الأزمة السياسية في جورجيا: إملاءٌ أميركي واتهام روسيا

08 نوفمبر 2014
بدأت الاستقالات غداة استقالة ألاسانيا (فانو شلاموف/فرانس برس)
+ الخط -

تشهد جورجيا التي سبق أن خاضت حرباً مع روسيا عام 2008، خسرت بنتيجتها بصورة نهائية إقليم أوسيتيا الجنوبية، أزمة سياسية حادة على خلفية إقالة وزير الدفاع، إيراكلي ألاسانيا، التي أعقبتها سلسلة استقالات شلّت الحكومة. وسرعان ما وُجّهت الاتهامات إلى الكرملين، فيما يبدو وكأنه فتح لجبهة جديدة من المواجهة بين الغرب الأطلسي وروسيا، بعد الجبهة الأوكرانية.

فقد اتخذ رئيس الحكومة الجورجية، إيراكلي غاريباشفيلي، في 5 نوفمبر/تشرين الثاني قراراً قضى بإقالة وزير الدفاع من منصبه. ووفقاً لموقع "بانارمينيان.كوم"، فإن "أسباب الإقالة تعود إلى علاقة ألاسانيا بثلاثة ملفات قضائية، متهم بها عدد من مرؤوسيه المقربين إليه".

وأما التهم فتدور حول صرف أموال غير مستحقة من وزارة الدفاع لمصلحة إحدى شركات الاتصالات، وتعرّض 858 جندياً جورجياً لتسمم جماعي، وهدر المال العام عند إعادة هيكلة أحد مباني الوزارة. لم يسكت ألاسانيا، وسرعان ما أعلن أن للمحاكمات أهدافاً سياسية. فيما كان غاريباشفيلي يؤكد أن "الوزير الذي يمنح لأصدقائه عقود المشتريات والمناقصات، لا يمكن أن يكون وزيراً".

وكما كان متوقعاً، استجاب أعضاء حزب الوزير المقال، والمقربون منه لاستقالته، في خطوة تصعيدية من شأنها ليس فقط شلّ عمل الحكومة، إنما تهديد الأكثرية البرلمانية، مما قد يدخل البلاد في أزمة تشريعية. ففي أعقاب إقالة ألاسانيا، قررت وزيرة خارجية جورجيا، مايا بانجيكيدزه، ونوابها الأربعة، دافيت زالكالياني وتامار بيروتشاشفيلي ودافيد جالاغانيا وفلاديمير غورغينيدزه ترك مناصبهم الحكومية. وبانجيكيدزه هي أخت زوجة وزير الدفاع المقال على ما يُذكر موقع "نيوزجورجيا".

كما أعلنت قناة "إيميلي" التلفزيونية، أن "ممثل جورجيا في حلف شمال الأطلسي، ليفان دورليدزه، أعلن أيضاً عن استقالته". وهو أخ فيكتور دوليدزه، أحد قادة حزب "جورجيانا ــ ديمقراطيون أحرار" الذي يتزعمه ألاسانيا.

كما أن إعلان استقالة آخر، جاء من وزير الدولة الجورجي لشؤون التكامل مع المؤسسات الأوروبية والأوروأطلسية، أليكسي بيترياشفيلي، وهو عضو آخر في حزب "جورجيانا ــ ديمقراطيون أحرار". وأعادوا جميعاً استقالاتهم إلى "مخاطر تستهدف مسيرة جورجيا التكاملية مع الغرب الأطلسي، وأن هذه المخاطر تزداد مع عزل وزير الدفاع".

"لقد غادرنا الائتلاف" الحاكم. ذلك ما أعلن عنه ألاسانيا مع استقالته، وفقاً لموقع "توب.ربك.رو"، علما بأن "جورجيانا ــ ديمقراطيون أحرار" يشغل 10 مقاعد في البرلمان الجورجي، وبانسحابهم يفقد تجمّع "الحلم الجورجي" الأكثرية البرلمانية، وبالتالي ينهار الائتلاف الحاكم.

وفي رده على ذلك، نقل موقع "غروزيا أزنلاين" عن الرئيس الجورجي غيورغي مارغفيلاشفيلي، قوله "المواجهة السياسية تهدد أداء مؤسسات الدولة، وتشكّل خطراً على التكامل الجورجي الأوروأطلسي، والأهم من ذلك على الجيش الجورجي الذي يشكل ضمانة الاستقلال".

علماً بأن وسائل الإعلام الجورجية، نقلت غير مرة الجدالات الدائرة بين رئيس جورجيا ورئيس وزرائه حول الصلاحيات. ومما يُقال أن الأزمة في جورجيا، وفقاً للرئيس، تظهر كم أن "البلاد بحاجة لمؤسسات قوية تحكمها، لا أن تحكم من وراء الكواليس".

علما بأن المعارضة كثيراً ما اتهمت رئيس الحكومة البالغ من العمر 31 عاماً بـ "عدم الاستقلالية وبتمرير رغبات بدزينا إيفانيشفيلي"، الذي شغل منصب رئيس الوزراء في الفترة 2012 ـ 2013. حسب ما ذكرت قناة "أر. بي. كاي" التلفزيونية. وفي السياق، غرّدت وزيرة الخارجية المستقيلة في حسابها على موقع "تويتر"، "هناك أزمة سياسية جدية في جورجيا، فالهجوم على وزير الدفاع ألاسانيا وإقالته، يهدد نهج البلاد".

ولا يتردد الوزراء الجورجيون المستقيلون في توجيه أصابع الاتهام إلى روسيا، التي كانت على الدوام ضد انضمام الجمهوريات السوفييتية السابقة إلى حلف الأطلسي. وشكّك ألاسانيا في حديث لقناة "روستافي"، في 4 نوفمبر/تشرين الثاني، بعمل مؤسسة القضاء في بلده، التي تنظر في ملفات فساد أشخاص مقرّبين منه.

واعتبر أن "من مصلحة روسيا ما يجري اليوم، وما يفعله القضاء الجورجي يفيدها. فهذا يعرقل تكامل البلاد الأوروبي. وأفعال القضاء تناقض خيار جميع المواطنين الذين أيدوا تكامل جورجيا مع الاتحاد الأوروبي". ووفقاً لموقع "نيوزجورجيا.رو"، فقد قال وزير التكامل الأوروبي المستقيل، أليكسي بيترياشفيلي، في تصريحات لقناة "مايسترو" الجورجية، أن "الجميع يرون اليوم أن ما يجري هو هجوم على تكامل جورجيا الأوروبي. كما نرى أن الدكتاتورية تقترب والديمقراطية في خطر".

ودخل وزير خارجية ليتوانيا ليناس لينكيفيتشوس، على خطّ الأزمة الجورجية، وغرّد على حسابه على موقع "تويتر"، ملمّحاً إلى روسيا، "المعلومات محزنة جداً عن استقالة الوزراء في جورجيا. الاختيار يجب أن يكون واضحاً بين الشراكة الداخلية المثلى والعدو الخارجي الأمثل. ولا تحتاج إلى جهد كبير معرفة من هو العدو المقصود".

كما أن موقع "سيفيل.جي" نقل عن سفير الولايات المتحدة في جورجيا، ريتشارد نورلاند، قوله إن "التوقيفات الأخيرة في وزارة الدفاع، تسمح بالشك في استغلال القضاء لأغراض سياسية". وكان لافتاً ما جاء على لسان نورلاند، حين تناول، بصيغة تعليمية، أشياء في صميم سياسة جورجيا الداخلية.

إذ نقل موقع "أبسناي.جي" عنه في 20 سبتمبر/أيلول الماضي، بعد حضوره لقاء دبلوماسيين وبرلمانيين وخبراء مع الرئيس الجورجي مارغفيلاشفيلي، "حضرنا نقاشاً مهماً بخصوص أمن جورجيا القومي ووسائل مواجهة الأزمات. وعلينا ألا ننسى أن هذه المسألة ليست نظرية، لأن الأزمة في جورجيا يمكن أن تتطور في أي وقت. ومن المهم أن يعرف الجميع في السلطة وظائفهم، ومسؤولياتهم وضرورة الاستجابة". علما بأنّ من غير المعروف ما جرى في الاجتماع، وإلى أية مخاطر نبه السفير الأميركي "أصدقاءه" الجورجيين، وما هي الاستجابات الصحيحة من وجهة نظر الولايات المتحدة.

وبما يخدم منحى توجيه الاتهام إلى روسيا، يعمل باحثون سياسيون، على صبّ الزيت في النار، دافعين إلى رؤية الأزمة من زاوية تهديد إقالة الوزير المتهم محيطه بقضايا فساد، لأفق تكامل جورجيا مع الغرب الأطلسي. فنقل موقع "بلاكسيانيوز.نت" عن الباحثة السياسية الجورجية خاتونا غاغنيدزه، قولها "كان ذلك مخططاً له كعملية روسية. وحتى لو أن ذلك لا علاقة له بروسيا البتة، وكان موجهاً ضد إيراكلي ألاسانيا كشخصية سياسية، وحتى لو كان ذلك استجابة غير مهنية من القضاء لخروقات قانونية من جانب السلطة. فالنتيجة واحدة في جميع الحالات، المبادرات المشتركة مع الأطلسي ستنخفض بدرجة كبيرة".

وأما الردّ على الحملة ضد مؤسسة القضاء، فجاء على لسان رئيس الوزراء الجورجي، إيراكلي غاريباشفيلي، الذي نقل الإعلام الجورجي عنه قوله "إنهم، من خلال الإدلاء بتصريحات مضادة للدولة، يشكلون خطراً على الدولة الجورجية وعلى خيار بلدنا. فحكومة جورجيا الحالية مستمرة في طريق تطورها، وهذا النهج ثابت".

دلالات
المساهمون