يُشكل التزام سويسرا بـ"الحياد" والامتناع عن المشاركة في الحروب، الذي يدفعها إلى حظر تصدير الأسلحة والذخيرة إلى مناطق النزاعات، عائقاً أساسياً أمام حلف شمال الأطلسي (الناتو)، الذي يسعى إلى منح أوكرانيا مخزوناته من أسلحة سويسرية الصنع، لا يمكن استبدال أي منها بسهولة، بحسب تقرير نشرته صحيفة "وول ستريت جورنال"، أمس الثلاثاء.
مع احتدام الحرب على أوكرانيا، بدأ نقص الذخيرة يؤثر على مجريات الحرب، خصوصاً أن أوكرانيا تنفق ذخيرة أكثر بكثير من حسابات الدول الغربية، وهو ما دفع البرلمان السويسري إلى إعادة التفكير في أحد أعمدة الهوية السويسرية، وهو الالتزام بـ"الحياد"، بسبب الضغوطات الغربية عليها.
وبالإضافة إلى الضغوط الغربية، يخطط المشرعون الأوكرانيون من لجنة الشؤون الخارجية بالبرلمان لإرسال وفد خاص لزيارة العاصمة السويسرية برن، للمطالبة بتغيير السياسة.
في هذا السياق، يقول رئيس الوفد أولكسندر ميريزكو: "إنهم (سويسرا) بحاجة إلى بذل المزيد من الجهد لمساعدة أوكرانيا".
وكانت قبلها قد اشتكت إسبانيا والدنمارك من رفض برن السماح بتصدير أنظمة الدفاع الجوي من طراز "أسبايد" ومركبات المشاة القتالية "مواغ بيرانا" إلى أوكرانيا، وكلاهما يحتوي على أجزاء سويسرية الصنع، ويحتاج موافقتها على ذلك.
كما مارست برلين، في وقت سابق، ضغوطاً متكررة على سويسرا لتغيير سياستها بعدما رفض طلبات الإذن بإرسال ذخيرة من صنع سويسري إلى أوكرانيا، كانت قد حصلت عليها ألمانيا منذ عقود.
وقال رئيس حلف "الناتو" ينس ستولتنبرغ، الشهر الماضي: "في حالة أوكرانيا، لا يتعلق الأمر بالحياد (...) يتعلق الأمر باحترام الحق في الدفاع عن النفس وحماية سيادة القانون والدفاع عن ميثاق الأمم المتحدة".
فيما شدّدت رئيسة المفوضية الأوروبية، الهيئة التنفيذية للاتحاد الأوروبي، أورسولا فون دير لاين، على أنّ "الامتناع عن التصويت ليس خياراً لسويسرا (...) على كل فرد أن يكون واضحاً في مواقفه: القانون أو قانون القوة، الديمقراطية والحقوق الأساسية أو الاستبداد".
ومع كل هذا، ما زالت سويسرا تمتنع عن التصدير، لأن هذا يمكن أن يكون تنازلاً عن جزء من نظامها الدستوري.
يُذكر أن سويسرا تتخذ موقف "الحياد" منذ عام 1515، بالتحديد عندما هزمت فرنسا الاتحاد السويسري القديم. منذ ذلك الحين، حاولت برن، إلى حد كبير، الابتعاد عن حروب أوروبا، إذ اعترفت القوى المجاورة بوضعها في معاهدة باريس لعام 1815، وظلت محايدة خلال الحربين العالميتين في القرن العشرين.
على أثر ذلك، تتخذ سويسرا اليوم موقفاً يسمى "الحياد المسلح"، الذي تنظمه المعاهدات الدولية والتشريعات المحلية، مما يعني أنّ البلاد تحتفظ بقوى كبيرة لحماية سيادتها، ولكنها تبقى بعيدة عن النزاعات الخارجية.
لكن في الأسابيع الأولى من الغزو الروسي لأوكرانيا، نجح القادة الأوروبيون والمتظاهرون المحليون في الضغط على سويسرا للانضمام إلى عقوبات الاتحاد الأوروبي ضد موسكو، مما دفع روسيا إلى إضافة سويسرا إلى قائمة "الدول غير الصديقة".
أثارت الضغوطات من دول مثل ألمانيا، أكبر مستهلك للأسلحة السويسرية، والتي هددت بإلغاء عقود طويلة الأجل مع شركات سويسرية، نقاشاً في البرلمان السويسري حول تعديل قوانينها للسماح لدول ثالثة محددة بإعادة تصدير الأسلحة والذخيرة.
صاغ المشرعون السويسريون مجموعة من التعديلات على القانون الذي ينظم تجارة الأسلحة التي من شأنها أن تفتح أُذونات إعادة التصدير، لكن ليس من الواضح ما إذا كان بإمكانها حشد الأغلبية في البرلمان، حتى إذا تم تبني الاقتراح قريباً، ستستغرق العملية من ثلاثة إلى ستة أشهر، ولن يدخل التغيير حيز التنفيذ إلا في وقت مبكر من العام المقبل، وفقاً للعديد من المشرعين.
وتضمن الاقتراح مادة تسمح بإلغاء تعهدات عدم إعادة التصدير التي يجب على الدول التي تشتري الأسلحة السويسرية التوقيع عليها "في الحالات التي يكون فيها انتهاك للحظر الدولي"، وفق بيان صادر عن اللجنة.
وأبقى الاقتراح الباب مفتوحاً أمام الحكومة السويسرية لوقف إعادة تصدير الأسلحة، في الحالات التي يشكل فيها ذلك مخاطر "كبيرة" على السياسة الخارجية السويسرية.
ومن المرجح أن يحتاج البرلمان بكامل أعضائه إلى منح موافقته على هذا الاقتراح قبل تعديل القانون.
وحض بيان اللجنة على ضرورة الإسراع بإقرار التعديل الذي يجب أن يظل سارياً حتى نهاية عام 2025، كما وأشار البيان إلى أن "غالبية أعضاء اللجنة اعتبروا أنه ينبغي على سويسرا أن تساهم في الأمن الأوروبي عبر تقديم المزيد من المساعدات الهامة إلى أوكرانيا".
يقترح أحد أكبر المشرعين في الحزب الليبرالي في سويسرا، بحسب الصحيفة، إعفاءً خاصاً لـ25 دولة تشترك في القيم السويسرية والأحكام القانونية، لتكون قادرة على إعادة تصدير الأسلحة والذخائر سويسرية الصنع إلى دول ثالثة.
هذه الدول هي: شركاء سويسرا الأوروبيون، بالإضافة إلى الولايات المتحدة وكندا وأستراليا واليابان، ولكن لن تتمكن هذه الدول من إعادة التصدير إلا بعد خمس سنوات من شراء العتاد.