بعد نحو عام و4 شهور على الحرب الروسية الأوكرانية، بدا أن روسيا أدركت أخطاء البداية الفوضوية والمفرطة، وغيرت تكتيكاتها من وضع الهجوم إلى الدفاع لاستقبال الهجوم الأوكراني المضاد الذي أطلقته كييف في يونيو/حزيران الماضي متسلحة بالدعم الغربي النوعي، لاستعادة الأراضي والمدن المحتلة في الشرق والجنوب.
هذا الانتقال من الهجوم الواسع وصولاً إلى مشارف كييف في مطلع الحرب إلى الدفاع المنظم بشكل جيد يمثل وفقاً لصحيفة "واشنطن بوست" عودة إلى عقيدة عسكرية روسية قائمة منذ فترة طويلة، مما أسهم في إبطاء الهجوم الأوكراني.
وحسب الصحيفة، فإن موسكو التي تعلمت من أخطائها، أعادت تشكيل وحداتها المدمرة، واستبدلتها بوحدات جديدة، وتحولت من الهجمات الكاسحة إلى الدفاع عن الخطوط الأمامية شديدة التحصين، "مما يظهر أنه على الرغم من الخسائر الفادحة، فإن موسكو مستعدة للصمود على المدى الطويل".
ونقلت الصحيفة عن إيان ماتفييف، المحلل العسكري الروسي لدى مؤسسة مكافحة الفساد، التي أسسها المعارض الروسي المسجون أليكسي نافالني، قوله، "إنه مثال على التكيف. إنهم يستخدمون تجربتهم في هذه الحرب" لقتال القوات الأوكرانية حتى وصول الأخيرة إلى طريق مسدود.
ورغم إعلان القوات الأوكرانية تحقيق مكاسب محدودة في مسعى لقطع الجسر البري الجنوبي لروسيا إلى شبه جزيرة القرم، يقول المنتقدون إن تدفق المعدات الغربية، وأشهر من التدريب من قبل أعضاء حلف شمال الأطلسي لإجراء مناورات هجومية معقدة، لم تؤد إلى هجوم واسع النطاق والنجاح الذي كانت واشنطن تأمل تحقيقه، وفق الصحيفة التي ذكرت أيضاً أن أوكرانيا لا تزال تعتمد على تكتيك قديم: إطلاق المدفعية على المواقع الروسية.
وفسر خبراء تحدثوا للصحيفة هجوم روسيا في الأيام الأخيرة على مدينة كوبيانسك الشمالية الشرقية التي كانت محتلة وتمت استعادتها سابقًا، بأنه "جزء من استراتيجية دفاعية"، لمنع القوات الأوكرانية من التركيز في الجنوب.
ووفق تقرير الصحيفة، فإن روسيا تمكنت من التعافي بعد التقدم الفوضوي في بدايات الحرب، حيث تعرضت وحدات كاملة للإبادة.
وذكرت الصحيفة نقلاً عن خبراء أن موسكو تمكنت من إعادة تشكيل وحدات تعرضت لخسائر كبيرة من تلك التي شاركت في بداية الحرب.
وقالت كارولينا هيرد، المحللة الروسية في معهد دراسة الحرب، وهو معهد بحثي في واشنطن، إن هذه الوحدات، بما في ذلك جيش دبابات الحرس الأول والجيش السادس المشترك، تشارك في التقدم الجاري هذه الأيام نحو كوبيانسك. وأضافت: "يبدو أن الوحدات المستنفدة قد أعيد تشكيلها بالمجندين".
وقال خبراء للصحيفة إنه حتى العام الماضي، كانت القوات الروسية "لا تزال تفكر في شن هجوم مرة أخرى والاستيلاء على مساحات كبيرة أو حتى على كامل أوكرانيا"، لكنها اليوم "تحاول التمسك بما احتلته بالفعل".
ومن بين الأمثلة، هو أن القوات الروسية لم تحقق أي مكاسب في منطقة زابوريجيا، لكنها بدلاً من ذلك، أمضت أشهرًا في بناء تحصينات متعددة الطبقات في هذه المنطقة.
وحسب الصحيفة، فإن هذا النهج يمثل عودة إلى المبدأ التقليدي للتفكير العسكري الروسي: التركيز على التدريب على العمليات الدفاعية خوفاً من هجوم من الغرب.
وقال دارا ماسيكوت، المحلل العسكري الروسي في مؤسسة راند، وهي مؤسسة بحثية أميركية: "إن إعداد هذا النوع من المواقع الدفاعية هو أمر يفهمه القادة وقد تدربوا عليه منذ أن كانوا طلابًا عسكريين".
وضمن هذا النهج، وضعت موسكو خطوط دفاعية متعددة الطبقات لإبطاء واستنزاف القوات الأوكرانية، وعليه، "حتى لو تقدمت أوكرانيا عبر خط المواجهة، فعليها التعامل مع القوات الروسية الجديدة الراسخة في الخط الثاني أو الثالث"، وفقا للصحيفة.
كما اعتمدت موسكو بشكيل كبير على الألغام الأرضية، عبر نظام زرع الألغام بواسطة الصواريخ، مما سمح لها بإعادة زرع ألغام بسرعة في المناطق التي تم تطهيرها، إضافة إلى استخدام الخنادق الملغومة والألغام المكدسة لخداع القوات المتقدمة، طبقا للصحيفة.
ويفسر خبراء تحدثوا للصحيفة هذا التحول الروسي نحو الدفاع الصارم، بما وصفوه "لعبة انتظار الاستنزاف"، وذلك بانتظار استنزاف صفوف القوات الأوكرانية، للعودة للهجوم مجددا.
نقص الموارد
من ناحية أخرى، يرى خبراء تحدثوا للصحيفة أنه رغم قدرة الجيش الروسي على تنظيم دفاع جيد، إلا أن "هناك دلائل تشير إلى أنه لا يزال يعاني من نقص مدمر".
وقال جيمس راند، المحلل العسكري في شركة الاستخبارات الخاصة جينس للصحيفة إنه "رغم أن الاستراتيجية سليمة، إلا أنها قد تشير إلى نقص الموارد". وأضاف: "إنهم يعانون من نقص شديد في المركبات المدرعة القابلة للنشر".
ونقلت الصحيفة عن مجموعة "أوريكس" الاستخباراتية تأكيدها خسارة روسيا لـ2296 دبابة في الحرب، أي أكثر من نصف العدد الذي بدأت به.
كما أدى انسحاب فاغنر إلى إخراج ما يصل إلى 20 ألف مقاتل من ذوي الخبرة من ساحة المعركة. ويقول الخبراء إن خروج فاغنر واضح في الخليط من القوات التي حلت محلها في شرق أوكرانيا.