"دولة في حدود 1967": شعار ضائع في أرخبيل الضفة

05 يونيو 2014
20% من الضفة بيد إسرائيل بذريعة "أراضي دولة" (الأناضول)
+ الخط -

يحرص أهالي قرية عزون عتمة، قرب مدينة قلقيلية، شمال الضفة الغربية المحتلة، على الوصول إلى منازلهم قبل التاسعة مساء، وهو الموعد الذي يغلق فيه جنود الاحتلال بوابة القرية الحديدية، إذ لا يستطيع أحد الدخول أو الخروج بعد هذا الوقت، لتتحول القرية بسكانها الألفين، إلى سجن كبير.

ثلاثة جدران وبوابة يحيطون بالقرية التي استولى المستوطنون على ثلثي مساحتها، فسرقوا الأرض وأحاطوا السكان بالجدران والبوابات العسكرية. كل مواطن، كبيراً كان أو صغيراً، يجب أن يمتلك تصريحاً للدخول إليها، وعلى الأطباء والزائرين أن يقوموا بتنسيق أمني مع الارتباط الفلسطيني الذي يرسل أوراقهم الثبوتية إلى الاحتلال الإسرائيلي، ليرفض الأخير أو يوافق.

منظر يذكر، كل من يشاهده، بالأفلام الأميركية، وكيف حاصر البيض السكان الأصليين، وجمعوهم في محميات ومخيمات مسوّرة بالأسلاك الشائكة.

لكن عزون عتمة ليست وحدها ما يثير الذاكرة باستدعاء مقاطع بشعة من أفلام التطهير العرقي والتنكيل بالبشر العزل، بل يوجد العشرات من القرى الفلسطينية، التي إما عزلها جدار الفصل العنصري عن امتدادها الطبيعي، أو حاصرها وأغلق كل الطرق المؤدية إليها، مبقياً على مدخل واحد لها، هو عبارة عن بوابة حديدية يفتحها ويغلقها على سكانها متى يشاء.

تهويد متسارع ما بين مستوطنات تبنى، وجدار فصل عنصري منتصب، وشوارع خاصة بالمستوطنين تنبسط مبتلعة آلاف الدونمات من الأراضي الفلسطينية، إلى خنادق تحفر بطن الأرض، لتكون النتيجة أن 60 في المئة من مساحة الضفة الغربية التي احتلت في يونيو/حزيران 1967، باتت تحت السيطرة الإسرائيلية الفعلية، وما تبقى عبارة عن أرخبيل من الجزر الفلسطينية مقطعة الأوصال، تتعرض لاقتحامات ومداهمات تنكيل شبه يومية.

ويقول خبير الاستيطان في وزارة الدولة الفلسطينية، محمد الياس، إن تقسيم الضفة الغربية هو ما بين مناطق يحظر على الفلسطينيين دخولها، أو يطلب منهم تصريحاً للتواجد فيها. ويشير الياس، في حديثه مع "العربي الجديد"، إلى الذرائع الإسرائيلية للاستيلاء على الأراضي الفلسطينية، مثل إعلان حكومات الاحتلال المتعاقبة عن تحويل 18 في المئة من أراضي الضفة الغربية المحتلة إلى مناطق تدريب عسكري لجيشها، فيما استولت أيضاً على 12 في المئة من مساحة الضفة، وهي أراضي مملوكة لخزينة الأردن.

وفي سياق الاستيلاء وسياسة وضع اليد، سيطرت حكومات الاحتلال على نحو 20 في المئة من الأراضي الفلسطينية الخاصة، بذريعة أنها "أراضي دولة". وفي حين يستمر مسلسل السرقة والاسيتطان على قدم وساق، لم تنقطع تصريحات الرئيس محمود عباس والقيادة الفلسطينية، عن المطالبة بدولة على حدود الأراضي الفلسطينية المحتلة عام 1967.

الأراضي المحتلة عام 1967، هي ذاتها التي وافقت القيادة الفلسطينية على تقسيمها إلى مناطق "أ، ب، ج" بحسب اتفاقية أوسلو عام 1993، والتي كان من المفترض أن تكون اتفاقية مرحلية، لكن المرحلي بات دائماً، مع فارق جوهري أنّ إسرائيل لم تكف عن الاستيلاء على المزيد من الأراضي وإحداث تغيير جيوسياسي على الأرض. وما بين مناطق "أ وب وج،" يوجد أرخبيل من الجزر الفلسطينية التي لا تصلح لإقامة مشروع الدولة الفلسطينية العتيدة، وهو الوضع الذي تدركه القيادة الفلسطينية جيداً.

وتفيد مؤسسة "بيتسليم" الحقوقية الإسرائيلية، في أحد تقاريرها، بأن "إسرائيل تسيطر بشكل تامّ على منطقة "ج" فقط؛ ولكنّ السياسة الإسرائيلية في منطقة "ج" تمسّ مجمل السكان الفلسطينيين في جميع أرجاء الضفة الغربية بشكل كبير. ففي تلك المنطقة الواسعة، ثمة 165 جزيرة من مناطق" أ وب"، تحوي التجمعات السكنية الفلسطينية في الضفة. كما أنّ احتياطي الأراضي الذي يحيط بالمناطق المبنية في بلدات الضفة وقراها، أُعلِنت في حالات كثيرة كمنطقة "ج"، وإسرائيل تمنع البناء والتطوير فيها. وهكذا تخنق الحكومة الإسرائيلية بلدات كثيرة في مناطق "أ وب"، بحسب تقرير "بيتسليم".

بناءً على ما سبق، يقول الأمين العام للمبادرة الفلسطينية، مصطفى البرغوثي، إن "السؤال البسيط الذي يطرح نفسه اليوم على ضوء الإجراءات الإسرائيلية اليومية هو: هل لا يزال من الممكن إقامة دولة فلسطينية مستقلة؟".

يجيب البرغوثي "أعتقد أن الشعب الفلسطيني قد يضطر إلى العودة لشعاره الأصلي وهو المطالبة بدولة واحدة، لأن فكرة الدولة المستقلة تتلاشى، بسبب التوسع الاستيطاني والتمييز العنصري، وتقطيع أوصال الأراضي الفلسطينية".

ويتابع "أعتقد أن الساعة تدق وربما نكون قد عبرنا ذلك الخط الأحمر، المشكلة أنه لا يمكن تغيير هذا الواقع إلا بتغيير ميزان القوى، وهذا لن يتم عبر المفاوضات أو المراهنة عليها، تغيير الواقع على الأرض يمكن أن يتم فقط عبر استراتيجية وطنية جديدة تستند إلى المقاومة الشعبية وحركة المقاطعة وفرض العقوبات على إسرائيل، وتوحيد الصف الوطني، لذلك أنجزنا المصالحة لأنها جزء من هذه الاستراتيجية، ولكن يجب تفعيل حركة المقاطعة وفرض العقوبات أكثر في هذه المرحلة".

ويشير البرغوثي إلى أن المطلوب في هذه المرحلة هو"قيام القيادة الفلسطينية بحسم قراراتها، والتوقف عن الحديث عن المفاوضات لأنها تعطل إمكانية تجنيد الطاقات الفلسطينية لتنفيذ الاستراتجية الفلسطينية، وأثناء ذلك يجب أن تقوم منظمة التحرير بالانضمام إلى كافة المعاهدات الدولية، بما فيها اتفاقية الانضمام لمحكمة الجنايات الدولية".

أما المحلل السياسي أحمد عوض، فيلفت إلى أن "دولة فلسطينية على حدود حزيران 1967 ليست أكثر من شعار في هذه المرحلة". ويوضح لـ"العربي الجديد" أن "الدولة الفلسطينية على حدود 1967، باتت تحتمل تبادل الأراضي، ووجود الاستيطان، والترتيبات الأمنية التي تحمي المستوطنين".

ويرى أن استحالة تحقيق الشعار الفلسطيني "دولة في حدود حزيران 1967" تعود إلى أن فكرة الحدود تم تحطيمها من خلال الطروحات الإسرائيلية السياسية، إذ قامت سلطات الاحتلال بمحو الخط الأخضر، وحل الدولتان المطروح حالياً لا يتضمن فكرة وجود حدود للأراضي المحتلة عام 1967، ولا سيّما أن الاحتلال متمسك بالحل النهائي بفرض سيطرته على القدس، وأجزاء كبيرة من غور الأردن، وضم كتل استيطانية".

ويخلص عوض إلى أنه "تم القفز عملياً عن فكرة دولة فلسطينية بحدود 1967، وهذا الأمر غير متاح حالياً، إلا إذا تغيرت الظروف وموازين القوى". لكن رأي عضو اللجنة التنفيذية لمنظمة التحرير، أحمد المجدلاني، يختلف مع كل ما سبق، ذلك أن "تفكيك المستوطنات الإسرائيلية من الضفة الغربية المحتلة ليس بالأمر المستحيل، فقد سبق وقامت إسرائيل بتفكيكها من قطاع غزة عام 2005"، على حد تعبيره. ويرى عوض أن "كل ممارسات الاحتلال، ولو طالت، ستبقى غير شرعية وتتناقض مع المواثيق والقوانين الدولية".

وحول وجود إرادة سياسية لتغيير الأمر الواقع، يشدد المجدلاني على أن "القيادة الفلسطينية حققت انجازات كبيرة على صعيد الاعتراف بفلسطين دولة تحت الاحتلال، وأن النضال الفلسطيني بمختلف أشكاله القانونية والدبلوماسية والسياسية والمقاومة الشعبية مستمرة بهدف خلق واقع جديد".

لكن خبير النظم الجغرافية في جامعة بيرزيت، عبد الله عبد الله، يرى أن قراءة سريعة للواقع الجغرافي والسياسي في الضفة الغربية المحتلة، تفضي إلى استنتاج واحد، وهو أن القيادة الفلسطينية عاجزة عن إحداث أي تغيير في ما يجري على الأرض، ولا تملك أي إرادة سياسية لإيجاد خيارات مختلفة عن التي تمتلكها حالياً. ويقول عبد الله عن هذا الموضوع "نحن بحاجة إلى تغيير القيادة السياسية حتى نحصل على خيارات مختلفة".

المساهمون