يحتفل حزب العدالة والتنمية، اليوم السبت، بالذكرى الـ 20 لتأسيسه كواحد من أبرز الأحزاب السياسية التي حكمت البلاد وغيّر من وجه تركيا وشكلها، ونقلها إلى مراتب متقدمة على مستوى المنطقة والعالم، إلا أنه يواجه حالياً تحديات تجاوز الترهل الذي أصابه للمسير ضمن مستقبل البلاد.
حزب العدالة والتنمية تأسس في فترة تلت انقلاباً أبيض على القيادي الراحل نجم الدين أربكان في عام 1998، تلك الحقبة التي كانت تشهد فشلاً في تشكيل الحكومات، لأنها ائتلافية، وعدم انفراد حزب واحد بالحكم، وكثافة في تشكيل الأحزاب السياسية قصيرة العمر، في وقت كان فيه من السهل إغلاق الأحزاب السياسية.
تأسيس الحزب في أجواء سياسية مضطربة عبر الرئيس رجب طيب أردوغان، اعتُبر انشقاقاً عن معلمه أربكان، لكنه استفاد من الخدمات التي قدمها لبلدية إسطنبول عندما تولى حكمها في عام 1994، لكنه تعرض للاعتقال بسبب أبيات شعرية، فجعلت منه بطلاً شعبياً مع إنجازاته في البلدية، وخاصة لدى الفئة المحافظة.
وسرعان ما لمع نجم الحزب، وتولى حكم البلاد في عام 2002، ولا يزال حتى اليوم في الحكم بعدما نجح في جميع الانتخابات التي خاضها، رغم أنه مرّ بمراحل عديدة، وانشقاقات لحقت به، حتى إنّ أبرز مؤسسيه ورفاق الرئيس رجب طيب أردوغان السابقين تخلوا عنه، منهم الرئيس السابق عبد الله غل، ورئيس الوزراء السابق أحمد داوود أوغلو، ووزير المالية محمد شيمشك وقياديون آخرون.
محطات عديدة مرّ بها الحزب، ويبدو أن المحطة المصيرية التي تنتظره في المستقبل القريب تتلخص بالانتخابات البرلمانية والرئاسية المنتظر إجراؤها في عام 2023، مع توقع تقديمها للعام القادم، حيث تشير أغلب استطلاعات الرأي إلى حصول الحزب على نسبة لن تتعدى 40%، رغم أن أصوات "العدالة والتنمية" وصلت إلى حدود 50% في عام 2015 بشكل غير مسبوق، ولولا تحالفه مع حزب الحركة القومية اليميني المتطرف في الانتخابات التي جرت عام 2018، لفقد أغلبيته التي كان قد حققها منذ توليه الحكم في البلاد.
وتُعَدّ السياسات التي تبعت المحاولة الانقلابية الفاشلة في عام 2016 وتفرد أردوغان بالحكم، من أكبر الأخطاء التي ارتكبها الحزب في مسيرته وزادت من الانشقاقات في صفوفه، بحسب مراقبين.
وباستثناء حزبي الشعب الجمهوري المعارض وحزب الحركة القومية، لا توجد أحزاب قديمة عريقة في تركيا كما الدول الغربية، حيث كان من السهل إغلاق الأحزاب بسبب الانقلابات العسكرية، وحتى حزب العدالة والتنمية واجه دعوى لإغلاقه في عام 2008، بعد عام من بيان عسكري إلكتروني اعتبر أنه شبيه بالانقلاب العسكري الأبيض على أربكان، وذلك في عام 2007، ولاحقاً عمل حزب العدالة والتنمية في التعديلات الدستورية على جعل إغلاق الأحزاب السياسية أمراً ليس بالسهل.
وعلى الرغم من تحقيق حزب العدالة والتنمية قفزات نوعية تتعلق بالحكم وتطبيق المقاييس الأوروبية في المجالات كافة وتطوير الصناعة ورفع حجم الصادرات وتعزيز دخل الفرد، بحسب الأرقام الرسمية، وتحقيق مكانة متميزة اقتصادياً جعلت تركيا تدخل دول العشرين، فضلاً عن استخدام القوة الناعمة داخل البلاد وفي المنطقة، إلا أن السياسات الخارجية، وخاصة في السنوات الأخيرة عزلت تركيا بشكل كبير بسبب الخلافات في شرق المتوسط وتدخلات تركيا بدول المنطقة، وخاصة في ليبيا وسورية والعراق، فضلاً عن العجز عن ضبط التضخم والحفاظ على استقرار سعر صرف العملة المحلية.
استحقاق انتخابي هام
وبناءً على ما سبق، ينتظر حزب العدالة والتنمية استحقاق انتخابي هام، ولهذا ينتظر أن يعلن أردوغان في احتفالية العشرين عاماً على التأسيس، خريطة طريق لمستقبل الحزب، وسبل مواجهة الانشقاقات الحاصلة فيه، وردم الهوة مع جيل الشباب، وتحصين الاقتصاد وتطويره، بعد أن حصل نوع من العجز في مواجهة مشكلات البلاد.
بكير أتاجان، الكاتب والمحلل السياسي، وعضو حزب العدالة والتنمية، تحدث عن مسيرة الحزب خلال هذه السنوات لـ"العربي الجديد"، قائلاً: "لم يعد من السهل التخلي عن حزب العدالة والتنمية في البلاد، لأنه أثبت وجوده وحاجته للشعب التركي، حيث غيّر في الإنسان التركي أشياء كثيرة، أهمها تعزيز الثقة بالنفس، وثانياً المواطن التركي كان دائماً يشعر بأنه الأسوأ من الناحية المادية والاقتصادية والاهتمام به، ليتحول إلى الأفضل مع الحزب، حيث وضعه في المقدمة، واهتمّ به، وبات المواطن يدرك أنه مهم، وليس بسيطاً وبات يفتخر بمواطنته من إنسان بسيط إلى إنسان فعّال يدرك أنه شخصية محترمة في العالم".
وتتطرق أتاجان إلى أبرز محطات الحزب والتحديات التي تواجهه بالقول: "أبرز المحطات مروره بحادثتين مهمتين: الأولى إغلاق مرحلة الانقلابات التي كانت موجودة في القناعة التركية، بأن كل 10 سنوات هناك انقلاب، ولم تعد هناك انقلابات. وثانياً أثبت أن الحزب إن أخذ ثقة الشعب، فهو قادر على تغيير كل شيء، من الديمقراطية والاقتصاد والحريات والصناعة، إلى الأفضل بالتعاون مع الشعب، وأثبت أن تركيا باتت قوة اقتصادية وعسكرية على مستوى العالم، وحافظ على كرامة الإنسان، وخاصة شعوب منطقة الشرق الأوسط".
وأضاف: "الحزب يواجه تحديات عديدة، منها أنه تعب، وأتعب معه محبيه وأنصاره، وأصبح بعيداً عن التجديد والحداثة، وهذا مما أضعفه كثيراً. وفي الوقت نفسه قوّض من ثقة الشعب به، وخاصة الجيل الصاعد، لأنه لم يستطع مخاطبتهم عبر مواصلة مسيرة التغيير كما كان سابقاً، والنجاحات التي حققها الحزب هي من الناحية الاقتصادية والعسكرية، وذلك إلى فترة قريبة، فأحدث تغييرات جذرية في الاقتصاد والسياسة والصناعات العسكرية وتقوية الجيش، ولكنه لم يستطع أن يبرهن للشعب التركي أنه على استعداد لإكمال المسيرة التي بدأها بعد الصورة التي ظهرت أخيراً بأن الإرهاق والوهن بات يظهر عليه، وهذا مما سيؤثر في الانتخابات المقبلة على فقدان الشعبية وثقة الشعب مقارنة بالسابق إن لم يتدارك الحزب ذلك قريباً".
خلافات خفية بدأت تطفو للسطح
من جانبه، قال الصحافي الكردي المقرب من المعارضة فايق بولوط، لـ"العربي الجديد"، إن "حزب العدالة والتنمية له برنامج شبه متكامل ويتضمن مواضيع اجتماعية سياسية اقتصادية، ويتظاهر وكأنه حزب إسلامي ديمقراطي، واستمرّ ذلك وصولاً للسنوات الأخيرة. لكن مع احتكار السلطة منذ 20 سنة تقريباً، بدأ يتحكم بكل كبيرة وصغيرة في البلاد، وهذا أدى إلى شكاوى وتذمر وخلافات داخل الحزب، كانت خفية وبدأت تطفو على السطح"، على حد قوله.
وأضاف بولوط أن "الجماهير التي كانت تعلق الأمل عليه من جميع النواحي، ثبت أخيراً أنها بدأت تشعر بخيبة أمل، وقال داود أوغلو إن الحزب تخلى عن برنامجه الأساسي، ومنشقون عن الحزب تناولوا ذلك، الأزمات الخارجية والاقتصادية جعلت السلطة غير متمكنة من إيجاد حلول مرضية لجماهيرها، وداخلياً وخارجياً هناك أزمات في شرق المتوسط واضطرابات مع الاتحاد الأوروبي وأميركا والدول العربية. إذاً شعبية الحزب تتآكل، إذ إن إرادة الرجل الواحد لا تحل كل الأمور".
وعن تحديات الحزب واحتمالات خسارته الانتخابات، قال: "إذا أصغينا إلى صوت الشارع المعارض للحزب يبدو أنه لن يتخلى عن السلطة وسيلجأ للشارع ومؤيديه، ويحاول جذب بعض القيادات من أحزاب المعارضة إلى جانبه من مثل حزب السعادة واستقطاب القيادي أوغوزهان أصيل تورك، واللجوء إلى تكتيك افتعال الخلافات بين قيادات أحزاب المعارضة".
وختم بالقول: "في السياسة ليس هناك شيء اسمه مستحيل، وإن سارت الأمور على المنحى الحالي، أعتقد أنه سيخسر الانتخابات، وإن خسر والتزم الديمقراطية وانسحب سيتعرض للمساءلة من الأحزاب الجديدة الحاكمة على سياساته السابقة في فترة حكم الحزب، وإن لم يتخلّ عن السلطة وقاوم بالطرق والوسائل المتوافرة لديه، فهذا سيناريو سيكون مخيفاً ومرعباً".