"ميكروبات بالأطنان"... سلاح لكوريا الشمالية بعيد عن أعين الاستخبارات الغربية

11 ديسمبر 2017
يبقي كيم جونغ هذا السلاح ورقة احتياطية بيديه(فرانس برس)
+ الخط -
بينما ينصبّ اهتمام الغرب اليوم على الترسانة النووية في كوريا الشمالية، والصواريخ البالستية القادرة على حمل رؤوس انشطارية مدمّرة إلى الشطر الآخر من العالم، لا يزال النظام الشيوعي في بيونغ يانغ يمتلك بعض "المفاجآت" التي لا تعرف عنها وكالات الاستخبارات العالمية الكثير، ويعمل في الخفاء على تصنيع أسلحة أخرى لا تقلّ فتكًا، رغم كلفتها الأقل نسبيًّا، وهي الأسلحة البيولوجية القادرة على نشر الأمراض والجراثيم الخبيثة.

ذلك ما سلّطت صحيفة "واشنطن بوست" الأميركية الضوء عليه، في تحقيق موسّع لها، أمس الأحد، مرتكزة في مطلعه إلى الورقة التي أرسلها مسؤولو المخابرات الأميركية للكونغرس، قبل التجربة النووية الأولى لبيونغ يانغ عام 2006، يحذّرون فيها من أن العمل السري في كوريا الشمالية أيضًا يسير في اتّجاه تصنيع الأسلحة البيولوجيّة، مؤكّدين في هذا السياق، أن كوريا الشمالية جمعت فريقًا من علمائها من أجل ذلك، لكنّها لا تزال تفتقر إلى بعض المهارات التقنية.


لكن بعد عقد من ذلك التاريخ، يبدو أن العقبات التقنية تلك بدأت في الانحسار، إذ يكشف مسؤولون استخباراتيون أميركيون وآسيويون أن كوريا الشمالية تتحرك باطراد للحصول على الأجهزة الأساسية التي يمكن استخدامها في برنامج أسلحة بيولوجية متقدم؛ من المصانع التي بمقدورها إنتاج الميكروبات بالأطنان، إلى المختبرات المتخصصة في التعديلات الوراثية، حتى أن النظام الشيوعي، الذي يخضع لعقوبات صارمة، بات يسخّر إمكانياته لبيعها إلى بعض الدول في العالم النامي.

ذلك التقدّم الذي حققته كوريا الشمالية أثار مخاوف المحللين الأميركيين، الذين يقولون إن الأخيرة تسعى إلى امتلاك أسلحة دمار شامل من كل نوع، ويمكن أن تصعد بسرعة إلى درجة أن تكون منتجة لمسببات الأمراض الحيوية إذا اختارت هي ذلك.

ورغم السريّة التي تتحرّاها بيونغ يانغ في هذا الملفّ، وحالة اللايقين التي ترغب في أن تبقي عليها أعداءها، سحب الزعيم الكوري، كيم جونغ أون، الستار قليلًا عما تخبئه بلاده، حينما زار، عام 2015، "معهد بيونغ يانغ الحيوي". كان الهدف من المعهد المنشأ حديثًا هو تصنيع المبيدات البيولوجية، التي هي في الأساس عبارة عن بكتيريا حيّة لقتل الديدان واليرقات المهددة لمحصول كوريا الشمالية الزراعي.

لكن وراء الهدف المعلن للمعهد، كانت ثمّة أغراض خفيّة حملتها تلك الزيارة التي يبدو أنّها كانت "متعمدة"، كما يستنتج معدّ التقرير. فقبل أسبوع من ذلك، وتحديدًا في 28 مايو/أيار، اعترفت وزارة الدفاع الأميركية، علنًا، بأن عينات حيّة من بكتيريا الجمرة الخبيثة شُحنت "عن طريق الخطأ" إلى قاعدة عسكرية في كوريا الجنوبية. ذلك ما دفع الجارة الشمالية لأن تتقدّم بعد أيام من ذلك، وتحديدًا في 4 يونيو/حزيران، بشكوى إلى الأمم المتحدة، معتبرة الحادثة دليلًا على "مخططات الحرب البيولوجية" الأميركية ضدّ شعبها. وبعد يومين من ذلك، جاءت زيارة كيم جونغ إلى المعهد المذكور، ما يوحي بأنه كان يريد إيصال رسالة من ورائها.

بعض الخبراء الذين عاينوا الصور المعروضة لزيارة الزعيم الكوري كانوا متشككين حيال الأمر؛ إذ لاحظوا، من جهة، غياب السترات الواقية التي توجد عادة في المختبرات العاملة مع مسببات الأمراض القاتلة، غير أنهم تساءلوا، في المقابل، عن السبب الذي يدفع كوريا الشمالية لشراء معدات صناعية باهظة الثمن بأسعار السوق السوداء فقط لصناعة المبيدات التي يمكن شراؤها بأسعار أرخص بكثير من الصين، وبطريقة قانونية.

ورغم ذلك، كان تحديد قدرات كوريا الشمالية الدقيقة، ونوايا النظام هناك لاستخدام مثل تلك الأسلحة، من بين أصعب التحديات الاستخبارية بالنسبة للمحللين الأميركيين، كما تلخّص الصحيفة. غير أن التقييمات الرسمية التي أجرتها وكالات المخابرات الأميركية وكوريا الجنوبية خلصت عمومًا إلى أن بيونغ يانغ أجرت تجارب على بعض السلالات البكتيرية، بما فيها الميكروبات التي تسبب الجمرة الخبيثة والكوليرا والطاعون. ويعتقد المحللون الأميركيون أيضًا أن كوريا الشمالية تمتلك، منذ منتصف التسعينيات، فيروس الجدري، وهو استنتاج يستند جزئيًا إلى اكتشاف الأجسام المضادة في مجرى الدم للجنود الكوريين الشماليين الذين فروا إلى الجنوب في الثمانينيات والتسعينيات.

وفي الوقت الذي يستعد فيه المخططون العسكريون لحرب محتملة قد تندلع في أية لحظة مع التوتّرات القائمة، تجهزت قبلها المقاتلات الأميركية والكورية الجنوبية لضرب أية منشآت كيميائية أو بيولوجية لكوريا الشمالية من الجو، فإن الخطط الجديدة ستتضمن افتراض أن فرق المشاة قد تواجه مجموعة من المخاطر الكيميائية والبيولوجية على أرض المعركة، وهي مخاطر قد تكون غير مرئية بالنسبة للقوات البرية سريعة الحركة، كما يقول مسؤولون أميركيون سابقون وحاليون للصحيفة.

ولكن تبقى للجراثيم، بوصفها أسلحة عسكرية، عيوب بارزة، إذ تصعب السيطرة عليها، وربّما تأخذ ساعات أو أيامًا للقتل أو التعطيل. إزاء ذلك، فإن الرأي السائد بين المخططين العسكريين هو أن كيم جونغ يختار أن يحمل بطاقة الأسلحة البيولوجية الخاصة به احتياطًا في الوقت الراهن، في حين يعكف علماؤه على بناء القدرة لتصنيع كميات كبيرة من مسببات الأمراض بسرعة. والآن بما أن كوريا الشمالية باتت مجهزة بمصانع حديثة وفرق من الأخصائيين المدربين، حسب حديث مسؤول رفيع للصحيفة، فمن الممكن أن يحدث ذلك التحول الكبير في غضون أسابيع، أو حتى أيام.

لكن السؤال الذي تطرحه الصحيفة، في هذا السياق، على لسان مسؤول أميركي كبير مطّلع على الاستعدادات العسكرية الكورية، هو لماذا يحصل الكوريّون على كلّ تلك المواد الخام ويطوّرون معرفتهم في هذا المجال دون أن ينتجوا حتى الآن أسلحة بيولوجية؟

غير أن المسؤول ذاته، كغيره ممن قابلتهم الصحيفة، يقرّ أيضًا بأن وكالات التجسس الأميركية ربّما لم تكتشف بعد أي تحوّل جذري في برنامج كوريا الشمالية، إذ إن القدرات الجديدة التي اكتسبتها الأخيرة في مجال تصنيع الأسلحة البيولوجية كامنة في المصانع المدنية التي تعمل ظاهريًا في تصنيع المنتجات الزراعية والصيدلانية.

ويقول المسؤول السابق، بلا مواربة: "إذا بدأ (الهجوم) غدًا فربّما لا نعرف بالأمر.. إلا إذا كنا محظوظين بما فيه الكفاية بامتلاك عميل قد يصدف أن يكون في المكان المناسب".