تأتي هذه الجولة في أعقاب الدور الذي أدته المنظمات الحقوقية المصرية في فضح انتهاكات نظام عبد الفتاح السيسي، بعد القبض على أكثر من ألفي مواطن خلال احتجاجات 20 سبتمبر/ أيلول الماضي، ونشر كشوف تُحدَّث باستمرار بأعداد المقبوض عليهم وأعمارهم ومناطقهم، فضلاً عن تكريس المحامين الحقوقيين في مصر جهدهم كاملاً في الدفاع عن جميع المعتقلين في القبضة الأمنية الأخيرة.
الإعلام يطلق الحرب
في الأيام القليلة الماضية، شنّ عددٌ كبير من المؤسسات الرسمية ووسائل الإعلام المصرية المختلفة حملة دعائية واسعة ضد المنظمات الحقوقية، واصفة إياها بالتحريض ضد النظام السياسي، والتعاون مع جماعة "الإخوان المسلمين" (المصنفة من الحكومة المصرية الحالية كجماعة إرهابية) والدفاع عنهم، وذلك على خلفية تظاهرات 20 سبتمبر/ أيلول الماضي، الأمر الذي ينذر في حال تواصل ذلك بخطر يتهدد كل المنظمات الحقوقية المصرية والعاملين فيها بمواجهة مصير مشابه.
ووفقاً لتحليل قامت به "الجبهة المصرية لحقوق الإنسان" (منظمة مجتمع مدني مصرية)، لـ27 بياناً وتصريحاً وخبراً ومقطع فيديو في برامج تلفزيونية خلال الأيام القليلة الماضية، وخلال الفترة من 25 سبتمبر/ أيلول وحتى الساعات الأولى من صباح 2 أكتوبر/ تشرين الأول الحالي، فقد تم رصد سيل من الاتهامات الموجهة ضد المنظمات الحقوقية المصرية والدولية من جانب عدد واسع من الإعلاميين والصحافيين المقربين أو المحسوبين أو التابعين لمؤسسات الدولة المختلفة، وذلك في مختلف وسائل الإعلام المقروءة والمرئية والإلكترونية. كما جرى، بحسب التحليل، اتّباع سياسات الوصم والاغتيال المعنوي عبر توجيه الاتهامات المباشرة بالتخوين والعمالة لهذه المنظمات، وحتى لمديريها الموجودين في مصر، والممنوع بعضهم من السفر أو التصرف في أموالهم، على رأسهم مؤسس "المركز المصري للحقوق الاقتصادية والاجتماعية" خالد علي، ومدير "الشبكة العربية لحقوق الإنسان" جمال عيد، ومؤسس "المبادرة المصرية للحقوق الشخصية" الصحافي حسام بهجت، فضلاً عن الانتقاد اللاذع لبيانات المنظمات الدولية من قبل مؤسسات رسمية حول الأحداث الأخيرة واتهامها بالتسييس.
ووفقاً لتحليل المادة الإعلامية خلال تلك الفترة، فإن الاتهامات التي وجهها هؤلاء الإعلاميون والصحافيون للمنظمات الحقوقية والعاملين بها، تمحورت في: اتهامهم بالتحريض ضد نظام الحكم ومؤسسات الدولة، والدفاع عن جماعة "الإخوان" والتعاون معها لهدم الدولة وتحريض الشباب على التظاهر ودعمهم، وقيامهم بنشر الشائعات لإحداث حالة من الفوضى في البلاد، بالإضافة إلى اتهامهم بالفساد المالي والتربح الشخصي، فضلاً عن اتهامهم بالخيانة والتخابر والتجسس لصالح دول أجنبية. كما طالب أحد الإعلاميين على الهواء مباشرة بإسقاط الجنسية المصرية عن مدير مركز القاهرة لدراسات حقوق الإنسان، بهي الدين حسن.
وفي تصعيد آخر ملحوظ، قادت المؤسسات الرسمية المصرية من خلال الهيئة العامة للاستعلامات التابعة لرئاسة الجمهورية، وخلفها وسائل الإعلام المختلفة، حملة ضد منظمة العفو الدولية، إذ قامت بنشر ردّين متتابعين على بيانات صادرة من المنظمة حول تقييمها لتعامل السلطات مع التظاهرات في مصر. ووصفت هذه المؤسسات "العفو الدولية" بالانحياز وعدم الموضوعية وتبنّي خطابات سياسية، كما هاجمها رئيس لجنة حقوق الإنسان في البرلمان علاء عابد متهماً إياها بالتدخل في الشأن الداخلي المصري والتحريض ودعم التظاهرات، وأنها تقدم غطاءً سياسياً لجماعة "الإخوان". من جهتها، وصفت وكالة الشرق الأوسط الحكومية هذا "السجال" بأنه نموذج للاستراتيجية الجديدة للحكومة المصرية، عبر التعاطي السريع مع انتقادات المنظمات الحقوقية الدولية.
واعتبرت "الجبهة المصرية لحقوق الإنسان" أن "هذه الحملة الشعواء من جانب وسائل الإعلام الرسمية وغير الرسمية ضد المنظمات الحقوقية والدولية، ليست بعيدة عن السلطة التنفيذية أو الأجهزة الأمنية، إن لم تكن بتوجيه مباشر منها". وبحسب "الجبهة"، فإن ذلك يظهر في عدد من الدلائل، مثل تصاعد الحملة الإعلامية بالتوازي مع رود الفعل الرسمية، مثل الهيئة العامة للاستعلامات ومجلس النواب، وقيام صحافيين وإعلاميين بشنّ الحملة الإعلامية ذاتها بالمصطلحات والاتهامات نفسها تقريباً، مثل تقديم غطاء سياسي والتحريض على الدولة، من منصات إعلامية مقروءة ومسموعة، سواء تابعة لمؤسسات رسمية، مثل جريدة أخبار اليوم، أو وكالة الشرق الأوسط، أو مؤسسات تابعة لرجال أعمال مقربين للنظام، مثل موقع وقناة صدى البلد، أو مؤسسات تابعة لشركة "إعلام المصريين" التابعة لجهاز الاستخبارات العامة، مثل جريدة الدستور، أو قنوات مثل "دي أم سي" أو "أو أن تي في"، وغيرها. والمعروف، وفقاً لمراقبين، أن الأجهزة الأمنية تقوم برسم السياسات الإعلامية في هذه المؤسسات والرقابة على كافة المواد الإعلامية المنشورة فيها، بحسب "الجبهة" الحقوقية.
التحرش بمركز النديم
وأعلن مركز النديم لتأهيل ضحايا العنف والتعذيب (منظمة مجتمع مدني مصرية)، أنه على مدى الأيام الثمانية الماضية تكرر الاستدعاء غير الرسمي لإحدى مؤسسات المركز، الدكتورة عايدة سيف الدولة. وحصل ذلك مرتين عن طريق شخص يدعي أنه مبعوث نيابة الأزبكية، ويترك رسالة مع حارس المبنى مصحوبة برقم هاتف، مؤكداً أهمية المثول أمام النيابة، ومرات عن طريق الهاتف، مدعياً أن ثمة محامياً قدم بلاغاً فيها. وحتى الآن لم تصل لفريق عمل المركز أي أوراق رسمية تفيد بهذا الاستدعاء الذي يفترض أنه صادر عن جهة رسمية.
ويوم الثلاثاء، في الأول من أكتوبر/ تشرين الأول الحالي، حضر إلى المركز شابان حاولا الدخول من دون تقديم نفسيهما، وحين تم إيقافهما خارج الباب لمعرفة ما يريدانه، قالا إنهما يبحثان عن محام باسم محمد فتحي، وأن واحداً من أفراد كتيبة المخبرين المرابطين أمام المبنى أكد لهما أنه "محام شاطر" ويعمل في مركز النديم، مع العلم أن المركز أغلق وحدته القانونية منذ فبراير/ شباط 2015.
واعتبر المركز أن "قمة الفجاجة في التحرش الأمني بالمركز وزواره حدثت الثلاثاء (الأول من أكتوبر) أيضاً، حين أخبرهم أحد زوارهم بأن "صاحب الكشك على ناصية الممر سأله عن وجهته، موضحاً أنه قد صدرت لهم تعليمات بمراقبة وسؤال كل من يدخل الممر المؤدي إلى المبنى حيث مقر المركز".
يشار إلى أنه في التاسع من فبراير/ شباط 2016، داهمت قوة من الشرطة المصرية مركز النديم وأغلقته بالشمع الأحمر، قبل أن يعد المركز باستمرار نشاطه على الرغم من المضايقات والتضييق.
كما أقدمت السلطات المصرية على تجنيد حساب المركز لدى مصرف "كريدي أغريكول"، الذي وصله قرار من المصرف المركزي المصري، بتجميد حساب المركز لحين توفيق أوضاعه بحسب القانون رقم 84 لسنة 2002.
تم افتتاح مركز النديم عام 1991، لتقديم الدعم والطبي والحقوقي لضحايا التعذيب. فيما تعود البدايات الحقيقية لتأسيسه إلى العام 1989، عندما عاينت الباحثة في المركز، عايدة سيف الدولة، وزملاؤها آثار تعذيب قوات الأمن المصرية، بعد إضراب لعمال الحديد والصلب، فقرروا فتح عيادة تأهيل نفسي، ومع تنامي نشاط المركز، بدأ يعالج ضحايا التعذيب فضلاً عن النساء المُعنفات، وبدأ في إدارة مركز قانوني.
محامون خلف الأسوار
خلال الأيام القليلة الماضية، ألقت قوات الأمن المصرية القبض على عدد من المحامين الحقوقيين، بعضهم تمّ إلقاء القبض عليهم من داخل النيابات خلال وجودهم للدفاع عن نشطاء سياسيين، مثل المحامي الحقوقي محمد الباقر، والمحامية والناشطة السياسية ماهينور المصري.
وتحول الباقر من محام إلى متهم مدرج اسمه على قضية ويواجه اتهامات لا يعلم عنها شيئاً، بينما كان في نيابة أمن الدولة حاضراً مع الناشط السياسي البارز علاء عبد الفتاح، الذي ألقي القبض عليه مباشرة بعد انتهائه من قضاء المراقبة الشرطية التي يخضع لها يومياً من السادسة مساءً حتى السادسة صباحاً.
وكذلك المحامية ماهينور المصري، التي ألقت قوات الأمن القبض عليها من أمام نيابة أمن الدولة، بعد انتهائها من حضور التحقيقات موكلة عن أحد المحامين المحبوسين، وهو المحامي والناشط السياسي عمرو نوهان.
وفي مدينة السويس، ومع اتساع الحملة الأمنية، ألقت الشرطة القبض على وكيل ورئيس لجنة الحريات في نقابة المحامين، محمد صلاح عجاج، في 24 سبتمبر/ أيلول الماضي، الذي كان يحضر التحقيقات مع المتظاهرين المقبوض عليهم. وفي 26 سبتمبر، ألقت قوات الأمن القبض على المحامي محمد حلمي حمدون وزوجته أسماء دعبيس وشقيقه أحمد المعيد بكلية الاقتصاد والعلوم السياسية، من داخل مقهى بمدينة دمنهور، وتم ربطهم بالأحزمة وتعصيب أعينهم، بحسب شهود عيان. وبحسب شهادة المحامين، فإن حلمي كان يمارس عمله، ويتابع مع الأهالي الاعتقالات على خلفية التظاهرات.