وزير الدفاع التركي يزور طرابلس: تنسيق الجهود ضد تهديدات حفتر

26 ديسمبر 2020
توجه الزيارة رسالة قوية عن الموقف التركي في ليبيا إزاء أي تصعيد (الأناضول)
+ الخط -

وصل وزير الدفاع التركي خلوصي أكار برفقة رئيس الأركان يشار غولر وقادة آخرين، اليوم السبت، إلى العاصمة طرابلس، للقاء مسؤولين من حكومة الوفاق بينهم وزير الدفاع صلاح الدين النمروش.

وهذه أول زيارة لأكار بعد موافقة البرلمان التركي على تمديد مهام القوات التركية في ليبيا لمدة 18 شهرا، تزامنا مع تأكيد حكومة الوفاق على استمرار التدريبات العسكرية التي تتلقاها قواتها من جانب المدربين التركيين في سياق الاتفاق الأمني المبرم بينهما منذ نوفمبر من العام الماضي. 

واستقبل وزير الدفاع بحكومة الوفاق، صلاح الدين النمروش، برفقة رئيس أركان قوات حكومة الوفاق اللواء محمد الحداد، وزير الدفاع التركي ومرافقه رئيس الأركان التركي، وفق مراسم الاستقبال التي بثها التلفزيون الرسمي الليبي.

وبحسب مصادر مطلعة، فإن الزيارة ملفتة وتأتي بعد 3 أيام فقط من تهديد اللواء خليفة حفتر للقوات التركية الموجودة في ليبيا باستهدافها، ولهذا تحمل الزيارة أهمية كبيرة جدا من جانب أنقرة.

وتوجه الزيارة رسالة قوية عن الموقف التركي في ليبيا إزاء أي تصعيد، وتشمل الزيارة النقاط العسكرية التركية التي تتكون من 7 قواعد، إحداها قاعدة رئيسية كبيرة، والتي رفعت فيها الاستعدادات الأمنية لأقصى درجة بسبب التهديدات من قبل حفتر.

ولم يعلن الجانبان، الليبي والتركي، عن جدول أعمال زيارة وزير الدفاع التركي، لكن مصادر ليبية مطلعة أكدت لـ"العربي الجديد" أن الوزير سيشارك في حفل، بالكلية العسكرية بطرابلس، لتخريج دفعة جديدة من القوات الليبية بعد تلقيها تدريبات على يد مدربين أتراك، فيما سينفذ عدة زيارات من بينها زيارة للكلية الجوية بمدينة مصراته.

وفيما أشارت تقارير إعلامية متداولة عن وجود تركي عسكري كثيف في قاعدة الوطية، أقصى الغرب الليبي، استبعدت المصادر أن تجري زيارة للوزير التركي بشكل معلن للقاعدة، لكنها أكدت أن الزيارة سيعقبها رفع مستوى الوجود التركي العسكري في غرب البلاد، فجانب التدريب العسكري يتم وفقا لبنود مذكرة التفاهم الموقع بين الحكومة الليبية والتركية منذ إبريل/نيسان 2012، لكن الجديد يتمثل في التقدم نحو بنود الاتفاق الأمني الموقع في نوفمبر/تشرين الثاني من العام الماضي.

ومن الجديد، بحسب ذات المصادر، إنشاء مكتب ليبي تركي مشترك في مجالي الأمن والدفاع، بالإضافة لإنشاء قوة تعرف باسم "قوة الاستجابة السريعة" مؤلفة من عناصر ليبية تم تخريجها عبر دفعات مؤخرا على يد مدربين أتراك.

تنسيق مع تركيا ضد حفتر

وفي هذا السياق، أعلن المجلس الأعلى للدولة، بطرابلس، عن استمرار التنسيق المشترك مع الحكومة التركية لـ" صد أي محاولة "للتحرك من جانب مليشيات حفتر.

جاء ذلك خلال لقاء رئيس المجلس الأعلى، خالد المشري، بوزير الدفاع التركي خلوصي آكار، ظهر اليوم السبت، في طرابلس خلال الزيارة التي يجريها الأخير للقاء مسؤولي حكومة الوفاق.

وبحسب المكتب الإعلامي للمجلس فإن اللقاء، الذي ضم أيضا رئيس الأركان التركي الفريق أول ياشار غولر وقائد القوات البرية التركية الفريق أول أوميت دوندار وقائد القوات البحرية التركية عدنان أوزبال، بحث "استمرار التنسيق المشترك لصدّ أي محاولة لتحرك مُعادٍ من قبل قوات المتمرد خليفة حفتر الخارجة عن القانون والشرعية للعبث باستقرار ليبيا وأمن مواطنيها".

كما بحث الطرفان خلال اللقاء آخر مستجدات الأوضاع السياسية في ليبيا والملفات ذات الاهتمام المشترك، إذ أكد المشري حرصه على تطوير العلاقات بما يخدم مصالح البلدين.

وأضاف المكتب الإعلامي أن اللقاء ناقش مستجدات الحوار السياسي الليبي "عقب صد العدوان الإجرامي على العاصمة طرابلس"، مشيرا إلى تطابق الرؤية بشأن المسار السياسي بين المجلس ودولة تركيا لحل الأزمة في ليبيا، وأن "السبيل الوحيد لذلك هو عبر المسار السلمي السياسي وجلوس كافة الأطراف على طاولة الحوار".

ويعيش المشهد الليبي على وقع تراجع للحراك السياسي وتزايد غموض الوضع الميداني العسكري، في وقت نجحت فيه اللجنة العسكرية المشتركة 5 + 5 في إتمام أول عملية تبادل للأسرى بين قوات الوفاق ومليشيات حفتر، أمس الجمعة، وسط ترحيب أممي، حيث حثت البعثة الأممية، في بيان لها ليل أمس الجمعة، طرفي الصراع "على تسريع وتيرة تنفيذ كافة بنود وقف إطلاق النار".

يعيش المشهد الليبي على وقع تراجع للحراك السياسي وتزايد غموض الوضع الميداني العسكري

وتبادل جانبا الصراع تصريحات بشأن واقع الميدان، ففي جانب معسكر شرق ليبيا دعا اللواء المتقاعد خليفة حفتر قواته إلى الاستعداد لما وصفها بالمواجهة الحاسمة المقبلة لــ"طرد المستعمر التركي"، حسب تعبيره.

وقال حفتر في كلمة له الخميس الماضي بمناسبة عيد الاستقلال الليبي، "المواجهة الحاسمة قد بدأت ملامحها تلوح في الأفق القريب مع رصد مناورات وتحشيد لمرتزقة تركيا وجندها بالقرب من خطوط التماس، وتكديس السلاح والعتاد وبناء القواعد وغرف العمليات العسكرية"، وسريعا ما رد النمروش مؤكدا استعداد قوات "الوفاق" لصد أي هجوم من جانب مليشيات حفتر، بل أكد أن حكومته "لن تتخلى عن سرت أو الجفرة أو أي شبر من ليبيا".

وأضاف في تصريحات لتلفزيون ليبي، أن حكومته "لا تزال تحترم اتفاق وقف إطلاق النار الذي يرعاه المجتمع الدولي"، لكنه أكد أن قواتها على استعداد لصد أي هجوم من جانب حفتر الذي حاولت مليشياته أكثر من مرة خرقه.

وبالتزامن أعلنت غرفة عمليات تأمين وحماية سرت الجفرة، التابعة لحكومة الوفاق، بأن فرقها بدأت في "تنفيذ جولات استطلاعية لحفظ الأمن ورصد أي تحرك لمليشيات حفتر وجماعة فاغنر الروسية التابعة لها".

وقالت الغرفة، في بيان لها ليل الجمعة، إن جولات الاستطلاع نفذت في الصحراء الموازية لمناطق أبوقرين، مرورا بالوشكة ووصولا إلى بويرات الحسون، مشيرة إلى أن هذه التحركات تنفيذ للمهام المكلفة بها في إطار حفظ الأمن.

لا عودة قريبة للحرب

ويبدو ارتفاع مستوى التعاون التركي مع حكومة الوفاق هو ما أزعج حفتر وحلفاءه فبادر بالتهديد بمواجهة حاسمة، في وقت تستمر فيه تحشيداته العسكرية في مواقع التماس، وسط البلاد، ورغم ذلك لا تبدو أن "عودة الحرب قريبة"، برأي الباحث السياسي الليبي مروان ذويب، الذي يرى أن ارتفاع منسوب التوتر بين طرفي الصراع لا يزال يسير في ركب تعثر المسارات السياسية.

ودشنت البعثة الأممية، الاثنين الماضي، أعمال اللجنة القانونية المنبثقة عن ملتقى الحوار السياسي الليبي في لقاء عبر الاتصال المرئي بحضور رئيسة البعثة الأممية في ليبيا ستيفاني وليامز، لمناقشة الترتيبات الدستورية المناسبة المؤدية للانتخابات الوطنية، مشيرة إلى أن اللجنة يجب أن تنهي أعمالها خلال ستين يوما.

ورغم أن ذويب عبّر عن مخاوفه من الفراغ السياسي الذي قد يتركه تعثر الجهود الأممية، إلا أنه يؤكد في حديثه لــ"العربي الجديد" أن زيارة الوزير التركي سترفع في الجانب الآخر مستوى التهديدات، خصوصا من جانب أطراف إقليمية كالقاهرة.

ويرى ذويب أن "تمديد مهلة عمل اللجنة القانونية لشهرين يعني إطالة أمد فترة الوصول إلى حلول" في وقت لم تتحدث فيه البعثة عن اللجنة الاستشارية التي من شأنها راب الصدع الحاصل بين أعضاء ملتقى الحوار السياسي بشأن آليات اختيار شاغلي السلطة الجديدة، ما يعني أن هذه السلطة الموحدة لن تصل قريبا للمشهد المنقسم.

ووفق الناشط السياسي الليبي مالك هراسة فإن الجانب التركي يسعى لتقوية وجوده في ليبيا بعد التفكك الذي شهدته جبهة حكومة الوفاق والخلافات بين مسؤوليها ووزرائها، خصوصا المسار الذي يتجه فيه وزير الداخلية فتحي باشاغا بعيدا عن سياسات وأهداف أنقرة، ومحاولة استحواذه على المشهد الأمني.

ورغم أنه يرى أن قرار تمديد مهام القوات التركية في ليبيا وزيارة الوفد التركي اليوم تأتي في إطار ترتيب أنقرة لأوراقها في ليبيا ضمن المستجدات الدولية في الساحة، إلا أنه يرجح أن تؤدي المساعي التركية إلى توتير المشهد فـ"غير مستبعد صدور تصريحات من جانب حلفاء حفتر وقد سبق أن حدد السيسي سرت خطا أحمر وتصريحات النمروش عن نية حكومته عدم التخلي عن سرت والجفرة تعني تصعيدا من جانبه قد يستدعي ردا مصريا قريبا"، وفق هراسة.

وإلى جانب تعثر مسارات الحل السياسي الليبية يرى هراسة أن الأوضاع الساخنة في شرق المتوسط دافع آخر لارتفاع حدة الأوضاع في ليبيا إذا أقدمت تركيا على رفع مستوى وجودها العسكري إلى جانب حكومة الوفاق.

ويستبعد الناشط السياسي الليبي أيضا حدوث صدام عسكري بين طرفي الصراع الليبي، مؤكدا أن قادة الجانبين يعلمان جيدا أن ميزان القوى والاستعدادات العسكرية الحالية لن تمكن لأي منهما حسما عسكريا.

المساهمون