الزلزال الكبير لـ"نداء تونس": الخلفيات والألغاز

04 نوفمبر 2015
اتهامات للسبسي بمحاولة توريث ابنه في الحزب(فتحي بلعيد/فرانس برس)
+ الخط -

تبدو الأيام القليلة المقبلة حاسمة في تحديد مستقبل حزب "نداء تونس"، الحزب صاحب الأغلبية النيابية في تونس والذي يقود الحكومة، على الرغم من عدم عقده لمؤتمره الأول حتى الآن. ولئن كانت كل الدلالات تشير إلى أن الانقسام حاصل لا محالة، حتى وإن تم كتم الأزمة في الظاهر وتأجيلها إلى ما بعد شهرين، موعد المؤتمر الموعود، فإن تطورات أمس الأربعاء، جعلت كل الأنظار تتركز على ما يحدث في الحزب بعد ان أعلن 30 نائباً تعليق عضويتهم في الحزب، مهددين بالاستقالة وتكوين كتلة نيابية جديدة، في موعد لن يتجاوز 10 نوفمبر/تشرين الثاني الحالي إذا لم يتم عقد المكتب التنفيذي الذي يعتبرونه المؤسسة الشرعية الوحيدة لتحديد موعد المؤتمر وتفاصيله. ويبدو أن أزمة "نداء تونس" التي انطلقت منذ أشهر، وعرفت مراحل متعددة، اتخذت شكلاً جديداً ومغايراً لما كانت عليه في السابق، منذ أحداث يوم الأحد الماضي في منطقة الحمامات، حين تشابك أنصار الشقين المتصارعين (الأمين العام للحزب محسن مرزوق، والرئيس المساعد، نجل رئيس الجمهورية حافظ قائد السبسي)، وأدى ذلك إلى اعمال عنف وتهشيم مدخل الفندق الذي كان يُفترض أن يحتضن الاجتماع.

اللافت في جديد الأزمة، هو أنها تحوّلت من صراع بين حافظ قائد السبسي ومحسن مرزوق إلى مهاجمة رئيس الجمهورية الباجي قائد السبسي، ومؤسسة الرئاسة برمتها. إذ تحوّلت سهام الاتهامات إلى الباجي قائد السبسي بمحاولة توريث ابنه في الحزب، وإلى مدير ديوانه رضا بلحاج بإدارة المعركة من القصر الرئاسي. وطالب عدد من النواب السبسي بعدم التدخل في شؤون الكتلة النيابية والحزب، وعدم إقحام الرئاسة في مسائل حزبية، كما ينص الدستور على ذلك. وتتالت هذه الاتهامات من هؤلاء النواب بشكل يكاد يكون يومياً منذ يوم الأحد الماضي، ما جعل أنصار الشق المناصر للسبسي يَرَوْن فيها استهدافاً مقصوداً للرئاسة والرئيس، ربما يخفي أجندات غامضة في هذا التوقيت الحساس الذي تمر به البلاد. ووصل الأمر بالنائب عبد العزيز القطي، الموالي للسبسي، إلى حد اتهام مرزوق "بالتكشير عن أنيابه منذ عودته من الولايات المتحدة الاميركية"، في زيارة استمرت لأربعة أيام أواخر شهر أكتوبر/تشرين الأول الماضي.

وتؤكد تقارير إعلامية أن مرزوق، التقى خلال زيارته الأميركية بكبار المسؤولين في وزارة الخارجية الأميركية وبمجلس الأمن القومي الأميركي ومسؤولين عن العلاقات الخارجية في الكونغرس، على غرار المدير السابق لوكالة الاستخبارات المركزية الأميركية ديفيد بترايوس، والسفير الأميركي السابق في تونس جاكوب والاس، والمدير الرئيسي المكلف بالشرق الأوسط وشمال أفريقيا والخليج في مجلس الأمن القومي إيريك بيلوفسكي، وأحد مساعديه المكلف بملف الاقتصاد والتمويل روري ماك فاركيهار.

اقرأ أيضاً: سيناريو انشقاق "نداء تونس" يقترب

ويقول القيادي البارز في "نداء تونس" النائب خالد شوكات، في حديث لـ"العربي الجديد"، إن الرئيس السبسي كان منزعجاً جداً من هذه الزيارة وفحواها، وعبّر عن ذلك في اللقاء الذي جمعه قبل يومين بعدد من النواب، بعد أن رفض النواب الغاضبون حضوره، وقال السبسي إن هذا السلوك غير مقبول، وخصوصاً أن مرزوق شجع الأميركيين على التراجع في ضمانتهم للقرض الدولي لتونس بقيمة 500 مليون دولار التي أعلن عنها الرئيس الأميركي باراك أوباما عند استقباله السبسي، واعتبر السبسي أن مرزوق تجاوز الخطوط الحمراء وأضر بالمصالح العليا التونسية.

ويعتبر شوكات أن "ما يحدث يُمثّل بالنسبة إلى مرزوق المعركة الأخيرة التي يخوضها بحثاً عن طموحاته الجارفة". وفي تعليقه على تجميد عدد من النواب لعضويتهم في الحزب ونيتهم تشكيل كتلة نيابية جديدة، يتحدى شوكات هذه المجموعة "أن تحافظ على العدد نفسه من النواب"، مؤكداً أنها "ستتناقص، ولكن حتى في حالة تشكيل كتلة جديدة فإن ذلك لن يغير شيئاً".

في المقابل، رد مرزوق على هذه الاتهامات، وقال إن زيارته تمت بعلم السفير التونسي وبحضوره، وإنه ذهب لإلقاء محاضرات تدافع عن المسار التونسي.

وتبدو هذه المعطيات على درجة عالية من الحساسية والخطورة، خصوصاً أن مرزوق الذي أدار حملة السبسي الرئاسية وكان مستشاره الخاص، زار الولايات المتحدة أكثر من مرة والتقى بالعديد من المسؤولين فيها. ويتخوّف متابعون من إمكانية تأثيره على مراكز القيادة الأميركية ودفعها للتنصل من تعهداتها حيال القرض المذكور.

وتلقي هذه الأزمة بظلالها على الساحة التونسية التي تراقب بحذر شديد ما يحدث في "النداء"، وإمكانية تأثيره على التوازنات السياسية العامة واستقرار الحكومة، وعلى الرغم من تقليل رئيس لجنة المالية في البرلمان النائب أياد الدهماني من إمكانية تأثيرها على الحكومة التونسية، فإن عدداً من المخاوف بدا جلياً في مواقف بعض الأحزاب.

وسارع الرقم المهم في السياسة التونسية رئيس حركة "النهضة" راشد الغنوشي، إلى إعلان دعمه الكامل للسبسي ولرئيس الحكومة التونسية الحبيب الصيد، في لقاءين جريا تباعاً أول من أمس. وتحاول "النهضة" أن تدفع عن نفسها اتهامات باستغلالها للأزمة وإمكانية الاستفادة منها والانقضاض على الحكومة بما أنها قد تصبح الحزب الأغلبي الأول في البلاد، على الرغم من أن كتلة النواب الذين علّقوا عضويتهم في "نداء تونس"، أكدت أنها ستستمر في دعم الحكومة. في المقابل، عبّرت "الجبهة الشعبية" اليسارية عن جهوزيتها للحكم في أكثر من مناسبة، واعتبرت أن على التونسيين أن يجرّبوها كما جرّبوا حكومة الترويكا قبل "النداء".

وعلى الرغم من أن ولادة هذه الكتلة الجديدة تبدو مربكة للساحة التونسية عموماً، فإنها لن تؤثر على التوازنات العامة في مجلس النواب، باعتبار أن 47 نائباً من "نداء تونس" يساندون السبسي بالإضافة إلى نواب "النهضة" و"التيار الوطني الحر" و"آفاق"، ما يُبقي على أغلبية مريحة داخل مجلس النواب.

اقرأ أيضاً: الغنوشي يؤكّد دعم "النهضة" الكامل لسياسة السبسي