وساطة قاآني: حكومة عراقية لا تستوجب مشاركة جميع الكتل

18 يناير 2022
قآاني والقائد العام للحرس حسين سلامي (الأناضول)
+ الخط -

يحمل زعيم "فيلق القدس" في الحرس الثوري الإيراني الجنرال إسماعيل قاآني، في زيارته الثالثة إلى العراق منذ إجراء الانتخابات البرلمانية في 10 أكتوبر/ تشرين الأول الماضي، مبادرة جديدة، يأمل من خلالها تفكيك الأزمة السياسية الحالية، في البلاد المتعلقة بتشكيل الحكومة العراقية بنسختها الثامنة منذ الغزو الأميركي للبلاد عام 2003.

زيارة قاآني التي بدأها مساء الأحد من النجف، تتزامن أيضاً مع وصول محمد كوثراني، الذي يجري تقديمه في الوسط السياسي العراقي على أنه ممثل حزب الله اللبناني في العراق.

كما تأتي بعد عدة اجتماعات سياسية للقيادات العراقية الشيعية في النجف وبغداد لم تسفر عن أي حلحلة للأزمة. ويتمحور الخلاف حول إصرار زعيم التيار الصدري مقتدى الصدر، الفائز بالانتخابات التشريعية، على ما يسميه حكومة أغلبية وطنية، رافضاً في بيانات متكررة له "خلطة العطار" التي تقوم على أساس حكومة توافقية يشارك فيها جميع الكتل والقوى السياسية.

جولة قآاني في النجف

ووصل قاآني مساء أول من أمس الأحد، إلى مدينة النجف آتياً من طهران، في وقت متزامن مع وصول كوثراني، الذي زار بغداد أولاً، آتياً من العاصمة اللبنانية بيروت. وأجرى قاآني بعد وصوله إلى النجف جولة في المدينة القديمة زار خلالها المراقد الدينية المقدسة، وانتقل بعدها لزيارة قبر المرجع الديني محمد الصدر والد زعيم التيار الصدري مقتدى الصدر، في رسائل سياسية تهدف وفقاً لمراقبين إلى ترطيب الأجواء بين الجنرال الإيراني وزعيم التيار الصدري، قبل أن ينتقل إلى بغداد ويجري لقاءات مع القوى الحليفة لإيران. وعقب ذلك عاد إلى النجف حيث عقد اجتماعاً مغلقاً مع زعيم التيار الصدري في منطقة الحنانة بمدينة النجف. 

وقالت مصادر سياسية مطلعة على الحوارات التي يجريها الجنرال الإيراني لـ"العربي الجديد"، إن هدف اللقاء "دفع الصدر نحو التحالف مع قوى الإطار التنسيقي، وتشكيل حكومة تجمع الطرفين معاً، والإبقاء على امتياز الكتلة الأكبر داخل البرلمان داخل البيت السياسي الشيعي، على غرار الدورات الانتخابية السابقة".


يحمل قآاني مبادرة لحلّ الملف الحكومة ورسالة من خامنئي

وحول هذه التطورات، كشفت مصادر رفيعة في بغداد والنجف لـ"العربي الجديد"، عن مبادرة يحملها قاآني إلى القيادات الشيعية، مع رسالة شفوية من المرشد الإيراني علي خامنئي، تتضمن التأكيد على "خطورة الانقسام الحالي"، وتتحدث عن "مؤامرة غربية تستهدف الإنجازات السياسية المتحققة في العراق".

بدوره، قال قيادي بارز في تحالف "الفتح"، الجناح السياسي لـ"الحشد الشعبي في العراق"، في حديثٍ مع "العربي الجديد"، إن زيارة قاآني تهدف إلى حل الأزمة الحالية، وقد لا يغادر العراق قبل تأمين الحل، خصوصاً بعد تأثر الملف الأمني بالأزمة السياسية الحالية.

وأضاف أن الوساطة الإيرانية قد لا تستوجب الضغط لدخول كل الكتل السياسية الشيعية في ملف الحكومة التوافقية، وسيناريو مشاركة أغلبية الكتل وليس كلها مطروح بقوة، بسبب إصرار مقتدى الصدر على وضع فيتو بوجه مشاركة نوري المالكي في الحكومة المقبلة.

وهو ما يعني، وفقاً للقيادي، دخول غالبية قوى "الإطار التنسيقي" بالحكومة وليس كلها، لكن حتى الآن كل شيء قابل للتفاوض، والتغيرات قد تطرأ في أي وقت إذا اجتمع قاآني والصدر.

بدورها، كشفت مصادر أخرى في بغداد، أحدهم نائب بالبرلمان الجديد عن قوى "الإطار التنسيقي"، لـ"العربي الجديد"، أن قاآني سيلتقي أيضاً قيادات سياسية سنية وكردية في زيارته الحالية للعراق، بمساعدة كوثراني المعروف بعلاقته الجيدة مع تلك القوى وتحديداً السنية منها.

وبحسب النائب ذاته، فإن الاجتماع الذي عقده قاآني في بغداد، أمس الإثنين، مع قادة وممثلين عن "الإطار التنسيقي"، واستمر لأكثر من ثلاث ساعات ركز على "أهمية احتواء الخلافات الحالية التي تأخذ جانباً شخصياً بين قادة الكتل السياسية الشيعية".

وأضاف أن "قاآني نقل رسالة من المرشد علي خامنئي، تحذر من خطورة دخول فصائل المقاومة الإسلامية على خط الأزمة الحالية، وأهمية إنهاء التوتر وحل الخلافات الشخصية بين الصدر والمالكي من جهة، والصدر وزعماء بعض الفصائل من جهة ثانية".

لكن مصدراً آخر من التيار الصدري، قال إن "الصدر فضّل أن يسمع قاآني من قادة الإطار التنسيقي أولاً في بغداد". وأضاف في حديثٍ مع "العربي الجديد"، أن هناك ترحيباً بدخول الإطار التنسيقي الحكومة مع التيار الصدري، لكن من دون كتلة دولة القانون بزعامة نوري المالكي.


يتمحور الحل حول مشاركة جزء من الإطار التنسيقي في الحكومة

ومنذ إعلان نتائج الانتخابات التي أجريت في 10 أكتوبر الماضي، وحصل فيها الصدر على المرتبة الأولى بنحو 73 مقعداً في البرلمان، غرَّد الصدر عبر "تويتر" بعبارة أعاد كتابتها في أكثر من مناسبة، وهي "لا شرقية ولا غربية... حكومة أغلبية وطنية".

ولم تصدر أي توضيحات أو مخرجات عن اجتماعاته مع قادة الأحزاب الشيعية وغيرها، وهو ما يؤكد التزامه بموقفه.

زيارة قآاني لمنع تفكك القوى الشيعية

من جهته، اعتبر محمد الصيهود القيادي في ائتلاف "دولة القانون"، التي يتزعمها نوري المالكي، أن زيارة قاآني "تهدف بالدرجة الأولى لمنع تفكك القوى السياسية الشيعية أو إقصاء أي منها".

وأضاف في حديثٍ مع "العربي الجديد"، أن "الإيرانيين يؤمنون بوجود عوامل خارجية تساهم في هذا التفكك ودخولهم على خط الوساطة يأتي انطلاقاً من هذا المفهوم".

ورفض الصيهود الحديث عن تدخل إيراني في الشأن الداخلي العراقي، معتبراً أن "هدف الزيارة يتمحور حول اصطفاف القادة الشيعة في صف واحد من أجل النهوض بواقع المحافظات الشيعية، والمقابلات التي أجراها الجنرال قاآني مع قادة الإطار التنسيقي، والتي سيجريها مع زعماء سياسيين تسعى لهذا الهدف، وليس أكثر من ذلك". ونفى أن يكون هناك توجه إيراني لتحييد أو إقصاء أي كتلة شيعية من ملف تشكيل الحكومة.

مشاركة جزء من "الإطار التنسيقي" في الحكومة

لكن القيادي في "الإطار التنسيقي"، أحمد الموسوي قال عقب انتهاء الاجتماع الذي جرى بين قاآني وقادة "الإطار"، إن قاآني سيبلّغ الصدر بوجود إمكانية بدخول جزء من "الإطار" مع التيار بالحكومة المقبلة، في إشارة إلى تنازل "الإطار التنسيقي" للصدر من أجل حل الأزمة.

وأضاف الموسوي في تصريح للصحافيين ببغداد: "الجمهورية الإسلامية الإيرانية ترى أن من الممكن دخول جزء من الإطار بالحكومة والقبول بأقل الخسائر، على أن يبقى هذا الجزء متحالفاً مع الجزء الذي لن يشارك في الحكومة، داخل البرلمان".

وتُعتبر هذه الخطوة بمثابة تكريس قوة "الكتلة الأكبر" ووقف مساعي الصدر بخلق كتلة كبرى من تحالفات مع أحزاب وقوى كردية سنية. وتوقع الموسوي أن "يتم حل الموضوع خلال يومين"، مُنوهاً إلى زيارة مرتقبة لرئيس تحالف "الفتح" هادي العامري إلى أربيل، لبحث الحلول المطروحة مع القادة الأكراد.

لكنه أقرّ في الوقت ذاته بعدم وجود موافقة نهائية من كامل قوى "الإطار التنسيقي" حيال مشاركة جزء منه بالحكومة وذهاب الجزء الآخر للمعارضة.

واعتبر أن "القضايا الشخصية والخلاف بين المالكي والصدر هو من أوصل الأمور إلى عدم توافق البيت الشيعي والدخول بكتلة واحدة".

بدوره، رأى الباحث السياسي علي البيدر، في حديثٍ مع "العربي الجديد" أن "بعض الأحزاب السياسية الشيعية باتت ترى أن التواجد داخل المساحة الوطنية ضمن المنظومة السياسية، يضمن لها إرضاء الجمهور العراقي الذي بدأ يتجه وعياً نحو الوطنية، خصوصاً بعد تظاهرات أكتوبر/تشرين الأول 2019، لذا فإن التأثير الإيراني لم يعد كما كان سابقاً بكل الأحوال".

وأضاف: "هناك مزاج سياسي عام يتجه نحو الخط الوطني، بالتالي فإن هناك صعوبة في إعادة توحيد البيت السياسي الشيعي على أساس طائفي، بما يخدم المصالح الإيرانية التي تتبجح بأنها تستخدم من هم في السلطة العراقية لتحقيق أهدافها من دون النظر إلى مصالح العراق".

واعتبر البيدر بأن زيارة قاآني غير مضمونة النجاح، تحديداً مع مواصلة الصدر تمسكه بخيار حكومة الأغلبية، لكن الزيارة تمثل أهم الاختبارات بالنسبة للصدر أمام جماهيره، فإذا تراجع عن خطاباته الأخيرة سيظهر كالمنقلب على جمهوره الذي ينتظر الإصلاحات وتحقيق المشاريع التي وعد بها التيار الصدري للعراقيين.

المساهمون