن الهدف الأول لهذه المعركة، القضاء على آخر معاقل الثورة السورية. إذ توجد في الجبهة الجنوبية مجموعات عسكرية لا تزال تملك بعداً وطنياً، وترفع شعار إسقاط النظام كأولوية، والقضاء عليها يساهم بحصر خيارات الشعب السوري بالتنظيمات الإسلاميّة المتشددة، بحيث تُصبح المعركة "حرباً ضد الإرهاب"، كما يريد النظام وداعموه، وخصوصاً أن "الحرب على الإرهاب" لا يُمكن أن تربح بدون إيران كما لمّح الرئيس الإيراني حسن روحاني.

من هنا، تقول مصادر المجموعات المقاتلة في الجبهة الجنوبية، لـ"العربي الجديد"، إنها قوات مقاومة شعبية، وأن المعركة، هي تحرير شعب وإسقاط نظام مستبد ومحاربة احتلال أجنبي، وهي حرب تستند إلى تكتيكات حرب العصابات، وليس حروب الجيوش. وهذا التفصيل هو الذي يسمح بفهم حقيقة الأوضاع العسكرية الميدانيّة.

ويُدرك القيّمون على إدارة المعركة العسكرية في الجبهة الجنوبيّة، أن هذه المعركة طويلة وليست معركة أيّام. كما أن حزب الله والنظام يُحضّران لها منذ نحو شهرين. لكن هذه القيادة، لم تذهب باتجاه إقامة تحصينات للدفاع عمّا تملكه من أراضٍ، بل فضّلت خوض حرب العصابات، والانسحاب من المناطق التي يُصبح الدفاع عنها مكلفاً أكثر من البقاء فيها. ولا يبدو أن هناك رغبة في خوض حرب تهدف للكسب الإعلامي.
بدأت المعارك في السابع من فبراير/ شباط، عبر هجوم شنه حزب الله يُسانده مقاتلون إيرانيون وأفغان وعراقيون وبعض السوريين. وبلغ عديد القوى المهاجمة نحو 4000 مقاتل، يُواجههم مئات المقاتلين في صفوف المعارضة. والأرقام التي تم الترويج لها بأن عديد مقاتلي المعارضة السورية يصل إلى 30 ألفاً أو أكثر، هي مبالغات إعلامية، المقصود منها تحقيق انتصارات وهميّة.

ويهدف حزب الله للسيطرة على مثلث يبلغ مداه سبعة كيلومترات، ويقع بين درعا والقنيطرة وريف دمشق من دير العدس إلى الهبارية. وقد تركزت المعارك في الأيام الماضية، في دير العدس الدناجي، تل فاطمة، تل مرعي، تل ماكر.
الطبيعة الجغرافية لهذه المناطق تراوح بين الطبيعة السهليّة والتلال، وخلف هذا المثلث توجد مناطق خالية وجرداء، وبالتالي فإن الكلفة البشرية للدفاع عنها غالية، ثم تصبح المنطقة وعرة أكثر.

اعتمد حزب الله في الهجوم على تكتيك عسكري سبق واستخدمه في سورية، وهو أقرب إلى تكتيك حرب العصابات. وبحسب مصادر المجموعات المقاتلة في الجبهة الجنوبية، فقد أرسل حزب الله مجموعات استطلاع يراوح عديدها بين 20 و30 مقاتلاً، وتمضي هذه المجموعات الليل في استطلاع، يليه هجوم مباشر. وقد تعرّضت بعض هذه المجموعات لضربات قاسية جداً ولخسائر كبيرة في العديد والعتاد. وقبل أن تهاجم هذه المجموعات، تبدأ مجموعات الإسناد الناري بالقصف العنيف لمختلف المناطق المحيطة بالهدف المنوي مهاجمته من أجل تشتيت جهد القوى المدافعة وإرباكها وتوزيع قواتها. وبعد بدء الهجوم، تبدأ قوات الدعم بالوصول. واللافت أن القوى المهاجمة لم تبذل جهداً كبيراً للبقاء في النقاط التي سيطرت عليها.
في المقابل، استخدم مقاتلو الجبهة الجنوبية تكتيك القتال التراجعي، وهو ما سمح بعدم وقوع إصابات كبيرة في صفوف المدافعين. فالضربة الأولى التي قام بها حزب الله، وهي الضربة التي حملت عنصر المفاجأة، لم تخسر المعارضة فيها أكثر من عشرة مقاتلين. وبعد تلك الضربة لم تتعرض قوات المعارضة لخسائر كبيرة، بعكس القوات المهاجمة، التي خسرت بشرياً وفي العتاد، وخصوصاً أن قوات المعارضة استخدمت الأسلحة المضادة للدروع بفاعليّة.
ففي دير العدس، مثلاً، سيطر حزب الله على خط الدفاع الأول بعد الضربة الأولى، وهو ما دفع مقاتلي المعارضة إلى الانسحاب، ثم هاجموا مجدداً، ليسيطروا على البلدة ويكبدوا "القوى المحتلة" خسائر كبيرة ثم ينسحبوا. وقد تكرر الأمر في الهجوم الذي شنّه مقاتلو المعارضة على بلدة اللواء رستم غزالة، قرفة، والتي تتبع عملياً للشيخ مسكين، وسيطرتهم على المنزل الذي اجتمع فيه غزالة مع الضباط لرفع معنوياتهم، ثم الانسحاب من المنطقة.
توقف الهجوم، أو خفتت حدته في الأيام الماضية بسبب الظروف المناخية. ويُتوقع أن يبدأ حزب الله والمقاتلين الإيرانيين ومَن يُعاونهم هجومهم اليوم، الأحد، من جديد. ويُفترض أن يعود سلاح الجو إلى المعركة بعد أن انسحب منها بسبب الظروف المناخية، وقد شارك في اليوم الأول فقط.
تؤكّد مصادر المجموعات المقاتلة في الجبهة الجنوبية، أن المعركة قاسية وليست مأساوية، وهي ستكون قاسية على الطرفين وطويلة الأمد. وسيسعى فيها مقاتلو الجبهة الجنوبية لتكبيد "القوات المحتلة" وقوات النظام أكبر خسائر ممكنة.
وفي إطار الدعاية التي شنها إعلام حزب الله، فقد أشار إلى أن أجهزة استخبارات غربية وعربية هي التي تُدير العمليات العسكرية مباشرة. لكن المصادر تؤكّد أن قيادة العمليات العسكرية الموجودة في الأردن والمعروفة بـ "MOC"، تقوم بعملها بشكلٍ معتاد. وهي تؤمّن الدعم العسكري في حال توافر.
وتضم مجموعات المعارضة المقاتلة في الجبهة الجنوبية الجيش الأول (مؤلف من ثلاثة فصائل)، ألوية سيف الشام، ألوية الفرقان، ثم انضمت مجموعات أخرى في اليومين الأخيرة للدعم من أبرزها جيش اليرموك، فرقة المغاوير الأولى، فرقة فلوجة حوران، جبهة ثوار سورية، ألوية المهاجرين والأنصار والاعتصام بالله وأحرار الجنوب والمعتصم بالله وأحفاد الرسول.