يوسف أوشيش... المرشح الجزائري الرئاسي الطامح بكسر احتكار جيلي الثورة والاستقلال

05 سبتمبر 2024
يوسف أوشيش خلال اجتماع انتخابي، بجاية، أغسطس 2024 (فرانس برس)
+ الخط -

استمع إلى الملخص

اظهر الملخص
- يوسف أوشيش، الأمين العام لحزب جبهة القوى الاشتراكية، يترشح للرئاسة الجزائرية بعمر 41 عامًا، ويهدف لكسر النموذج التقليدي للمرشح الرئاسي.
- نشأ في منطقة القبائل، وشارك في النشاط السياسي خلال دراسته بجامعة الجزائر، وعمل في الصحافة والبرلمان، مما عزز معارفه السياسية.
- شهدت مواقفه تحولات بعد المؤتمر السادس للحزب، حيث تخلى عن بعض المطالب التاريخية وركز على الحوار مع السلطة وتعزيز قيم التعايش والتسامح.

عندما فازت الجزائر على ألمانيا في مونديال إسبانيا عام 1982، لم يكن يوسف أوشيش قد وُلد بعد، إذ أبصر النور في يناير/ كانون الثاني 1983، ومع ذلك يطمح أوشيش، السياسي الشاب، الأمين العام لحزب جبهة القوى الاشتراكية، والمرشح في الانتخابات الرئاسية الجزائرية المقررة في السابع من سبتمبر/ أيلول الحالي، إلى بلوغ منصب الرئاسة وهو في الـ41 من عمره. قد يبدو الأمر صعباً في بلد كالجزائر، معقد في بيئته السياسية وفي منظومة حكمه واستحقاقاته، على الرغم من أن أول رئيسين للجزائر، أحمد بن بلة (1963-1965) وهواري بومدين (1965-1978)، كانا في العقد الرابع من العمر عندما تسلّما زمام الحكم.

في السابع من يونيو/ حزيران الماضي، قرر حزب "جبهة القوى الاشتراكية" تزكية يوسف أوشيش مرشحاً للاستحقاق الرئاسي الذي يتنافس فيه الرئيس عبد المجيد تبون (78 عاماً)، ورئيس حركة مجتمع السلم عبد العالي حساني (58 عاماً). تجاوز هذا القرار الكثير من الحواجز السياسية المرتبطة بطبيعة الاستحقاق الرئاسي مقارنة بالعمر السياسي لأوشيش، ما يُحسب للحزب. وبغض النظر عن النتائج المتوقعة، فإن هذه المحطة ستمثل منعطفاً مهماً في مسار هذا السياسي الشاب وتجربته السياسية، كذلك بالنسبة لحزبه في الاستحقاقات السياسية المقبلة.

يوسف أوشيش عضو في مجلس الأمة منذ بداية فبراير/ شباط 2022

يقدّم يوسف أوشيش الذي ينحدر من منطقة بوغني في منطقة القبائل شرقي الجزائر، نفسه بصفته مرشحا شابا يسعى في اتجاهين، الأول كسر النموذج التقليدي لصورة المرشح الرئاسي المرتبطة في الغالب بعمر ومسار سياسي طويل، تكريس رغبة جامحة لجيل سياسي شاب في الجزائر، يطالب بحقه في حمل المشعل والمشاركة من مستوى أعلى في صنع القرار في البلاد. أما الاتجاه الثاني فهو تجاوز عقدة تحكّم جيلين، هما جيل الثورة (1954) وجيل ما بعد الاستقلال (1962)، في الحكم وتدبير الشأن العام.

يوسف أوشيش النموذج الشاب

يوسف أوشيش من منطقة متمردة سياسياً على السلطة، منذ فجر الاستقلال، عاش محطات صدام وخلافات سياسية بين المنطقة والسلطة، بسبب المطلب الأمازيغي، سواء في إضراب المحافظة عام 1994 (إضراب المدارس في منطقة القبائل) أو أحداث الربيع الأسود الدامية (بين قوات الأمن الجزائرية والمتظاهرين الأمازيغ) في فترة إبريل/ نيسان ويونيو/ حزيران 2001، والتي تزامنت مع دخول أوشيش إلى جامعة الجزائر التي درس فيها العلوم السياسية والعلاقات الدولية، وانضم حينها للنشاط السياسي في إطار تنظيم طلابي تقدمي. لعب هذا النضال الطلابي الذي جاء في فترة صراع حاد وغليان سياسي بين السلطة والمعارضة، بسبب ما تلا أحداث عام 2001، بالنسبة لأوشيش دوراً في تشكيل وتعزيز الخطاب النقدي ضد السلطة، خصوصاً مع انضمامه إلى حزب جبهة القوى الاشتراكية الذي تبنى في تلك الفترة مواقف راديكالية ضد السلطة، وطالب بالانتقال الديمقراطي وبإنشاء مجلس تأسيسي.

بعد التخرج من الجامعة، مارس يوسف أوشيش الصحافة لفترة أربع سنوات بين عامي 2008 و2012، في صحيفة محلية. بعد الانتخابات النيابية التي جرت عام 2012، ومشاركة حزبه، جبهة القوى الاشتراكية، توفرت لأوشيش فرصة العمل في كتلة الحزب ملحقا برلمانيا طيلة تلك الولاية النيابية التي كُلّف فيها أيضاً بالإعلام في الحزب. وأتاح له العمل الإداري في البرلمان فرصة إضافية لتعزيز شبكة معارفه السياسية والقانونية ومتابعة عن قرب لعمل المؤسسة التشريعية، وكذا لطبيعة العلاقات الوظيفية بين البرلمان والحكومة وكيفية إدارة الصراع السياسي بين الكتل النيابية.
دخول البرلمان

تخلى حزب جبهة القوى الاشتراكية عن بعض مطالبه التاريخية بعد المؤتمر السادس للحزب نهاية 2022

في الانتخابات المحلية التي جرت في نوفمبر/تشرين الثاني 2017، ترشح يوسف أوشيش على رأس قائمة جبهة القوى الاشتراكية في المجلس الشعبي الولائي (الغرفة الأولى في البرلمان) لولاية تيزي وزو، عاصمة منطقة القبائل، إذ قاد حزبه إلى الفوز برئاسة المجلس الشعبي الولائي (برلمان محلي) لتيزي وزو. وخلال تلك الفترة كان قد شهد الحزب صراعات وانقسامات داخلية وسلسلة استقالات، بسبب تباين في الخيارات بين خطين من القيادات، الراديكالية من جهة وذات التوجه الأقل راديكالية من جهة أخرى، استمر خلال فترة الحراك الشعبي عام 2019، قبل حسم الصراع عبر مؤتمر استثنائي، قاد نحو عقد المؤتمر العام للحزب منتصف 2020.

في يوليو/ تموز 2020، أعلنت الهيئة الرئاسية للحزب تعيين يوسف أوشيش سكرتيراً أولاً (أميناً عاماً) للحزب، بدأ فيها السياسي الشاب مرحلة سياسية جديدة، تزامنت مع انتخابات محلية أخرى في نوفمبر 2021، ترشح فيها أوشيش مجدداً للمجلس الولائي (بعد مقاطعة الحزب للانتخابات النيابية التي جرت في مايو من العام نفسه)، وفاز فيها. لكن عين أوشيش هذه المرة كانت باتجاه الغرفة الثانية للبرلمان، أي مجلس الأمة، إذ كانت انتخابات التجديد النصفي لهذا المجلس (يترشح وينتخب فيها فقط أعضاء المجالس البلدية والولائية لانتخاب عضو واحد عن كل ولاية)، وأصبح أوشيش حينها عضواً في مجلس الأمة منذ بداية فبراير/ شباط 2022.

من الواضح أنه مع كل اقتراب من مؤسسات الدولة، تزيح الواقعية السياسية المواقف والتصورات الراديكالية، وهذا بالفعل ما يمكن أن يلاحظ ضمن تحولات الخطاب السياسي الذي تبنّاه أوشيش وحزب جبهة القوى الاشتراكية، منذ تغير القيادة بعد المؤتمر السادس للحزب في نهاية 2022. ليتخلى الحزب بعدها، بموجب إجراء مراجعات سياسية جادة، عن بعض مطالبه التاريخية مثل مطلب المجلس التأسيسي والمرحلة الانتقالية، ويبدي حرصاً أكبر على مؤسسات الدولة واستقرار البلاد، تزامناً مع تطورات عدة وتعاظم حجم تنظيمات انفصالية في منطقة القبائل، كان الحزب نفسه ضحية لنشاطها وضغوطها في تلك المنطقة.

يذهب أوشيش في هذا السياق إلى أبعد من ذلك، وكسر حاجز سياسي مع السلطة من خلال القبول بالحوار مع تبون، حين عمد إلى مراجعة موقف حزب جبهة القوى الاشتراكية من المسألة الدينية وإنهاء الصورة المشوشة لعلاقة الحزب مع هذا البعد المكون للشخصية الجزائرية، من خلال تركيزه على الدعوة إلى تكريس قيم الإسلام في التعايش والتسامح ونبذ التطرف، واحترام الزوايا الصوفية التي حافظت على الإسلام في زمن الاستعمار الفرنسي.

المساهمون