11 عاماً على الثورة اليمنية: حملات شيطنة وأهداف جديدة

11 فبراير 2022
تظاهرة في تعز خلال سبتمبر الماضي (عبد الناصر الصدّيق/الأناضول)
+ الخط -

لا تزال ثورة 11 فبراير/ شباط 2011 السلمية اليمنية في قفص الاتهام بعد مرور 11 عاماً على اندلاع شرارتها الأولى.

وبدلاً من المضي في تحقيق أهدافها المتعثرة، يجد المقتنعون بها أنفسهم في كل عام مضطرين، على هامش إحيائهم الذكرى ولو بشكل رمزي عبر وسائل التواصل الاجتماعي، إلى الدفاع عنها من حملات شيطنة تتكرر سنوياً من قبل الناقمين عليها.

وتحاول هذه الحملات تحميل الثورة وزر ما آلت إليه البلاد من شتات وتشرذم وفقر، وسط الجزم بأن الثورة هي السبب الرئيسي في الانزلاق نحو حرب مدمرة لا أفق معلوماً لنهايتها.

استعدادات خجولة لذكرى 11 فبراير اليمنية

ولا يزال السجال السنوي سطحياً ومن موقع هامشي. ووفقاً لمراقبين، فإن جوهر الأزمة يكمن في عدم استيلاد تيارات أو تنظيمات من خارج القوى السياسية، تتصدى للمهمات التي طرحتها الثورة أو التي تلك صعدت على أثر هزيمتها.

ويبدو الاستعداد للاحتفال بالذكرى الـ11 للثورة الشبابية اليمنية، المُصادف اليوم الجمعة، باهتاً بشكل لافت.

وخلافاً للتراجع الحاصل في مواقع التواصل الاجتماعي، لم تشهد المدن اليمنية أي تحضيرات رسمية أو شبابية للاحتفاء بالمناسبة، سوى في تعز، المدينة التي شكّلت مهد الاحتجاجات في عام 2011.

وتمّ نصب العديد من الشعارات الإعلانية في الجزر الوسطية (الدوائر المرورية) في شارع جمال عبد الناصر في المدينة، بالتزامن مع تحضيرات لفعاليات سياسية، فضلاً عن إجراء تحضيرات محدودة في مدينة مأرب، جنوب شرقي اليمن.


يرفض أنصار "المؤتمر" إحياء ذكرى الثورة اليمنية

ويقف أنصار حزب "المؤتمر الشعبي العام"، تحديداً الجناح الموالي للرئيس الراحل علي عبد الله صالح، على رأس التيار الرافض لإحياء ذكرى الثورة.

وتبدو أسباب النقمة المؤتمرية مفهومة، كون الثورة الشبابية لم تتسبب في الإطاحة بنظامهم الذي حكم اليمن طيلة 33 عاماً (1978 ـ 2011) فحسب، بل قضت على آمال عائلة الرئيس الراحل في توريث الحكم لنجله أحمد صالح، المُقيم في أبوظبي حالياً، والذي يبدو مستقبله السياسي غامضاً، بسبب العقوبات الدولية المفروضة عليه منذ عام 2015.

كما أدى التحالف الشكلي بين أنصار حزب "المؤتمر" وحزب "الإصلاح" تحت شعار "وحدة الصف ضد الانقلاب الحوثي"، إلى انحسار الزخم المعتاد مع حلول ذكرى ثورة 11 فبراير.

ويقرّ عدد من شباب الثورة في أحاديثٍ لـ"العربي الجديد"، بتراجع الحماسة لذكرى الثورة، مشيرين إلى أن توحيد الجهود على كافة المستويات ضد المليشيات الحوثية هو الهدف السامي في الوقت الراهن، وأنه في حال تحقق الهدف المتمثل بإنهاء الانقلاب، سيتم استئناف الحراك الثوري والمطالبة بتنفيذ ما تبقى من أهداف متعثرة للثورة.

ويعتقد الكاتب وسام محمد، الذي شارك في الانتفاضة الشعبية من ساحات تعز، في حديث مع "العربي الجديد"، أن مهاجمة ما تبقى من أتباع صالح ثورة فبراير يظل مفهوماً، فالثورة أسقطتهم من السلطة وقلّصت نفوذ المؤتمر كحزب حاكم وأحلام أسرة صالح وطموحها في وراثة العرش.

ويرى أن "الأصوات التي تحاول أن تستثمر في الأوضاع العامة المزرية التي وصل إليها اليمن بفعل انقلاب الحوثي، تتناسى أن صالح كان شريكاً، وأن قسماً واسعاً من المؤتمر لا يزال يقاتل في صف الحوثي".

ويضيف: "لا يستحق الأمر النقاش، فما يستحق التعليق عليه فعلاً هو حال القوى التي كانت محسوبة على الثورة، إذ توارت الأحزاب السياسية خلف ركام الحرب وانفصلت عن الواقع وقلّت فاعليتها. وهذا لا يشير فقط إلى مآل هذه الأحزاب، بل أيضاً إلى مآل السياسة التي انهارت فعلياً في العقدين الأخيرين من حكم صالح".

وفيما لا يزال البعض يرفض التسليم بالفشل التام، إلا أن محمد يرى أنه مثلما كانت هناك عوامل موضوعية أدت إلى اندلاع الثورة، كانت هناك عوامل موضوعية والكثير من القصور الذاتي التي أفضت إلى هزيمتها. ونحن اليوم نعيش واقع الهزيمة، ويبدي اعتقاده بأنه على الرغم من ذلك "لا يزال ميدان الثورة مفتوحاً، وأبرز المهمات المطروحة في الوقت الحالي المرتبطة بالثورة هي مواجهة جماعة الحوثي التي تسعى لاستعادة حكم الإمامة السلالي".

الأرشيف
التحديثات الحية

وينخرط المئات من شباب ساحات الثورة، تحديداً في مدينة تعز التي كانت مهد الاحتجاجات، في جبهات القتال ضد جماعة الحوثيين منذ بداية الحرب، على اعتبار أن التصدي للانقلاب هو استكمال للنهج الثوري الذي بدأ في عام 2011.

وحول هذا الوضع، يقول محمد طاهر الشرعبي، وهو أحد شباب الحزب الاشتراكي، الذي التحق بالمقاومة الشعبية في أولى سنوات الحرب، لـ"العربي الجديد"، إن "مواجهة الانقلاب والنضال لدحر حكم رجعي هو من صلب أهداف الثورة الشبابية".

الاصطفاف ضد الحوثي على حساب ثورة 11 فبراير

 بدورهم، ينشط قادة بارزون في حزب "التجمع اليمني للإصلاح" في عملية التركيز على مسألة توحيد الجهود الشعبية والحزبية ضد هدف واحد، هو إنهاء الانقلاب الحوثي، حتى وإن كان ذلك على حساب تحريف الاحتفاء الشعبي المعتاد بثورة 11 فبراير. 


قيادي من "الإصلاح": الثورة لم تحظَ بدعم كافة اليمنيين

وفي السياق، يبرز إطلاق النائب عن "الإصلاح" شوقي القاضي، مساء أول من أمس الأربعاء، نقاشاً على موقع "تويتر" بعنوان: "في ذكرى فبراير، نحن والمؤتمر إخوة وشركاء ضد مشروع انقلاب الحوثي".

ويبدو واضحاً سعي القاضي إلى وكسب ود أنصار حزب "المؤتمر"، بالتأكيد على أن المعادلة اليوم تغيرت، وأنه لا بد من ترتيب المهمات والأولويات ضد عدو جديد هو المليشيات الحوثية.

ولم يكتفِ البرلماني اليمني بشطب كلمة "ثورة" من عنوان النقاش، بل هاجم أيضاً من يقول إن ثورة 11 فبراير حظيت باصطفاف كافة اليمنيين، واعتبر أن منطق التعميم هنا مشابه لمنطق الحوثي، الذي يدّعي أن كل اليمنيين مع مشروعه، وكذلك منطق "المجلس الانتقالي الجنوبي" الانفصالي، الذي يدّعي التكلم بلسان كل سكان الجنوب.

وعلى الرغم من الإجماع على ضرورة توحيد صفوف جميع القوى السياسية ضد مشروع الانقلاب الحوثي، إلا أن بعض الثوار يرفضون التفريط بقيمة ثورة 11 فبراير والاعتزاز بها، من أجل الحفاظ على مشاعر أنصار حزب "المؤتمر".

ويعتقد أصحاب هذا الرأي أن جماعة الحوثيين هي المستفيدة من الاصطفافات الأخيرة، فالثورة لم يعد لها أثر ملموس كخطاب وفعل مستقل، كما أن السلطة التي فقدها أنصار صالح لا يمكن أن تعود، وهو ما يجعل الطرفين المتنازعين على الثورة يبحثان عن مساحات لتبرير عجزهما فقط.

ورفعت ثورة 11 فبراير عدداً من الشعارات الرئيسية، إلا أن الثورة المضادة من الرئيس الراحل والحوثيين والتي أفضت إلى حرب مدمرة لم تنتهِ بعد، حالت دون تحقيق الكثير من الأهداف، وعلى رأسها تطبيق نتائج مخرجات مؤتمر الحوار الوطني الذي انعقد خلال عامي 2013 ـ 2014.

وكانت الإطاحة بالنظام الفردي ومساعيه لتوريث الحكم من أبرز المكاسب المحققة للثورة، على الرغم من أن المحاصصة السياسية جعلت حزب "المؤتمر الشعبي" يحظى بحقائب وزارية في كافة الحكومات المتعاقبة منذ عام 2011.

تقارير عربية
التحديثات الحية

في المقابل، أخفقت الثورة في بناء الدولة المدنية الديمقراطية بسبب الانقلاب الحوثي، كما فشلت في بناء اقتصاد وطني قوي وإعادة بناء المؤسسة العسكرية والأمنية على أسس وطنية.

وتعثرت الثورة في تحقيق هدفٍ أساسي هو استرداد الأموال المنهوبة من النظام السابق، والذي لم يتحقق جراء منح الرئيس الراحل الحصانة بموجب المبادرة الخليجية، التي حلّت محل الدستور اليمني في عملية الانتقال السياسي عام 2012.

وقبيل اندلاع الحرب، كانت حكومة الوفاق التي ترأسها محمد سالم باسندوة، قد شرعت بخطوات عملية لملاحقة أموال صالح، التي ادّعت مصادر إعلامية أنها تتجاوز 60 مليار دولار، وذلك من خلال مناقشة مشروع قانون لاسترداد الأموال المنهوبة.

اعتماد الثورة اليمنية على الأحزاب

ويعزو وكيل وزارة الشباب اليمنية صالح أحمد الفقيه، في حديث مع "العربي الجديد"، عدم تنفيذ أهداف الثورة إلى اتكال روّاد الثورة على ما سمّاها بـ"الأحزاب الشائخة"، ووصف ذلك بـ"الخطأ القاتل".

ويرى أن القوى السياسية ذهبت للبحث عن حساباتها الشخصية، بدلاً من البقاء في الساحات لضمان عبور آمن للمرحلة الانتقالية بعد الإطاحة بمشروع التوريث.


أخطاء ثورة 11 فبراير بحاجة إلى تصحيح وليس الانقلاب

ويقول الفقيه، وهو عضو اللجنة المركزية للمنسقية العليا للثورة، إن "أخطاء مرحلة ما بعد الثورة كانت بحاجة إلى تصحيح وليس الانقلاب الذي ذهبت إليه مليشيا الحوثي الآتية من كهوف التاريخ المظلم، والتي ظلّ قادتها يتحدثون في مؤتمر الحوار الوطني الشامل عن دولة مدنية، في حين كانت تنسج خيوط المؤامرة والانقلاب بإسناد من تجاوزت الثورة عن أخطائهم"، في إشارة للنظام السابق.

ويشدّد الفقيه على أن الثورة "طاقة لا تزال حاضرة في الصدور، وهي كفيلة بإعادة تشكيل أوضاعها من جديد"، لافتاً إلى أن المطلوب الآن هو "التفاف ثوار فبراير واتّحادهم مع كل القوى الوطنية المناهضة للانقلاب، وصياغة مشروع جامع يقضي على الانقلاب، ويعيد اليمن سعيداً كما كان".
(شارك في التغطية من مأرب: نايف القداسي)