خطاب ملك المغرب في ذكرى "ثورة الملك والشعب":أفريقيا تغيب قضايا الداخل

22 اغسطس 2017
العاهل المغربي في 2016 (فضل سنا/فرانس برس)
+ الخط -
نزل خطاب العاهل المغربي محمد السادس، بمناسبة الذكرى الـ64 على قيام "ثورة الملك والشعب"، برداً وسلاماً على عدد من المسؤولين والوزراء، وحتى الأحزاب السياسية، الذين كانوا يضعون أياديهم على قلوبهم خشية أن يتطرق الخطاب إلى قرارات حاسمة زجرية في حقهم، بالإعفاء أو المحاسبة.

الخطاب الملكي، الذي بُث ليلة الأحد ـ الاثنين، خلا من القرارات التي كان ينتظرها الرأي العام الوطني، وروج لها العديد من المحلليين والمهتمين بالشأن السياسي في البلاد، بخصوص تداعيات الاحتقان في عدد من المناطق، وتفاعلاً مع ما يسمى "حراك الريف" الممتد منذ أشهر.

وذهب قطاع عريض من الرأي العام الداخلي، ومعه تعليقات وتحليلات الكثير من المنابر الإخبارية، إلى أن خطاب 20 أغسطس سيفرده الملك للحسم في قرارات قد تخلط أوراق المشهد السياسي والحزبي بالبلاد.

وكثرت التكهنات والتوقعات حيال ما يعتزم رئيس الدولة المغربية اتخاذه من "قرارات كبرى"، من إعلان لحل البرلمان والشروع في انتخابات مبكرة، إلى إعفاء مسؤولين ووزراء بعينهم، أو تقديم رئيس الحكومة لاستقالته، بل وصلت التحليلات إلى حد التكهن بإمكانية إعلان الملك حالة الاستثناء في البلاد.

هذه القرارات السياسية التي تم الترويج لها لم تأت اعتباطاً، بل جاءت في سياق استمرار أزمة الريف المستفحلة منذ أكتوبر/تشرين الأول الماضي، على الرغم من أن حدة الاحتجاجات خفت بشكل ملموس، كما أتت في خضم غصب ملكي واضح حيال الطبقة السياسية.

وكان العاهل المغربي قد أفرد في "خطاب العرش" ليوم 30 يوليو/تموز الماضي حيزاً هاجم فيه بشكل غير مسبوق الطبقة السياسية المغربية، إلى حد قوله إنه لا يثق في عدد من السياسيين.

وألقى محمد السادس باللائمة على الأحزاب السياسية في ما يجري من تذمر واحتقان اجتماعي في مدينة الحسيمة بالخصوص، ودعا المسؤولين إلى العمل بجدية أو الاستقالة من مناصبهم.

وخلال الأسابيع الثلاثة التي فصلت بين خطاب العرش وخطاب ثورة الملك والشعب، ارتفع الضغط السياسي كثيراً. وشهدت الفترة نفسها استقالة زعيم حزب الأصالة والمعاصرة إلياس العماري، فيما تردد أن الملك مقبل على قرارات بإعفاء مسؤولين كبار في البلاد.

وجاء "الخطاب المنتظر" مخيباً لمن كانوا يتوقعونه خطاباً صارماً مثل سابقه، أو من كانوا يتنبؤون بقرارات الإقالة، إذ تضمن في مجمله الحديث عن علاقات المغرب مع القارة الأفريقية كخيار استراتيجي للدولة.

وكان لافتاً في الخطاب المذكور انتقاد الملك لبعض الأصوات "القليلة" التي كانت تتحدث عن تبذير المغرب لثرواته في أفريقيا عوض أن يستفيد منها الشعب المغربي، خاصة في مناطق الاحتقان مثل الريف.

العاهل المغربي كان حاسماً في هذه النقطة، بل وصف من يروّج لما سماها المغالطات، بأنه لا يريد الخير والمصلحة للبلاد، معتبراً أن توجه المغرب نحو أفريقيا له فوائد على الاقتصاد الوطني، وأيضاً على قضية الوحدة الترابية للمملكة.

ويمكن تفسير خلو خطاب الملك من أية إشارات إلى السياسة الداخلية، وعدم تضمنه لأية قرارات حاسمة كما مهد لذلك في خطاب العرش، إلى عوامل عدة رئيسة، أولها أن الخطاب يتعلق بذكرى منفى جده السلطان محمد الخامس إلى مدغشقر خلال فترة الاستعمار الفرنسي.

ولأن "المناسبة شرط" كما يقال، فإن الخطاب لم يكن ممكناً أن يتطرق إلى السياسة والأوضاع الداخلية للبلاد، بقدر ما كان مطلوباً منه الحديث عن القارة السمراء، وعلاقات المغرب معها في إطار مبدأ رابح رابح.

أما الدافع الثاني لعدم طرح الملك المغربي قرارات سياسية تتعلق بالوضع في الحسيمة مثلاً، فيعود إلى كون العاهل المغربي دأب منذ اعتلائه سدة الحكم في يوليو/تموز 1999، على أن يخصص خطاب العرش للوضع الداخلي وخطاب "ثورة الملك والشعب" للسياسة الخارجية للمملكة.

أما السبب الثالث الذي أبعد القرارات الحاسمة من الخطاب الملكي الجديد، فيتمثل في انتظار رئيس الدولة لنتائج التحقيق الذي باشرته لجنة مشتركة بين وزارتي الداخلية والمالية بخصوص المتسببين في تعثر مشروع الحسيمة منارة المتوسط الذي سبق للملك أن أطلقه سنة 2015 ولم تنفذ عدد من مشاريعه على أرض الواقع، ما أفضى إلى احتقان سكان المنطقة.

وتبعاً لهذا المعطى، فإن العاهل المغربي لا يمكنه أن يبت في معاقبة مسؤولين، والإعلان عن ذلك إلا إذا اكتملت لديه الصورة بشأن المتورطين في تعثر مشاريع الحسيمة، وبالتالي التسبب في موجة الاحتجاجات الشعبية بالمنطقة.

وتفيد مصادر مطلعة بأن لجنة التحقيق أنهت عملها من خلال الإنصات لعدد من المسؤولين المعنيين بالملف، وبأن نتائج التحقيق الإداري هذه ستضاف إليها تقارير أجهزة أمنية، حتى تتضح الصورة والحقائق بشأن تعطيل تنمية الحسيمة.

وينتظر الكثير من المغاربة "القرارات الحاسمة" التي تعاقب مسؤولين على ما يحصل في الريف، والتي من المرتقب أن يتم الحسم فيها عند "الدخول السياسي" في البلاد، والذي ينطلق في شهر أكتوبر من كل سنة.

خطاب الملك الذي خصصه للسياسة الخارجية سبقه قراره بالعفو عن 13 سجيناً من معتقلي ما يسمى "السلفية الجهادية" في خطوة اعتبرت إبداء حسن نية من الدولة لحلحلة هذا الملف الذي دام طويلاً منذ تفجيرات الدار البيضاء سنة 2003.

ومقابل العفو الملكي عن 13 معتقلاً سلفياً، وهي الخطوة التي سبقتها في سنوات مضت عفو عن مشايخ وسلفيين أيضاً أعلنوا مراجعتهم لفكرهم "المتطرف"، وتمسكهم بثوابت البلاد ونظامه الحاكم، فإن العفو "تجاهل" معتقلي حراك الريف الذين يترقبون العفو الملكي المقبل بمناسبة عيد الأضحى.


المساهمون