بدأ وزراء خارجية الدول العربية، اليوم الأربعاء، اجتماعهم التحضيري للقمة العربية المرتقبة في مدينة جدة، يوم الجمعة، بمشاركة النظام السوري بعد غياب 12 عاماً.
وسلّمت الجزائر رئاسة القمة العربية في دورتها الـ32 إلى السعودية، إذ رحّب وزير الخارجية فيصل بن فرحان بالوفود العربية، معلناً افتتاح أعمال اجتماع وزراء الخارجية تحضيراً للقمة العربية بجدة في المملكة العربية السعودية.
ورأست الجزائر القمة العربية خلال ستة أشهر مضت، وهي فترة تعد الأقصر مقارنة مع فترة عام المقررة في نظام التداول في الجامعة العربية، بسبب تأخير الجزائر لتاريخ القمة الماضية من 30 مارس/آذار إلى 1 نوفمبر/تشرين الثاني 2022، ويرتقب أن يقدم الرئيس عبد المجيد تبون خطاب افتتاح القمة، ويقدم فيه حصيلة سياسية لفترة رئاسته الدورية.
ورحّب الوزير السعودي بمشاركة سورية في القمة العربية وعودتها إلى الجامعة، مؤكداً أن العالم يمر بتحديات كبيرة تفرض "التوحد لمواجهتها"، ومشدداً على أن على الجميع "ابتكار آليات جديدة لمواجهة التحديات التي تواجه الدول".
#جدة | بدء وقائع الاجتماع الوزاري التحضيري للقمة العربية الثانية والثلاثون برئاسة صاحب السمو الأمير فيصل بن فرحان وزير الخارجيةhttps://t.co/r6CcZexVkk
— وزارة الخارجية 🇸🇦 (@KSAMOFA) May 17, 2023
من جهته، حذر الأمين العام لجامعة الدول العربية أحمد أبو الغيط من أن الوضع في الأراضي الفلسطينية يقترب من مرحلة الانفجار، مذكّراً بأن هناك أزمات في سورية وليبيا واليمن، "لكنها تمر بمرحلة من الجمود، وتم تحريك المياه الراكدة في هذه الأزمات".
وقال أبو الغيط إن العرب "لن يتركوا السودان وحده، إذ تجرى متابعة كل التطورات، وتم تشكيل لجنة اتصال، وتم بذل جهود من المملكة العربية السعودية للوساطة، لكن الأمر مرهون في المحصلة بإرادة السودانيين وقياداتهم لوضع حد لهذا الانحدار، وإسكات البنادق في أقرب وقت".
كذلك رحب أبو الغيط بوزير خارجية النظام السوري فيصل المقداد، بعد عودة سورية إلى مقعدها الدائم بالجامعة، مبيناً أن هناك قراراً اتخذ "في 7 مايو حول سورية يتضمن مقاربة كاملة لحل الأزمة، والانخراط العربي فيها، ومعالجة التبعات التي لحقت بسورية، ودول الجوار في السنوات الماضية".
ويشارك الرئيس السوري بشار الأسد في قمة الجمعة، بعد تلقيه دعوة رسمية من العاهل السعودي الملك سلمان بن عبد العزيز، الذي يرأس الدورة الحالية للقمة.
ويوم أمس الثلاثاء، استبقت "لجنة العلاقات الخارجية" في مجلس النواب الأميركي القمة العربية، بإقرارها بأغلبية ساحقة مشروع قانون لمكافحة التطبيع مع النظام السوري، وذلك بعد طرحه من قبل "التحالف الأميركي لأجل سورية"، الذي انضوت تحته عشر منظمات أميركية مختصة بالشأن السوري، تنشط في العاصمة الأميركية واشنطن.
من قمة الجزائر إلى جدة
خلال القمة العربية الأخيرة التي عقدت في الجزائر، مطلع نوفمبر/تشرين الثاني الماضي، وضعت الجزائر سقفاً عالياً لإمكانية تحقيق منجزات سياسية في حقل من الأزمات العربية، وحلحلة بعض القضايا العالقة في الساحة العربية، أو تحقيق تقدم نسبي ومخارج بشأن أزمات متعددة كانت محل نقاشات وقرارات في القمة، تخص سورية وليبيا وفلسطين وإصلاح الجامعة العربية وغيرها، لكن عوامل كثيرة لم تساعد على تحقيق تقدم في كثير من الملفات، بسبب تعقيدات الوضع العربي، وكذا ضعف آليات العمل العربي المشترك.
ويعد الملف السوري أبرز الملفات التي أمكن حلها خلال فترة الرئاسة الدورية للجزائر، فبعد رفض عربي لدعوة سورية إلى قمة الجزائر بدعم وتشجيع من الجزائر، تغيرت مواقف عربية كسرت الجمود في العلاقة مع النظام السوري، واختارت السعودية أخيراً توقيت واشتراطات عودة النظام إلى الجامعة العربية.
الباحث في الشؤون السياسية عمار سيغة، قال لـ"العربي الجديد" إن "الطموح الجزائري خلال القمة الماضية، اصطدم بواقع عربي معقد ومتداخل، لم تكن فترة ستة أشهر أو حتى سنة، كافية للقيام بأي اختراق في الجدار، خاصة وأنها عائدة لتوها بعد فترة غياب لافت، إضافة إلى أن هذا الطموح كان أكبر بكثير من الإمكانية المتوفرة لآليات العمل العربي المشترك، والتي مازالت تمثل العائق الأكبر في تطبيق مقررات القمم العربية".
وأشار إلى أن "الجزائر نجحت في المقابل في تثبيت عنوان سياسي هام يمكن أن يمثل خط عمل عربي مشترك وهو لم الشمل".
ويؤكد الكاتب والمحلل السياسي نصر الدين بن حديد، في تصريح لـ"العربي الجديد"، أن "تقييم فترة رئاسة الجزائر للقمّة العربيّة، ينطلق من الوضع الذي تسلمّ فيه هذا البلد هذه المهمّة، وثانياً النوايا المعلنة، وثالثًا ما تحقّق (وما لم يتحقّق) من هذه النوايا، ضمن وضع عربي شبه منهار، بفعل الصراعات البينيّة وتردّي اقتصاديات عديد الدول، والانقسام العربي المعلن".
وتابع، لم يكن من السهل "الوعد بالمستحيل أو المطالبة بما هو أبعد من الواقع"، مشيراً إلى أنه على "مستوى القضيّة الفلسطينية عجزت الجزائر رغم مسار المصالحة المقطوع بين الفرقاء سواء للحدّ من الخلافات أو السير ولو خطوات معدودات ضمن مسار توحيد القرار، لأنّ الجزائر، لا تمثّل القطب الأقوى والأكثر تأثيراً على تفاصيل هذه المعادلة"
وبرأيه، ما نجحت فيه الجزائر، نسبياً، هو فتح الملفّ السوري سعياً لعودة دمشق إلى "المربّع العربي"، لكن هذا اللا إنجاز وإن لم يؤت أكله المباشرة في قمّة الجزائر؛ فإنّه فتح الباب أمام هذه العودة في قمة جدة السعوديّة.