الانتقام الروسي من تركيا في جبل التركمان...والرد في حميميم

27 نوفمبر 2015
القوات التركمانية تحمي قرى الجبل(علي الحفوي/الأناضول)
+ الخط -
بعد سلسلة من التهديدات الروسية بأنّ إسقاط المقاتلات التركية لطائرة سوخوي 24 الروسية في جبل التركمان في ريف اللاذقية الشمالي لن يمرّ من دون ردّ، وفي الوقت عينه، استبعاد المواجهات المباشرة بين البلدين، مع إصرار تركيا على عدم الاعتذار، بدا أنّ الأرض السورية ستكون السبيل الروسي للانتقام.

جبل التركمان الذي تدرك روسيا مدى حساسيته بالنسبة لأنقرة، مع تأكيد الرئيس التركي رجب طيب أردوغان، على أنّ من "يقصف جبل التركمان يعتدي على إخواني وأخواتي الأتراك"، وُضع على قائمة أول بنك الأهداف الروسية، ما جعل النظام يكثّف الجهود ويوحّد جبهات ريف اللاذقية في جبهة واحدة للسيطرة على الجبل الملاصق للحدود التركية.

وكان النظام يتّبع في ريف اللاذقية الشمالي، استراتيجية "دبيب النمل"، وتعني التقدّم البطيء عبر سلسلة من المعارك في جبال الأحمر ومدينة سلمى، قبل أن يبدأ باستراتيجية "لدغ العقرب"، منذ أسبوع، تجلّت في الضغط على فصائل المعارضة من خلال فتح ثلاث جبهات استراتيجية لتشتيت جهودها، إذ اعتمد النظام على التقدم في إحدى الجبهات وتثبيت مواقعه، وعند توجُّه المؤازرات إلى المنطقة، يفتح جبهة ثانية.

إلّا أنّ إسقاط المقاتلات التركية بصاروخ من طائرة "أف 16" لطائرة روسية من طراز سوخوي 24، كانت تحلّق فوق جبل الزاهية القريب من الحدود التركية السورية، غيّر خطط النظام السوري وروسيا، وبدأت الأخيرة بعد ساعات من تلقي الصدمة التي وصفها الرئيس الروسي، فلاديمير بوتين بـ"الطعنة في الظهر"، البحث عن خيارات السيطرة على الجبل.

لكن قبل هذه الساعات، منح إسقاط الطائرة التركية أفضلية معنوية لعناصر المعارضة المسلّحة، إذ تمكّنوا من السيطرة، بعد حادثة الطائرة، على قرية عطيرة، ونقطة الكعكة التابعة لجبل المرّ، وتلال أخرى صغيرة تحيط بالمنطقة. ويؤكد القيادي العسكري في "الفرقة الساحلية الأولى"، أكبر قوة تابعة لـ"الجيش السوري الحر" في ريف اللاذقية، محمد الخليلو لـ"العربي الجديد"، أنّ "إسقاط الطائرة التركية رفع معنويات عناصر المعارضة، وأضحى الاندفاع للقتال أكبر".

وبعدما استفاقت موسكو من صدمة إسقاط الطائرة وبدأت بالوعيد، تبيّن أن جبل زاهية مع قرية عطيرة سيكونان أم المعارك في جبل التركمان، لكون جبل زاهية يشكّل عصب جبل التركمان، فضلاً عن أنّ القرية هي المكان الذي سقطت فيه الطائرة. وبدأت روسيا باتباع سياسة الأرض المحروقة في الجبل، حتى أن حيّا في قرية عطيرة، (قرية صغيرة تقع شمالي الجبل)، دُمّر بالكامل، تزامناً مع عشرات الغارات الأخرى على كامل جبل التركمان.

يقول رئيس ديوان فرع المدفعية والصواريخ البحرية والساحلية، المنشق عن النظام، عثمان أسبرو لـ"العربي الجديد"، إنّ طائرات الروس، بدأت، أمس الخميس، بقصف عنيف لمناطق الاشتباك وخصوصاً مكان سقوط الطائرة. وتحاول روسيا بكل قواها استرجاع شيء من هيبتها وهيبة جيشها وسلاحها ووجودها بعدما مُنيت بهزائم جوية وبرية عدة".

اقرأ أيضاً: قتلى في غارات روسية شمالي سورية والمعارضة تقصف "حميميم"

وعلى وقع القصف غير المسبوق على جبل التركمان منذ بداية الثورة، ومحاولات النظام حشد أكبر قدر ممكن من الشباب في مدينة اللاذقية لتجنيدهم وإرسالهم لجبهات الريف، ومع تكثيف الهجمات وتوحيدها ضد جبل التركمان، تمكّنت قوات النظام من استعادة السيطرة على جبل زاهية الاستراتيجي، ذي الحساسية العالية، والذي يعتبر من أعلى النقاط في جبل التركمان، ويبلغ ارتفاعه 1154 متراً، إضافة إلى قربه الشديد من الحدود التركية (5 كيلومترات)، وإطلاله على عدد كبير من القرى التركمانية المحرّرة.

وتسعى قوات النظام، بعد ضمان السيطرة على جبل زاهية، إلى السيطرة على قوس يمتد داخل جبل التركمان، يبدأ من نبع المر جنوب مدينة كسب، وصولاً إلى جبل عطيرة وانتهاء بجبل زاهية، ما يعني "فصل جزء كبير من المناطق المحرّرة عن تركيا، وإعاقة أي مسعى لإقامة المنطقة الآمنة"، بحسب مصادر عسكرية.

ويقول نائب قائد "الجيش السوري الحر" السابق، مالك كردي، المنحدر من مدينة الحفة في ريف اللاذقية، لـ"العربي الجديد"، إنّ "جبل زاهية يطلّ على قرية عطيرة، على الحدود التركية، وتمكّنت فصائل المعارضة من السيطرة عليه سابقاً. لكن في الفترة الأخيرة، أصبح في وضع تبادل السيطرة بين المعارضة والنظام الذي يحاول تطويق منطقة التركمان عبر هذا الجبل، ووضعها تحت مرمى نيرانه والوصول إلى بلدة الربيعة وبقية القرى في الجبل عبر عملية التفافية. لكنّ المعارضة تدرك أهمية هذا الجبل، لذلك يعمل عناصرها على منع سيطرة النظام عليه بكل الطرق والوسائل".

ويشير كردي إلى أنّه "من خلال العمليات الجوية التي يقوم بها الروس، يبدو أنهم يعملون على تأمين سيطرة النظام على منطقتَي جبل الأكراد والتركمان بهدف تحقيق ما عرف بالدولة المفيدة والتي تتطابق في جزئها الشمالي مع فكرة الدويلة العلوية"، مشيراً إلى أن "إسقاط الطائرة الروسية الأخير، أدى إلى تصعيد الوضع بشكل كبير، وانعكس على مسرح العمليات بطلعات جوية مكثفة للطيران الروسي، مستهدفاً المدنيين".

ويبدو أنّ المعارضة وجدت حلاً مؤقتاً لتخفيف ضغط القصف الجوي الروسي مع النظام، بانتظار تدخل تركي غير محدّد، مع تأكيد نائب الأمين العام لحزب "العدالة والتنمية" التركي الحاكم، المتحدث باسم الحزب، عمر جيليك، علاقة بلاده بالتركمان بأنّها "علاقة عضوية متداخلة، فالتركمان جزء لا يتجزأ من تركيا"، مضيفاً أنّ "على الجميع أن يعلم بأنّ تركيا ستستمر في تقديم مساعداتها المادية والمعنوية للتركمان تحت أي ظرفٍ كان".

وتجلى هذا الحلّ، في قصف حركة "أحرار الشام" بقذائف مدفع "130"، مطار حميميم العسكري في مدينة جبلة في ريف اللاذقية، وهو أكبر القواعد العسكرية الروسية في سورية، ما هدّأ من حدة القصف الجوي، في ظلّ أنباء تشير إلى "احتراق مستودعات الذخيرة في قرية بصراما القريبة من المطار.

ويرى العميد الركن أحمد رحال أنّ "هذه الخطوة هي الأولى لردع الدب الروسي في قاعدة حميميم"، مؤكداً أن "هناك خطوات مقبلة".

وإذا كان جبل التركمان هو الساحة الرئيسية للانتقام الروسي، فإن موسكو وضعت على ما يبدو أهدافاً أخرى، وإنْ كانت غير أساسية بالنسبة لها، في ما يبدو أنها تجد صعوبة الرد المباشر، وبدا ذلك في قصف الطائرات الروسية لقافلة مساعدات آتية من تركيا بعد عبورها الحدود المشتركة في منطقة إعزاز في ريف حلب، ما أدى إلى مقتل سبعة من سائقي الشاحنات.

اقرأ أيضاً: تركمان سورية... ضحايا يدفعون مرتين ثمن الجذور التركية

المساهمون